يونس جنوحي
الهجرة صارت تُهمة في العالم الحر الجديد. الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ترك كل مشاكل بلاده، وبدأ تصفية الحساب مع المقيمين فوق تراب الولايات المتحدة خارج القانون.
الترحيل والطرد الأبدي من أمريكا شبح يطارد مئات الآلاف، من أمريكا اللاتينية خصوصا، ممن لم يحالفهم الحظ لتسوية وضعيتهم مع مصالح الهجرة، رغم أن أغلبهم يزاولون مهنا ويساهمون في دوران عجلات الاقتصاد الأمريكي منذ مجيئهم إلى أمريكا، قبل أكثر من 25 عاما.
تزوجوا وأنجبوا وصار أبناؤهم مواطنين أمريكيين، لكن هؤلاء المهاجرين يدركون أن أمريكا سوف تصبح محرمة عليهم، ما أن يغادروها لقضاء عطلة قصيرة في بلدانهم الأصلية.
أغلب هؤلاء المهاجرين أثبتوا أنهم مواطنون صالحون، وبقوا بعيدين عن المشاكل والسجون، وانشغلوا بادخار الدولار تلو الآخر، لضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم، رغم إصرار دوائر الهجرة على عدم الاعتراف بهم.
قبل قرن ونصف، كانت الهجرة عملية سحرية لبدء حياة جديدة. المهاجرون كانوا يُولدون من جديد، بمجرد أن يركبوا الباخرة من ألمانيا أو مارسيليا أو بريطانيا أو حتى من إيرلندا في اتجاه مرسى نيويورك. الإيطاليون هاجروا إلى أمريكا، هربا من الفاشية والفقر.
هؤلاء جميعا أصبحوا أمريكيين، والجيل الحالي منهم يحملون أفكارا معادية للمهاجرين.
مهاجرو أمريكا اللاتينية يعيشون الاضطهاد، ويتعرضون لتفتيش مهين في مطار مدريد، بذريعة الاشتباه في تهريب المخدرات، رغم أن مواطنين إسبان تورطوا بدورهم في شبكات التهريب، بل واتضح أنهم يقودونها.
مهاجرو أوروبا الشرقية يعيشون بدورهم الاضطهاد في قلب أوروبا، ويكفي أن يوجد روماني أو بولوني واحد بالقرب من مسرح جريمة ما، حتى يصبح المشتبه الأول في ارتكابها.
اليمين المتطرف في برلمانات أوروبا يبني خطابه منذ السبعينيات على اتهام المهاجرين بتخريب أوروبا، وجعل الأوروبيين يصدقون أن الوافدين على دول الاتحاد الأوروبي من شمال إفريقيا يشكلون تهديدا على أمن الأوروبيين واقتصادهم.
هذا دون الحديث عن مآسي عمليات الهجرة السرية وعبور الأسلاك الشائكة. الأسوار لم تمنع حركة الهجرة، بقدر ما ساهمت في ميلاد شبكات إجرامية متخصصة في تهريب البشر. كلما أضيفت سنتيمترات جديدة لطول السياج، إلا وانضاف الآلاف إلى قوائم المرشحين.
سجناء في مراكز الإيواء هاربون من الحروب وفساد الحكومات، التي أتت للسلطة، بعد انقلابات عسكرية تدعمها أمريكا ودول أوروبا. وطوابير طويلة ممن ينتظرون دورهم للترحيل.
نشطاء وحقوقيون انتبهوا إلى وجود مرشحين للهجرة إلى أوروبا من سبتة ومليلية، قدموا من شرق آسيا، خصوصا من باكستان! تركوا خريطة بأكملها وراء ظهورهم، وجاؤوا إلى أقدم معبر هجرة في العالم للانضمام إلى أطول لائحة انتظار..
لائحة الانتظار قد تكون طابورا للوصول إلى أوروبا، أو الاستقرار في معدة قرش جائع يعبر المتوسط في اتجاه المحيط.
الرئيس الأمريكي ترامب شغل العالم بخطبه الأخيرة التي تناول فيها موضوع مهاجري أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، يليهم المهاجرون العرب الذين لجؤوا إلى أمريكا، قبل عقود، هربا من حروب الشرق الأوسط.
في أسوأ سجون أمريكا يوجد زعماء مافيات أمريكيون وُلدوا في أمريكا ويعتبرون نتاج تربية المجتمع الأمريكي. لديهم في أمريكا سياسيون فاسدون ليسوا مهاجرين. ومتورطون في جرائم اغتصاب الأطفال ليسوا مهاجرين. وقتلة متسلسلون متعصبون للعرق الأبيض، بل وينخرطون في تنظيمات تحث على قتل المهاجرين. وحده ذاك الرجل البسيط الذي يعمل مقابل أجرة زهيدة، ويحرص يوميا على كشط الثلج عن الحي الذي يسكنه منذ عشرين عاما.. يشكل تهديدا على المواطنين الذين سووا وضعيتهم مع الضرائب!