المسؤولية والمسؤولية ثم المسؤولية
لا يطلب المغاربة من قادة الأحزاب السياسية ورموزها سوى التحلي بروح المسؤولية في الخطاب السياسي وتقدير تبعات ما يطلقونه من تصريحات إعلامية وسياسية هنا وهناك. فالتطاول على العملية الانتخابية والدستور والمؤسسات في ظل سياق مضطرب ومليء بالمخاطر التي تستهدف بلدنا أمر غير مُستحب ولا يؤيده العقلاء، ومن ثم فإن الدفاع عن الشفافية والنزاهة، مهما كان أمرا مطلوبا، يجب أن يؤسس على خطاب العقل والتعقل والقانون لا على خطاب العاطفة والشعبوية، أن يؤسس على الحجج والدلائل لا على إطلاق الاتهامات على العواهن، كما أن الرغبة الجامحة في تصدر الاستحقاق التي تبقى من صميم أهداف أي حزب لا تعني الوصول للسلطة بأي طريقة، بل لا ينبغي أن يتم ذلك مهما بلغ الأمر عبر تشويه صورة استحقاقات برمتها أمام العالم.
قبل انطلاق قيامة الانتخابات كان جلالة الملك مدركا لوقوع مثل هاته الانزياحات الضارة بالعملية الانتخابية، وأوصى الجميع بالتعامل مع الاستحقاقات بكونها وسيلة وليست غاية وبكونها أداة لتعزيز الجبهة الداخلية، لكن العكس هو الذي يقع تماما، لقد وجدنا أنفسنا أمام نوع من النخبة الحزبية تغرد خارج التوجيهات الملكية، حيث البعض يهدد بقيام الثورة في حال فوز حزب سياسي والبعض الآخر يدعي أن الدستور بهيبته وسموه قد تم بيعه في المزاد العلني، والبعض يتهم القضاء ووزارة الداخلية بغض الطرف عن الخروقات والضغط عن المرشحين والبعض خرج للإعلام الدولي ليشكك في مصداقية الانتخابات ويتهمها بالسقوط في مستنقع المال السياسي مما يعني أن كل مخرجات الانتخابات مشكوك فيها.
للأسف الكل يدين الكل ويتهمه بتشجيع الترحال السياسي واستعمال المال واللجوء للعنف الانتخابي، لكن لا يحدث أن يحمل الخطاب انتقادات للفاعلين لأنفسهم، وجل الخطاب ينصب على نقد منافسيهم ورميهم بأبشع الاتهامات وأثقلها، وإذا ما اتجه النقد إلى فئات أخرى فإنه يكون مثقلا بالمصلحة أو الاعتبارات الشخصية أو بأشكال من الضجيج غير المنظم وغير المفهوم.
في الحقيقة نحن أمام خطابات لا تتمتع بالنزر اليسير من المسؤولية السياسية والوطنية والأخلاقية، حيث يبدو المشهد السياسي وكأنه ينقسم إلى فاعلين، فاعل يجب عليه أن يفعل، وآخر عليه أن يُنظِّر وأن يقيم وأن يتهم وأن ينصح الفاعل آخر، وينسى الجميع أن الحملة الانتخابية ستمر لا محالة بعد انتهاء مهلتها القانونية والأحزاب السياسية المتحاربة اليوم ستتحالف غدا في حكومة وستصبح سمنا على عسل، بعدما تكون صورة الاستحقاق وسمعة البلد قد جرجرت في الوحل بسبب خطاب اللامسؤولية.