انقلاب في الملاعب
حسن البصري
عرضت إحدى القنوات الجزائرية روبورتاجا حول ملعب خامس يوليوز، وكشفت عن تاريخ هذا الملعب الذي تم افتتاحه في يونيو 1972 بخطاب للرئيس الجزائري هواري بومدين، خلال دورة دولية لكرة القدم. قدم التلفزيون صورا لأول مباراة احتضنها هذا الملعب وجمعت منتخبا مكونا من نجوم الكرة بالمغرب العربي بمنتخب المجر. ظهر بومدين وهو يخطب بحماس أمام لاعبي المجر وأسي ميلان الإيطالي وبالميراس البرازيلي، الذين لم يفهموا طبعا ما كان يقوله الرئيس، رغم ذلك كانوا يصفقون كلما انبعثت من المدرجات تصفيقات لا يعلمون دواعيها.
قدم التلفزيون الجزائري لقطات من أول مباراة شهدها ملعب خامس يوليوز والتي شهدت حضور مجموعة من اللاعبين المغاربة، كعلال وبوجمعة وباموس والفيلالي، هذا الأخير دخل التاريخ حين سجل أول هدف في هذا الملعب، لكن المعلق ابتلع لسانه وتحاشى الحديث عن لاعب مغربي أبهر بومدين وصفق له الجمهور بحرارة. فاز منتخب المغرب العربي وبعد أيام تسللت الخلافات السياسية فأجهضت حلم منتخب المغرب العربي الذي تم حله في بداية السبعينات حين ردد القذافي مقولة مستوردة تقول إن «الرياضة أفيون الشعوب».
ظهر اللاعب المغربي محمد الفيلالي في الروبورتاج محمولا على أكتاف زملائه، علما أنه من مواليد الجزائر في 9 يوليوز 1945، من أب ينحدر من أصول فيلالية وتحديدا من الريصاني إقليم الراشيدية، هاجر إلى الجزائر للعمل، قبل أن يعود إلى المغرب ليستقر شافاه الله في مدينة وجدة.
سقطت من الروبورتاج لمسات اللاعبين المغاربة وتسديدة بوجمعة ورأسية الفيلالي الذي أشرف على تدريب فريق عين تموشنت بالجزائر، قبل أن يخوض تجربة كمدرب للمولودية الوجدية، وحدها تحركات اللاعب الجزائري لالماص هي التي شغلت بال المعلق.
قال الرئيس الجزائري في خطابه بملعب خامس يوليوز، «ستحمل ملاعبنا أسماء رموز الكرة وتواريخ النضال ضد المستعمر»، وفي العاصمة الجزائرية لازال فريق وملعب يحملان اسم حسين داي الحاكم التركي الذي سلم العاصمة على طبق من ذهب للفرنسيين، وعاش آخر أيامه منفيا في القاهرة، وحين مات ظل حيا في وجدان الرياضيين بالرغم من سوابقه الاستعمارية.
كان بومدين أميا في دروس الكرة، إلا أنه كان يعرف جيدا ما تفعله المستديرة في نفوس الناس، وكيف تعبث بمشاعرهم وتحولهم إلى سكارى وما هم بسكارى، لهذا خطط للقفز على كرسي الرئاسة في مباراة لكرة القدم جمعت بين المنتخب الجزائري وسانتوس البرازيلي، بوجود خيرة نجوم الكرة البرازيلية يتقدمهم بيلي وغارينشا.
بومدين مدين للكرة لأنها سهلت له السطو على السلطة، بعد أن انقلب على صديقه أحمد بن بلة رئيس الجمهورية الجزائرية ليلة 19 يونيو 1965، حين كان يترأس المباراة المذكورة ويتمايل مع لمسات ملك الكرة بيلي في المنصة الرسمية لملعب الشهيد زبانة بوهران.
حين انتهت المباراة غادر الرئيس الملعب متوجها إلى مقر إقامته، هناك داهمه انقلابيون وأعلنوا باسم «التصحيح الثوري» بومدين رئيسا للبلاد. أصيب وفد الفريق البرازيلي بالهلع وقضوا ليلة بيضاء بعد أن انتشرت في المدينة الدبابات وعناصر الجيش، قبل أن يصدر بلاغ عن إذاعة الجزائر ينهي عهد بن بلة الذي كانت تسكنه لمسات نجوم الكرة البرازيلية ليستفيق على أمر عسكري يقضي بوضعه رهن الإقامة الجبرية.
منذ ذلك الحين أصبح رؤساء الجزائر يتحاشون الجلوس في منصات الملاعب، ويكتفون بإيفاد وزرائهم لتقديم الكؤوس، فلا ثقة في عسكري له استعداد فطري لنزع الصفارة من فم الحكم وإعلان نهاية المباراة لمجرد تلقي أمر من القيادة.
كان أحمد بن بلة لاعبا لكرة القدم في صفوف فريق مغنية، لكنه تدرب مع المولودية الوجدية على يد المدرب بن براهيم، قبل أن يحمل قميص أولمبيك مارسيليا ويتحول إلى عنصر أساسي في تشكيلة حكام الجزائر، الذين اختاروه رئيسا للبلاد ثم استبدلوه، في تغيير اضطراري، بلاعب احتياطي يدعى بوخروبة ويحمل اسم الهواري بومدين.