الملك العام
استفحلت ظاهرة احتلال الملك العام بجميع المدن لسنوات طويلة دون حلول جذرية، وانتشر سرطان الفوضى وتشويه المنظر العام الذي يتغذى من روافد الفساد والاستغلال الانتخابوي والرشوة، التي تختفي في تفاصيل القطاعات غير المهيكلة، وتتكاثر مثل النباتات الضارة كلما كانت البيئة مناسبة، وتنسف كل مشاريع الهيكلة وحماية الصالح العام.
هناك فشل ذريع للمجالس الجماعية في هيكلة وتفعيل دور الشرطة الإدارية، ما ساهم في تزايد احتلال الملك العام من قبل الباعة الجائلين وأرباب المقاهي والمطاعم والفنادق وأصحاب المشاريع، حتى أن الأرصفة والشوارع أصبحت مغلقة بالكامل، بالإضافة إلى حواجز ولوحات إشهارية توضع بشكل غريب، لتحديد عدم الاقتراب من الملك العام الذي يعتبر من الفضاءات المشتركة التي يحق للجميع الاستفادة منها طبقا للقانون.
في ظل تدشين المغرب لإصلاحات ومشاريع كبرى، والسعي إلى هيكلة القطاعات المالية والضريبية، لا يمكن القبول باستمرار ظاهرة احتلال الملك العام تحت مسميات اجتماعية وركوب قضايا البطالة وفوضى القطاع التجاري، وقد حان الوقت لتنزيل بدائل حقيقية بالنسبة إلى المهن المرتبطة باحتلال الملك العام، مع ردع احتلال الملك العام الراقي، وتتبع تطبيق القانون بشكل سليم خارج المزايدات الفارغة، أو تحويل النقاش عن مجراه الحقيقي.
ما تحتاجه المرحلة الآن هو تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بالنسبة إلى فشل عدد من المشاريع البديلة التي أحدثت كبديل لاحتلال الملك العام وصرفت عليها ميزانيات مهمة من المال العام، وضياع مداخيل مهمة على ميزانية المجالس، بسبب فوضى استغلال الملك العام، وتهديد سلامة وحياة المارة بدفعهم إلى السير بالطرقات لاحتلال الأرصفة، أو إغلاقها عشوائيا، فضلا عن تشويه المنظر العام وترييف المدن.
هناك لوبيات مستفيدة من الفوضى، من الطبيعي أن تهاب مشاريع الهيكلة والمعاملات المالية الواضحة، وما تخشاه هذه اللوبيات أكثر هو وعي الطبقات الهشة والفقيرة بنعمة ممارسة مهن منظمة تحترم شروط ومعايير السلامة، وتحفظ كرامة المهني، وتقطع الطريق أمام استغلاله بأي شكل من الأشكال، لأنه ليس هناك من ضحية للفوضى أكثر من المواطن الفقير وليس العكس كما يتوهم البعض.
وعلى الرغم من الإكراهات والمعيقات وتراكمات مشاكل الظاهرة المشينة، إلا أن وزارة الداخلية تواصل القيام بمجهودات جبارة، لتنظيم احتلال الملك العام، والسهر على تطبيق القانون وتتبع فشل المجالس في تفعيل الشرطة الإدارية، ناهيك عن الإشراف على اجتماعات ولقاءات مكثفة للتنسيق بين المؤسسات، من أجل معالجة شاملة لفوضى احتلال الملك العام، تراعي السلم الاجتماعي وتواكب استعدادات المغرب لتنظيم تظاهرات عالمية.