
أنهت المحكمة الدستورية الجدل القائم بشأن ” قانون الإضراب”، وأصدرت في هذا الصدد يوم أمس الأربعاء، القرار رقم 25/251م.د، في الملف عدد25/298، حيث قضت بدستورية القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وبكون مقتضيات القانون التنظيمي المذكور ليس فيه ما يخالف الدستور، مع مراعاة الملاحظات المتعلقة بالمواد 1 و 5 و 12. وجاء ذلك، بعد اطلاع المحكمة الدستورية على الملاحظات الكتابية التي أدلى بها رئيس مجلس النواب والبعض من أعضاء مجلسي البرلمان ورئيس الحكومة، وهي الملاحظات المسجلة بالأمانة العامة للمحكمة الدستورية.
و أشار قرار المحكمة الدستورية، إلى أن الإطلاع على الأعمال التحضيرية لمجلسي البرلمان، بخصوص القانون التنظيمي المحال، أظهر أن خطأ ماديا “غير مؤثر” شاب الفقرة الثالثة من المادة 11، لكونها كانت تنص في الصيغة التي صادق عليها مجلس المستشارين، على أنه: “تتم الدعوة إلى الإضراب على صعيد المقاولة أو المؤسسة بالقطاع الخاص، مع مراعاة أحكام المادة 13 أدناه…”، وعمد مجلس النواب في القراءة الثانية لمشروع القانون التنظيمي إلى تصحيح هذا الخطأ المادي، لتصبح الإحالة في الفقرة الثالثة من المادة 11 على “أحكام المادة 12 أدناه” عوض “أحكام المادة 13 أدناه”؛ وأنه تبعا لذلك، يكون شكل تقديم القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وإجراءات إعداده والتداول فيه والتصويت عليه، مطابقا لأحكام الفصلين 84 و85 من الدستور.
واعتبرت المحكمة الدستورية، أن المادة الخامسة التي تنص على أنه: “كل إضراب يمارس خلافا لأحكام القانون التنظيمي والنصوص التنظيمية الصادرة لتطبيقه هو إضراب غير مشروع.” بأنه ليس في هذه المادة ما يخالف الدستور، شريطة ألا تستحدث النصوص التنظيمية التي تحيل إليها شروطا وكيفيات لممارسة حق الإضراب غير تلك المحددة في هذا القانون التنظيمي المحال على انظار المحكمة، في حين نص قرار المحكمة على أن المشرع، بتنصيصه على اعتبار مشاركة العامل في ممارسة حق الإضراب، توقفا مؤقتا عن العمل لا يؤدى عنه أجر، وعلى ضمان أجور الأجراء العاملين لدى المهنيين المضربين، وعلى مجموع الضمانات الهادفة إلى حماية وضعية العمال والمهنيين المضربين وفق القانون، يكون قد كفل حماية هؤلاء مما قد يمس وضعيتهم المهنية من آثار بسبب ممارستهم لحق الإضراب، ولم يضع قيدا غير متناسب على مباشرته، ووازن بينه وبين حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر التي تضمنها الدولة، طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 35 من الدستور، وإنه تبعا لذلك، تكون المادتان 6 و9 من القانون التنظيمي، غير مخالفتين للدستور.
وفي شأن المادة الثامنة، التي تنص على أنه ” لا يسري البطلان المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة الأولى، على الاتفاقات الجماعية بما فيها الاتفاقات الاجتماعية واتفاقيات الشغل الجماعية والاتفاقات الناتجة عن المفاوضة الجماعية، التي تفضي بإقرار السلم الاجتماعي خلال مدة محددة، شريطة احترام الأطراف الموقعة لالتزاماتها، وأن تتضمن هذه الاتفاقات مقتضيات خاصة تحدد المساطر التي يمكن اتباعها لحل كل نزاع جماعي يحدث خلال هذه المدة”، فقد أقرت بان المادة المذكورة ليس فيها ما يخالف احكام الدستور، على أساس أنها رهنت صلاحية الاتفاقات الجماعية الرامية إلى إقرار السلم الاجتماعي، بشروط معينة، وجعلت سريانها يتم خلال مدة محددة لا على سبيل الدوام، وأوجبت احترام الأطراف الموقعة لالتزاماتها، وتضمين الاتفاق مقتضيات خاصة تحدد المساطر التي يمكن اتباعها لحل كل نزاع جماعي يحدث خلال هذه المدة، واعتبرت المحكمة الدستورية، بأن هذه الشروط والمتطلبات ليس من شأنها في صيغتها المعروضة، أن تحول بين العمال وممارسة حق الإضراب، وألا تضع قيدا غير متناسب يصيب هذا الحق في جوهره أو يعدمه في جل خصائصه، كما لم تخل بالتوازن المتطلب بين ممارسة حق الإضراب، وضمان حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر.
وبالنسبة للمادة12، التي تنص على تحديد كيفيات الدعوة إلى الإضراب في المقاولة أو المؤسسة بالقطاع الخاص، وكيفيات الدعوة إلى الإضراب من قبل لجنة الإضراب، في حالة عدم وجود منظمة نقابية على صعيد المقاولة أو المؤسسة، والنصاب المتطلب لصحة محضر موافقة أجراء المقاولة أو المؤسسة على اتخاذ قرار الدعوة إلى الإضراب، وتحديد العدد الأقصى لأعضاء لجنة الإضراب، وشروط صحة عقد الجمع العام على صعيد المقاولة أو المؤسسة المعنية لإقرار صحة المحضر المذكور، فقد اعتبرت المحكمة بأن هاته الشروط، لم تنل من الحق في ممارسة الإضراب، ولم تحطه بقيود تمس جوهره، وكفلت للعاملين، بصرف النظر عن انتمائهم النقابي من عدمه، وسيلة لحماية مصالحهم المشروعة، كما راعت التوازن المتطلب دستوريا بين ممارسة هذا الحق وحرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر، وانه ليس في المادة المذكورة، ما يخالف الدستور، شريطة ألا يستحدث النص التنظيمي أوضاعا أو كيفيات أخرى للدعوة إلى الإضراب في المقاولة أو المؤسسة بالقطاع الخاص من قبل لجنة الإضراب غير تلك المحددة في المادة المعروضة، وألا يتعدى نطاق ما أسند المشرع أمر تطبيقه في هذه المادة إلى نص تنظيمي.