المراقبة التي لا تستثني أحداً
إنه لأمر جيد ما تقوم به، أخيرا، السلطات العمومية من حملة لمراقبة الأسعار، يشارك فيها الولاة والعمال ورجال سلطة، بل إن وزير الفلاحة نفسه خرج لتفقد أحد أسواق الخضر، لذلك فتحركات الجهات المسؤولة لضبط المتلاعبين بأسعار الخضر والمواد الغذائية التي يكابد البسطاء من أجل الحصول عليها تعد أمرا محمودا.
وأمام هذه الحملات الكثيفة للمراقبة، يتساءل العديد من المغاربة حول جدواها في تخفيض الأسعار، وحول ما أن كانت ستستمر أم أنها فقط مناسبة موسمية لامتصاص غضب وشكاوى المواطنين الذين ارتفعت أصواتهم خلال هذه الأزمة.
هذا التحرك العمومي، رغم أنه جاء متأخرا لبعض الوقت، ضروري ومطلوب، لكنه لا يكفي في ظل جشع اللوبيات وانتقائية القرارات، بالإضافة إلى ظروف مناخية وسياق جيواستراتيجي خارج عن إرادة الحكومة، ومع ذلك فمراقبة الأسعار والحضور القوي للسلطة في نقاط البيع لن يكون لهما أي معنى دون الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
أولا، أن تكون المراقبة سياسة عمومية، دائمة ومستمرة وليس حملة مؤقتة فرضها بعض الغضب داخل مواقع التواصل الاجتماعي. فالمراقبة ليست سيفا ترفعه الحكومة كلما وجدت نفسها في الزاوية الضيقة، بل هي إجراء قانوني يتضمنه قانون حماية المستهلك، واللازم على الحكومة السهر على تنفيذه في زمن الرخاء كما في زمن الأزمات.
ثانيا، ألا تكون المراقبة انتقائية، تظهر أنيابها على صغار التجار والفلاحين، بل ينبغي أن تكون مراقبة منصفة وجريئة تشمل التجار الكبار والصغار، دون تمييز أو حگرة في تطبيق القانون.
ثالثا، أن يترتب عن المراقبة تحديد مسؤوليات وجزاءات تجاه من يتاجر في قفة المغاربة، خصوصا في صفوف المحتكرين الكبار واللوبيات التي تتحكم في حرارة الأسعار، وليس تسليط الضوء على أكباش فداء من البقالة وأصحاب الحوانيت الصغار في الأحياء الشعبية.
رابعا، أن تؤدي المراقبة إلى تخفيض الأسعار في حينه، وليس انتظار الأشهر الطويلة، فقفة المواطن لا تحتاج التأخير والتأجيل واللعب على عنصر الوقت. فالمراقبة الحكومية ليست هدفا في حد ذاتها بل هي وسيلة لتخفيض الأسعار بشكل مستعجل وحماية القدرة الشرائية للضعفاء.
خامسا، إنه لمن العبث الاقتناع بكون المراقبة الحكومية للأسواق ونقاط البيع قادرة لوحدها على تخفيض الأسعار، ليست هي الحل الوحيد لمواجهة الأسعار بل على الحكومة اتخاذ إجراءات أخرى، سيما في مجال الدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة في إطار السجل الاجتماعي، والرفع من الأجور في القطاعين العام والخاص، وتخفيض التصدير في زمن الأزمات، وقبل ذلك تحيين الاستراتيجية الفلاحية في ضوء الإكراهات المناخية والجيواستراتيجية. فالأكيد أن القادم من السنوات سيكون صعبا على العالم بأسره، وإذا لم نؤمن غذاءنا ودواءنا وماءنا وطاقتنا، فسنكون أمام أخطار لن نملك القوة والإرادة لمواجهتها.