شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

المضاربون الأشباح

بعد واقعة بائع السمك بأثمان منخفضة بمراكش، والجدل الواسع الذي أثارته بكافة أقاليم المملكة الشريفة، وسط حقل من ألغام ركوب هشاشة السلم الاجتماعي، والعجز الذي تعاني منه قفة الفئات الفقيرة، اختفى المضاربون من الأسواق وكأنهم أشباح غير مرئية كانت تطوف لترفع أسعار المواد الغذائية الأساسية في غفلة من لجان المراقبة، وتُشعل لهيب الربح الفاحش، قبل عودتها للاختباء داخل أماكنها السرية، والتحضير لمضاربات أكثر ربحا واستغلالا للوضع الاجتماعي والذروة التجارية.

لقد سُجلت عودة الأسعار تدريجيا إلى مستويات عادية تلائم القدرة الشرائية للمستهلك، لكن لا يجب أن يكون ذلك بمنطق الحملات التي يعود معها كل شيء لسابق عهده، أو تمييع الأسعار وتخفيضها لمستويات مبالغ فيها يستحيل استمرارها، بل يجب أن يكون الأمر معتدلا وفقا للحديث النبوي الشريف (لاَ ضَرر ولا ضِرار)، لأن مطالب تخفيض الأسعار ليست بنادق تُوجّه لضرب الاقتصاد المحلي والوطني ولو عن غير قصد.

هناك شريحة واسعة من الأسر المغربية، التي كانت تعيش كابوس الأسعار الخاصة بالأضاحي، بالنظر إلى مؤشرات واضحة حول انخفاض المنتوج الوطني وارتفاع الطلب، وقد كان القرار الملكي حكيما وجاء في وقته مع حلول شهر رمضان الكريم لرفع الحرج وتخفيف العبء عن الفقراء بإلغاء شعيرة ذبح الأضاحي، وبذلك دعم تعافي القطيع الوطني وانخفاض أسعار اللحوم الحمراء الذي ظهر مباشرة بعد القرار الملكي.

مؤشر الاحتقان الاجتماعي لا يرتفع بين ليلة وضحاها، وينخفض تدريجيا أيضا بواسطة قرارات ميدانية تميزها الجرأة والشجاعة في حماية الصالح العام، لذلك سبق وتناولت العديد من التقارير الإعلامية مشاكل المضاربات والتضخم الذي يسيل لعاب تجار الأزمة، وتمت المناداة مرارا بالحفاظ على توازن قفة المغاربة، وضمان استمرارية التموين ومراقبة الأسعار.

نحن في حاجة إلى تفعيل المحاسبة في فوضى المضاربات والاحتكار وارتباط الملف بلوبيات انتخابية والفساد بشكل عام، وذلك دون حسابات فارغة لمسؤولين وعلاقاتهم الشخصية واستفادتهم من الكعكة بطرق غير مباشرة، ودون اعتبار لمصالح انتخابوية لحظية، لأن السلم الاجتماعي وضمان قوت الفئات الفقيرة والهشة فوق كل اعتبار.

يجب الاعتراف بفشل اللجان الإقليمية المكلفة بالمراقبة، في ردع المضاربين وخفض الأسعار، مع ضرورة إعادة النظر في طريقة العمل التي تتعلق أحيانا بإجراءات تجاوزها الزمن ونشر الصور الإشهارية، في حين يُترك المستهلك وجها لوجه أمام لوبيات الاحتكار وتجار الأزمات، والشبكات التي بسطت نفوذها على الأسواق وأصبحت تتحكم بشكل خفي في ميزان العرض والطلب.

كل ما حدث من تسارع الأحداث في ملف “مول الحوت”، يطرح استمرار اليقظة التامة، والأخذ بعين الاعتبار تبعات الغلاء على السلم الاجتماعي، والمحيط الإقليمي وخطر ركوب الملفات الاجتماعية الحارقة من خلال استعمال الحروب الإلكترونية، وهذا لا يعني فراغا تعيشه مؤسسات الرقابة، بقدر ما يشكل ناقوس خطر يجب التعامل معه وفق حجم الملف ودرجة حساسيته بدون مزايدات وبدون تقليل أيضا من شأن المؤشرات المقلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى