بقلم: خالص جلبي
كلمة مستحيل أمر نسبي، فكل أمر في هذا العالم يراوح بين ثلاث حواف: الإنجاز بسهولة أو التدمير، وبين الإنجاز بقدر من وحدات العمل، وبين أمور تراوح مع وحدات الزمن بين الإمكان والاستحالة. وفي مواجهتنا للأشياء نحن حيال ثلاث معادلات: أشياء (يمكن) أن ننفذها، وأشياء (يستحيل) أن نحققها، وبين الممكن والمستحيل هناك (طيف) من الإمكانات؛ فضمن الممكن هناك أشياء (يسهل) فعلها، وهناك أشياء (يصعب) إنجازها، ولذا يجب أن نسأل أنفسنا دوما هذا السؤال المحوري: هل الأمر الذي يواجهنا (مستحيل)، أم (صعب)؟ لأنه بناء على تحديد الإجابة يتولد أمر في غاية الأهمية، فــ(المستحيل) يعني أن لا فائدة من بذل الجهد، في حين أن (الصعب) يتطلب بذل الجهد المكافئ، فوحدات من طاقة العمل تذلل الصعوبات، حسب حجم الصعوبة، وهي مرتبطة بعامل (الزمن) حتى يتم تحريرها من الاستحالة، فالعملية الجراحية مهما بلغت من سهولة التداخل وصغر الحجم وقصر الوقت تعتبر (مستحيلة)، إذا افترض العقل إنجازها في خمس ثوان! ونقل جبل يصبح في حيز (الممكن)، إذا توفرت (الإرادة = الجانب النفسي) و(القدرة = الجانب الفني)، مضافا إليهما عنصر (الزمن).
المستحيل يعني العبثية في الاتجاه، فكل حركة في هذا الاتجاه هي مضيعة للوقت والجهد وعمل في الحقل غير المفيد، وهذه الفكرة إنارة رائعة للحديث الذي ينهى عن البكاء على الماضي تحت مقولة (لو)، والاختلاط يقع بين تداخل هذه الحقول الثلاثة (المستحيل) و(الممكن)، بشقيه (السهل) و(الصعب)، حيث تصبح عقليتنا ترى الأشياء في (تردد = ذبذبة) بين ذهان (السهولة) وذهان (الاستحالة)، وبذلك يختفي مفهوم الصعوبة الذي يعتبر المحرك الأساسي لتحريض آلية بذل الجهد. وهكذا رأى العقل العربي في يوم من الأيام (إسرائيل) دويلة عصابات وشذاذ الآفاق، أما اليوم فهي التنين النووي وشمشون الجبار الاستراتيجي ويجب أن نسارع في التطبيع معها، والأمر ليس بهذا ولا ذاك، وينطبق القانون التاريخي على الجميع، ولن تشذ إسرائيل عن قانون التاريخ، فهي منخس التحدي التاريخي، وترمومتر انهيارنا الحضاري، ومشعر مرضنا وعجزنا، ولذا فهي تمثل كمية (من العمل الصعب المليء بالتحدي والقابل للإنجاز)، ومن الضروري في المستوى الفردي والاجتماعي تحديد مساحات الممكن والمستحيل والعلاقة الرياضية بينهما، فحين نزهد في (الممكن) ونحلم بــ(المستحيل) نصبح عمليا في إجازة مفتوحة، وحين نتعامل مع الممكن فنستفيد منه؛ فإننا عمليا ومن خلال الجهد نربط بين طرفي معادلة (الممكن – المستحيل) لنقفز من عتبة الممكن ـ ومع الزمن ـ إلى فضاء المستحيل).
هذه الفذلكة الفلسفية تدخلني إلى كتاب (فيزياء المستحيل) الذي اطلعت عليه وقرأته بشغف من سلسلة «عالم المعرفة» رقم 399، وحسب مؤلفه ميشيو كاكو، فهو يرى ثمة عشر استحالات منها ما هي في حدود الممكن، ولكن على زمن مفتوح، وهي خمس استحالات. هي استحالات في الوقت الراهن، ولكنها لا تناقض قوانين الفيزياء: الانتقال في المكان: Teleportation (وهي تذكر قصة عرش ملكة سبأ)، والتيليباثي – التواصل من بعد Telepathy، (تذكر نداء عمر رضي الله عنه لسارية الجبل). تحريك الأشياء من بعد بكهربة الدماغ (Psychkenesis)، ويدخل فيها قراءة أفكار الآخرين. رابعا الاختفاء (Invisibility)، حاليا يفكرون في طريقة يمكن فيها عطف الضوء. وأخيرا ماكينات مضادات المادة (Anti Matter – Machines)، فقد ثبت وجود مادة معكوسة الاتجاه. وهذه أمكن لوكالة سيرن تصنيعها، فأطلق على الإلكترون الموجب البوزيترون (Positron)، وحاليا له استخدامات في الطب لكشف الأورام.
هذه يسميها صاحب الكتاب استحالات النوع الأول، أما النوع الثاني فهو يقول عنه أيضا إنه لا يناقض قوانين الفيزياء سوى أن تحقُّقه رهين بزمن طويل، وهو ثلاثة: السفر في الفضاء الفائق (Hyperspace)، بكلمة أخرى أسرع من الضوء. وعبر الثقوب الدودية (Wormholes)، وأخيرا التنقل في الزمن (Travel over Time)، أي كسر الزمان والمكان. ويعتبر الكاتب كاكو أنها أمور قابلة للتحقق، ولكن ربما بعد مليون سنة! هكذا يقول.
أما النوع الثالث من المستحيلات فهو اثنان؛ آلات دائمة الحركة، والاستبصار، أي علم الغيب؛ فهو يقول إنها تكسر قوانين الفيزياء المعروفة.
وينقل عن نيوتن قوله إنه لو استطعنا الإحاطة بكل جزيئات الكون ومواضعها؛ فلربما أمكن لنا أن نعرف المستقبل، كما حصل مع كساندرا، ابنة ملك طروادة، التي حُبست واتهمت بالجنون حين أمكن لها رؤية المستقبل. وفي القرآن لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه ليس عنده الخزائن، ولا يعلم الغيب، كما أنه قطعا بشر وليس مَلَكا ولا مَلِكا، بل عبد الله ورسوله.
نافذة:
حين نتعامل مع الممكن فنستفيد منه فإننا عمليا ومن خلال الجهد نربط بين طرفي معادلة الممكن – المستحيل