شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الهدر الاستثماري

كما يوجد هناك هدر الزمن المدرسي وهدر الزمن في تنفيذ المشاريع والصفقات العمومية، هناك هدر الزمن الاستثماري الذي لا يقل خطرا عن ما سبق ذكره، من حيث عرقلة مشاريع استثمارية وسط تقاذف المسؤوليات، وطرح مبررات جمود القوانين التعميرية وغيرها وتداخل الاختصاصات وكثرة المتدخلين، وكأن القوانين التي يجتهد المشرع في صياغتها لتلائم الواقع وتساهم في التنمية، وُضعت لتكون عائقا أمام التشغيل وتُفرمل نسبة النمو بشكل عام.

إن تعثر وتأخر مشاريع استثمارية، رغم التقارير الرسمية التي تصدرها مؤسسات الرقابة والشكايات والاحتجاجات ولجان التفتيش التابعة لمصالح وزارة الداخلية، يطرح أكثر من علامة استفهام حول تشجيع الاستثمار الذي نريد وكيف يمكن تحقيق الأرقام والأهداف المطلوبة في تحويل المغرب إلى قبلة استثمارية، خاصة ومؤشرات الاستقرار السياسي والمؤسساتي والأمني، كأفضل أسلحة تحتاجها الحكومات عبر العالم للنجاح في جلب الاستثمارات الكبرى على المديين المتوسط والبعيد.

يجب التدقيق وتحديد المسؤوليات وفق الصرامة ومحاسبة كل من يثبت تورطه في جمود ملفات استثمارية وهدر الزمن الاستثماري، مع بحث الإمكانية لإيجاد حلول قانونية لكافة الملفات العالقة داخل مدة زمنية معقولة يتم احترامها من قبل الأطراف والمؤسسات المعنية، لأن كل دقيقة تأخير تتسبب في تعثر الاستثمار تكلف الدولة ثمنا باهظا لمعالجة تبعات البطالة والفقر والتهميش، باعتبار أن كرامة المواطن ترتبط مباشرة بالعمل ولا كرامة من دون عمل يضمن تلبية الحاجات الأساسية في الحياة.

هناك تبعات اقتصادية كارثية لا ينكرها أو يحاول القفز عليها إلا من يريد تغطية شمس الصيف الحارة والساطعة بغربال بعيون واسعة، في ملف تعثر مشاريع استثمارية والتأثير السلبي جدا على مجموعة من القطاعات المترابطة بينها، ومشاكل الركود التجاري والمهني والسياحي، وضياع مداخيل مالية مهمة على ميزانية الدولة.

من غير المقبول، قطعا، ترك المستثمر لوحده يصارع وسط تصفية الحسابات بين المنتخبين والمسؤولين، وكواليس السماسرة الذين يُتاجرون في سلطة التوقيع وتربطهم علاقات مع رؤساء الجماعات والبرلمانيين، والتلاعب بالقانون ليصبح معقدا أو سهلا يسيرا حسب مزاج المسؤول والأجندات الضيقة، فضلا عن تقاذف المسؤوليات وعدم تقدير أن كل عرقلة للاستثمار، يكون وقعها كارثيا على اقتصاد البلاد والصورة الإشهارية الإيجابية التي يجب أن تمنح لمن يرغب في الاستثمار لتشجيع غيره بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

لسنا مع التضخيم لنصنع من البيضة جملا، وليس تقليص حجم الفيل ليصبح أرنبا، بل الأمر يتطلب «المعقول» لوضع كل ملف في حجمه من حيث التبعات والتأثير سلبا على الصالح العام، والدقة في معايير المرونة في تطبيق القانون، والنظر إلى أرقام التشغيل وجحم الاستثمارات، لأن كل عرقلة بطرق ملتوية أو تقاذف المسؤوليات وجب أن يتم الوقوف عليها وفق الجدية المطلوبة، وتنزيل المخططات الاستراتيجية للتنمية والتوجيهات الملكية السامية التي تهدف إلى الرفع من جودة الخدمات العمومية وتحسين جودة الحياة بالمملكة الشريفة، ومواكبة التحولات العالمية ووضع القدم رفقة الدول العظمى في مضمار سباق التنمية، باستغلال كافة الفرص السانحة والمؤهلات المحلية والإفريقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى