شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

المسألة الديموغرافية

يسرا طارق

مقالات ذات صلة

تتأثر التنمية في كل البلدان، وعلى مر التاريخ، بمكونين هامين ومحددين، لحجم ونجاعة واستمرارية هذه التنمية. المكون الأول هو المجال الترابي الذي تنشأ فيه أمة من الأمم، بموقعه، واتساعه أو ضيقه، وبما فيه من موارد منجمية وطبيعية، وما يتيحه من فرص للاستثمار، أما المكون الثاني فهو الكثافة الديموغرافية، وما تتيحه من مقومات الصمود في وجه الأطماع الخارجية، ومن فرص التنمية في كل المجالات. نادرا ما تمكنت دولة بساكنة ضعيفة من أن تفرض نفسها في معترك العلاقات الدولية. فالدول تكبر وتصغر بنسبة سكانها، ودرجات تأهيلهم لخدمة الصالح العام وقوة أو ضعف منظوماتها التعليمية.

منذ قرون وساكنة المغرب تتراوح ما بين أربعة ملايين نسمة ونصف ذلك، أو أقل بسبب جوائح الجفاف والأوبئة الفتاكة مثل الطاعون. ومنذ فرض نظام الحماية على المغرب، بدأت نسبة السكان في ازدياد مطرد بسبب التحسن النسبي للمرفق الصحي، خصوصا في المدن. وبعد الحصول على الاستقلال، يمكن الحديث عن انفجار سكاني، إذ صار عاديا أن تلد المرأة أزيد من عشرة أطفال ويبقون أحياء. ارتفع عدد السكان بشكل واضح، وارتفع أمل الحياة وعمدت الدولة إلى حملات واسعة للتلقيح، ما حسن صحة الأطفال والأمهات وقلّت الوفيات أثناء الولادة. ولحسن حظنا جميعا، فطنت الدولة إلى القنبلة الديموغرافية الموقوتة، ما جعلها تنظم مبكرا حملات للتخطيط الأسري وتحديد النسل، لأن كل ما يحققه الاقتصاد من نمو يلتهمه النمو الديموغرافي المتسارع. نجح المغرب في ضبط اندفاعة نموه السكاني والتحكم فيها، بل إنه يعتبر نموذجا في هذا إذا قورن بدول في شمال إفريقيا. رافق النمو السكاني تحولان لم يشهدهما المغرب طيلة تاريخه المديد، أولهما غلبة سكان المدن على سكان البادية لأول مرة في التاريخ، وثانيهما غلبة النساء على الذكور، مما يؤشر على توجه المغرب نحو ما سماه فوكوياما: «تأنيث التاريخ».

توقف ذلك النمو المحموم للسكان ووَلد معه واقعا قلب الهرم السكاني، إذ صار الكبار أكثر من الصغار، ما سيفرض على المجتمع المغربي تحديات جديدة لم يكن أحد يتوقعها قبل ثلاثة عقود، ستنقص اليد العاملة وسيضطر المغرب لاستجلاب عمالة من الخارج. سيقل الضغط على المرافق العمومية، وخصوصا في مجالي الصحة والتعليم، نعم، لكن المغرب سيحتاج، في المستقبل القريب، لكفاءات تستجيب لحاجيات الاستثمار في المجال الصناعي خصوصا، وستضطر الدولة، مع حاجيات النمو، لإعادة تحفيز الولادات ومنح مغريات لتحقيق ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى