يونس جنوحي
الجامعات الجزائرية هذه الأيام توجد في موقف لا تُحسد عليه. إذ إن بعض التخصصات الأكاديمية، في البحث العلمي، تضع أطروحات تنسف نظرية النظام الجزائري بخصوص المغرب. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تزوير البحث العلمي، خصوصا في المجالات التي تعتمد على الوثيقة التاريخية. الحل أن يتم القفز عليه، وهذا بالضبط ما يقوم به هذه الأيام مسؤولون في الجامعات الجزائرية. إذ إن بعض الطلبة الذين ضاقوا ذرعا بهذه الممارسات، واختاروا اللجوء إلى منصات البحث الدولية لكي يضعوا بحوثهم الجامعية حتى تكون متاحة للعموم.
إدارة الجامعة تعتمد هذه البحوث، لكنها تفضل أن تتركها حبيسة الرفوف وتسلم لأصحابها الشهادة الجامعية لكي تضعهم خارج أسوار الجامعة في المستقبل، وتضع معهم نقطة نهاية حتى لا يتعمقوا أكثر في المجال الذي «ينبشون» فيه.
ولكي تتضح الصورة أكثر، نعطي مثالا ببحث جامعي أنجز سنة 2019، أعدته طالبة جزائرية متحمسة، عن قبائل الواحات في الحدود الجزائرية المغربية، وخلصت في بحثها إلى أنه لا وجود للحدود التي يقول النظام الجزائري إنها رسمية. ورغم أنها حاولت تفادي الإحراج عند تدوينها لخلاصات البحث الجامعي الموجه للحصول على شهادة «الماجستير» في التاريخ، إلا أن إدارة الجامعة كان لها رأي آخر.
خلاصة البحث أن الحدود التي توصل المغرب والجزائر إلى اتفاق بشأنها في ربيع سنة 1972، لا وجود لها أساسا علما أن النظام الجزائري برئاسة وزير الخارجية وقتها، عبد العزيز بوتفليقة، كان يتحدث عن قبائل «جزائرية» تتحرك في المنطقة الحدودية. والبحث يقول إنه لا وجود لأي دليل تاريخي على أن تلك القبائل جزائرية. بل قدم إفادات من التاريخ الشفهي للسكان المحليين، تبين من خلاله أن أبناء تلك القبائل يعتبرون أنفسهم امتدادا للطرق الصوفية التي كان مقرها موزعا من وجدة وصولا إلى فاس. وهناك قبائل في المنطقة الحدودية يعتبرون أن أجدادهم جاؤوا أساسا من مناطق الناظور وگرسيف.
وفي منطقة فكيگ، آخر النقط السكانية في المنطقة الشرقية في الحدود بين المغرب والجزائر، يعتبر المزارعون المستقرون في الجهة الجزائرية أنفسهم من البدو الرحل، وأغلبهم جاؤوا من نواحي قصر السوق والريصاني، ووصلوا إلى الصحراء الجزائرية لأنهم كانوا يمارسون الرعي. وقدم البحث وثائق من مخطوطات بعض الفقهاء الذين زاروا تلك المناطق أواخر فترة 1880 ووجدوا أن أغلب القبائل المستقرة هناك جاءت من نواحي جنوب المغرب الشرقي.
وهذه المعطيات تؤكد أن القرار الجزائري القاضي بطرد الفلاحين المغاربة في نواحي فكيگ، يبقى عملية سياسية في إطار التصعيد ضد المغرب، ويمكن بسهولة لهؤلاء الفلاحين المغاربة اللجوء إلى القضاء الدولي للمطالبة بإنصافهم، لأن السلطات الجزائرية منعتهم من الوصول إلى أراضيهم على الحدود ومزاولة أي نشاط زراعي بها، لدواع «أمنية».
هذا البحث خلص إلى مسألة مهمة مفادها أن عملية ترسيم الحدود الجزائرية لم تخضع لأي معطى تاريخي يحترم خصوصية القبائل، وأشار إلى أن الإدارة الفرنسية قبل الإعلان عن استقلال الجزائر بداية الستينات لعبت دورا كبيرا في تعقيد ملف ترسيم الحدود بين البلدين.
لا أحد في الجزائر يريد اليوم إثارة موضوع الجزائريين المغاربة. وهم مغاربة استقروا في الجزائر بعد الاستقلال لدواع اقتصادية، واستخرجوا وثائق تعريف جزائرية في نفس الوقت الذي كانوا يتوفرون فيه على جوازات مغربية. ورغم أن الجزائر طردت أغلبهم من ترابها سنة 1975 بعد المسيرة الخضراء، إلا أن أرشيف الإدارات الجزائرية لا يزال يعتبر هؤلاء المغاربة مواطنين جزائريين لم يجددوا أوراقهم الثبوتية، والمُحرج أن الإحصاء يصنفهم في خانة الموتى، رغم أنهم أحياء على الجانب الآخر من الحدود.