المدينة لا تليق بهم
تستبد بي أحيانا رغبة جارفة قوية شيطانية تخترق المنطق كالفيروس لتلغيه لدقائق لاقتراف التخيل. أتخيل نفسي أطير في السماء كـ«بروس لي»، أجيد «الكونغ فو» أحمل كل أولئك المعتدين علي وعلى الآخرين من أنوفهم الطويلة التي تحجب عنهم الرؤية الصحيحة والسليمة، وأقوم بالتلويح بهم عاليا في السماء، وأسقطهم بمكان بعيد بعيد جدا، بمستنقع من مستنقعات الآمازون الآسنة مثلا.. لست أدعو للعنف، إنه مجرد تخيل.
أعريهم أولا ثم أقذف بهم بعيدا إلى حيث ينتمون، إلى الحياة البدائية التي لم تطأها رجل بشري قط، تسكنها التماسيح والعفاريت التي لا مصلحة لها في تسييس الحيوانات المتوحشة، فالبقاء فيها يكون للأشرس.
أود أن أقذف بهم لمثلث برمودا حيث «محكمة الجن»، ليحكمهم مخيالهم الشعبي هناك، على المتوحشين أن يعيشوا التوحش ويمارسونه ممارسة صحيحة بجغرافيا متوحشة. المدينة- يا أعزائي المجرمين المعتدين على مرتديات «الميني جوب»، على المتزينات الجميلات بالماكياج، على أصحاب خلل الكروموزوم «إكس إكَراكَ» الذين تنعتونهم بالشواذ، الذين وجب فيهم القتل أو الرمي من أعلى شاهق ..لمدينة لا تليق بكم.
هل علي أن ألعب «الليمبو» بربوع بلادي التي تتيح حق التجول فيها طولا وعرضا، حتى أكتشف تحولي يوما ما من فرط التنازلات اللامعقولة إلى أفعى تزحف؟ أو دودة حقيرة يسحقها ظل حذاء؟ ألبس وأشرب وأمشي وأتحدث على هوى الآخرين؟ ألأن أبي لم يجن علي اسما كبيرا كفاية، لأسكت فاه كل من يتجرأ علي في الشارع بمجرد اتصال هاتفي؟
أتخيل أنني مقلدة «زودياك» أقتل بالتسلسل.. أنتقم ربما من طفولة قاسية، معقدة، مريضة، وعندما أستفيق من التخيل الجميل، اللذيذ، الفاضل، أسقط في واقع فرانكشتايني يسحقه حجم التوحش والتشوه.. واقع زائغ، متسخ، مبتذل.. أصبح فيه المتخلفون من الغوغاء يبررون عنفهم على المختلفين من الأقليات، بقانون غابوي لا يمت إلى المدينة بصلة..
هل نعيش أفضل من الحمار الذي لا يكترث لأخبار أنكيدو ولا أخبار بغلة تعكر صفو عيشه بلا مناسبة؟ لم يسبق لي أن رأيت سربا من الطيور المحلقة تتقاتل باسم أخلاق ما! ما فائدة العقل إذا كان سيجني علينا من نقمه أكثر من نعمه!
إذا كان سيجني علينا العقلية الداعشية ومشتقاتها من سفك وقتل وتحريم لم يرده الله في أرضه.. فلماذا علينا أن «نتبيدق» دائما، «نوضع في العصارة كي يخرج منا النفط..»؟ كم صدقت يا مظفر! سجل يا تاريخ ما يقع ويحصل من وأد لابن خلدون وقتل لابن رشد ومحو للفارابي وإبادة جماعية لعمراننا وتاريخنا باسم المسمى إفكا وبهتانا دولة خلافة إسلامية تدعششنا شيئا فشيئا، تشتتنا وتشرذمنا حتى ننقرض..