
هناك مباريات أشد حرارة وإثارة تجري خارج ملاعب قطر هذه الأيام. إذ إن بعض الشركات الاستثمارية العالمية، من تلك التي تسيطر على عالم الترفيه والسفر، لم يرقها ألا ينالها نصيب من الكعكة. حتى أن بعض الشركات المتخصصة في بيع خدمات الدراسات والتواصل مع الصحافة، جندت موظفيها لنشر معلومات تشوش على مستوى التنظيم في دورة كأس العالم الحالية، وتستهدف الدوحة سياسيا.
شركة اسمها «ترايدينغ بيديا» عممت، على مجموعة من الصحافيين الناطقين بالإنجليزية حول العالم، ما أسمته دراسة تتعلق بتكلفة تنظيم قطر للمونديال.
ورغم أن الشركة التي عممت بلاغا في الموضوع تقدم نفسها على أنها تبيع خدمات إعلامية، من بينها التواصل، إلا أنها في الرسالة لم تسم الموضوع «دراسة» بل قصة!
تقول الشركة إنها أجرت حسابات خلصت من خلالها إلى أن قطر أنتجت، طوال فترة الاستعداد لاستقبال نسخة كأس العالم فوق أرضها، ما يفوق 928 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون، قذفت بها في الأجواء.
«القصة» التي أرادت الشركة مشاركتها مع الصحافيين، تقول إن قطر أنتجت 3 مليار برميل، على مدى أربع سنوات، لتغطية مصاريف فواتير بناء الملاعب وإعداد البنيات التحتية. وهذا الإنتاج لا يمثل سوى 11 بالمائة من احتياطي قطر من النفط.
لم تركز الدراسة على مسألة احتياطي قطر من النفط، لأن الخبراء يعتبرون أن هذا الكم من الإنتاج لا يهدد اقتصاد قطر نهائيا ولا يمس بأي سياسة نفطية ولا يتعارض مع قوانين التمثيليات الدولية للدول المنتجة للنفط. فأين المشكل إذن؟
المشكل أن هناك شركات لا تزال تفكر بعقلية استعمارية، ألفت امتصاص ملايين الدولارات كلما تعلق الأمر باستقبال دولة ما فوق كوكب الأرض لأول نسخة لكأس العالم فوق ترابها.
هذه الشركات اعتادت أن تأكل الأخضر واليابس وتشتري أسهما في شركات متعددة الجنسيات من تلك التي تفوت لها صفقات إعداد الملاعب وإصلاح الفنادق، حتى في دول الصف الأول التي تتحكم في اقتصاد العالم.
حاولت هذه الدراسة تضخيم إنتاج قطر للبترول الكافي لتغطية مصاريف كأس العالم، ولم يسلطوا الضوء على إنتاجاتها الطاقية الأخرى التي تُنتج لعقود بعيدا عن ظرفية كأس العالم ولا المشاريع الاستثمارية المرتبطة به.
أما بالنسبة لحجم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المتعلقة بإنتاج تلك الكمية من البراميل، فلا يتعدى ما تُنتجه 200 مليون سيارة حول العالم طوال سنة واحدة فقط من الاشتغال.
وهذا يعني أن الرقم الذي تم إنتاجه خلال أربع سنوات لا يمثل بالنسبة للمنظمات الراعية للبيئة وثقب الأوزون أي خطر.
الخطر الحقيقي الذي يهدد الطبيعة هو توفر دول على أسلحة نووية خطيرة، ومعامل تخصيب اليورانيوم مع ما تشكله من تهديد لسلامة البشر عند وقوع أبسط تسريب.
لا توجد شركات رأسمالية تُنتج دراسات عن مخاطر التسريبات النووية ولا أماكن التخلص من النفايات السامة في الدول الفقيرة.
الدراسات الحقيقية يجب أن تشمل وضعية حقوق الإنسان في مراكز الإيواء في أوروبا، حيث سجلت حالات وفيات غامضة في صفوف اللاجئين، وهناك مراكز حدودية أوروبية مهجورة تخبئ آلاف الجثث لمهاجرين من بؤر التوتر حاولوا التسلل عبرها إلى أوروبا.
ما أزعج هؤلاء أن بلدا عربيا نجح أخيرا في لفت أنظار العالم إليه وحصد إعجاب جنسيات طالما قادت حكوماتها كل ما له علاقة بالرفاهية والترفيه. هذا كل ما في الأمر.
يونس جنوحي