شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الهوية المغربية

من لا هوية ولا تاريخ له فلا مستقبل له في هذا العالم، ولن يكون بمقدوره تحديد المسار الذي سيختاره في هذه الحياة، بقدر ما سيعيش مرارة الركوض واللهث خلف المجهول، وهو يترنح تحت تأثير الحضارات والثقافات الأخرى، بحيث كل عاصفة تلوح به لأخرى، على عكس من يمتلك هوية قوية ضاربة في عمق التاريخ كشجرة لا تحركها الرياح العاتية، وإن حدث ذلك تُسقط أوراقها التي تحتاج تجديد الحياة فقط.

إن الوقت الحاضر يحتم علينا العودة بقوة إلى التشبث بهويتنا المغربية الضاربة في عمق التاريخ، والمغرب كأمة واجهت أعتى الأزمات المعقدة وأوقفت طموح أكبر الامبراطوريات في التوسع والاستيلاء على بلدان البحر المتوسط، كما تتوفر على رصيد لا ينفذ من العادات والتقاليد المتنوعة بتنوع المناطق، بالإضافة إلى المطبخ المغربي المشهود له عالميا بالتميز والانفراد والإبداع.

علينا تدارك إهمال الأنشطة الموازية بالمؤسسات التعليمية من التعليم الابتدائي حتى الثانوي، وضرورة تناول مواضيع تتعلق بترسيخ الهوية المغربية في نفوس الأجيال التي تمثل مستقبل الوطن، وإدراج ملف الهوية في المناهج التربوية بشكل يتناسب وسن التلاميذ، لأن التفريط في تلقين الهوية يعني إنتاج جيل كشجرة بدون جذور تشدها إلى الأرض.

وعندما نقول التشبث بالهوية، فإن هذا لا يعني الانغلاق على الذات أو التخلف عن الركب وعدم مسايرة التحولات العالمية، بل الانفتاح على الآخر مع حماية البيت أولا، بحيث تصبح رياح الحضارات والثقافات الأخرى مثل هواء النوافذ وفتحها بالقدر المطلوب من قبل سكان البيت، وليس اقتلاع البيت من أساسه بالانفتاح على عواصف هوجاء، تدمر كل شيء أمامها ولا تبقي من الهوية سوى الحطام.

الاعتزاز بالثقافة والهوية المغربية، من أهم مداخل العودة لصقل الكنوز التي يتوفر عليها المغرب، والافتخار بالأصل والتاريخ وتقدير الذات هو نتاج التربية داخل الأسرة وحمايتها من التفكك والحروب المدمرة التي تواجهها بشكل يومي، والمدرسة وتجويد التربية والتعليم، ومساهمة الإعلام والسياسات العمومية وكل القوى الحية في البلد في ترسيخ الهوية، وهو الشيء الذي يعني العمل ولاشيء غير العمل حيث لا مجال للصدفة أو المزايدات والشعارات الفارغة، في ظل تسابق الحضارات لبسط هيمنتها وغزوها العالم بكل الطرق الممكنة والأسلحة الناعمة.

هناك من المغاربة من يتفاجأ كثيرا، عند زيارته لبلدان عالمية أو حضور مؤتمرات واجتماعات دولية، من التقدير والاحترام الكبير الذي تحظى به الدولة ومكانة الثقافة المغربية والإعجاب بالهوية والقدرة على تدبير تعايش الأديان والسعي إلى السلام، ناهيك عن تنوع الثقافات واللهجات والعادات والتقاليد دون أن يكون ذلك عامل تصادم وتفرقة، بل تكامل وتكافل وترابط يزداد قوة وصلابة مع الزمن، وهذا هو مربط الفرس بحيث نتوفر على كنز ثمين بين أيدينا، يجب العودة لتقديره والحفاظ عليه كأمة لها تاريخ وليست كغصن هش في شجرة مجهولة تكسره الرياح وينتهي به الأمر إلى حيث تجري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى