الملكية وسيد قطب والولاء نص نص
قال رئيس الحكومة إنه في ليلة من ليالي عام 1976 قرأ كتاب «معالم في الطريق» للمفكر سيد قطب، وفي الغد «أصبحت شخصا آخر وبدأت حياتي الثانية»، والحمد لله أن تهمة الانتماء إلى تنظيم وفكر الإخوان المسلمين التي ظل بنكيران ينفيها عن نفسه وحزبه، قد أقر بها اليوم واعترف بأن سيد قطب، منظر الفكر السلفي والعضو في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، كان له الفضل في تغيير حياته. وعلى بنكيران بعد كل هذه السنين أن يرد الجميل للراحل قطب ليس بالدعاء له أو زيارة قبره، بل بتأليف كتاب تحت عنوان «كيف تصبح رئيسا للحكومة بعد قراءتك كتب سيد قطب».
ومن يتابع تصريحات السي عبد الإله في الاجتماعات الرسمية والحزبية، لا يمكنه سوى أن يصنفها في خانة أدب «حاجيتك وماجيتك»، وعلى بنكيران، الذي يقول إن فكره وحياته قد تغيرا بعد قراءته لكتاب «معالم في الطريق»، أن يكشف لنا عن موقفه من النزعة التكفيرية لسيد قطب الذي اعتبره علماء المسلمين، ومنهم يوسف القرضاوي، «خارجا عن ملة أهل السنة والجماعة»، بعدما كفر العباد والمجتمعات والحكام والأنظمة، واشتهر بطعنه في الصحابة منهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، واتهمهم بالخيانة والكذب والخديعة والرشوة، وأكثر من ذلك طعن في خلافة عثمان، وكل ذلك موجود وموثق في كتاب لسيد قطب بعنوان «كتب وشخصيات»، الذي يوجد حتما في خزانة كتب السي عبد الإله.
وإذا كان رئيس الحكومة وزعيم العدالة والتنمية يكرر على مسامعنا تشبثه وتشبث حزبه بإمارة المؤمنين والملكية والوحدة المذهبية للمغاربة، وفي الآن نفسه يعترف بأن حياته أصبحت حياة ثانية بعدما قرأ كتاب «معالم في الطريق»، فليسمح لنا أن نعرض عليه ما جاء في الصفحة 31 من هذا الكتاب الذي غير حياة السي عبد الإله، يقول قطب: «وليس الطريق أن نخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي إلى يد طاغوت عربي، فالطاغوت كله طاغوت، إن الأرض لله وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت، إن الناس عبيد الله وحده، لا حاكمية إلا لله، لا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، وهذا هو الطريق».
طريق سيد قطب واضح، ولا يحتمل قراءة ثانية، لكن السؤال الذي يبقى معلقا هو هل ما يدعو له قطب هو الطريق الحقيقي لبنكيران، طالما أنه اعترف قبل يومين في مجلة «زمان» بأنه مدين لفكره وبأن حياته تغيرت بفضل هذا المفكر المصري المثير للجدل الذي لم يكن يعترف بالحكام المسلمين، رغم أن القرآن نفسه يعترف بهم ويفرض لهم حق الطاعة والعدل والنظر في شؤون الرعية، في وقت ظل سيد قطب يدعو إلى «طليعة إسلامية تجرد الحكام من سلطانهم».
الظاهر أن بنكيران قد توقف ربما عن القراءة في عام 1976، ولم يجدد فكره ولم يطلع على القراءات النقدية في الفكر الإسلامي، ومنها كتاب «دعاة لا قضاة»، للمستشار والقاضي حسن إسماعيل الهضيبي، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بعد اغتيال حسن البنا أيام حكومة مصطفى باشا النحاس والملك فاروق، والذي ألف كتابه للرد العلمي والفقهي على طروحات سيد قطب، معتبرا أفكاره «بعيدة عن الإسلام»، وقام بمراجعتها بالحديث والنص القرآني.
ألاعيب «حاجيتك وماجيتك» التي يتقنها عبد الإله بنكيران، أوصلته اليوم إلى «تخلاط العرارم» في موضوع خطير وجد حساس، فالرجل رئيس حكومة معين من قبل أمير المؤمنين، ملك البلاد، القائد الأعلى للقوات المسلحة وحامي حمى الملة والدين، وفي الآن نفسه يعلن بنكيران اليوم أفضال طريق وفكر سيد قطب على حياته، وهو الطريق الذي يقضي بتجريد الحكام من سلطانهم والطعن في الصحابة وتكفير المسلمين، وهذه مسألة لا اسم ثاني لها سوى الولاء «نص نص».