المؤتمر الصهيوني الـ38.. الحاضر من الماضي
أنطوان شلحت
في غمرة التداعيات المترتبة على جائحة كورونا، لم نلتفت بما فيه الكفاية إلى وقائع المؤتمر الصهيوني العالمي الـ38 الذي عقد أول مرة بصورة افتراضية في القدس بين 20- 22 أكتوبر 2020. ودلت هذه الوقائع بالأساس ليس على أن ما يسمى «معسكر الوسط – اليسار» ما عاد ذا صلة مع الواقع السياسي الإسرائيلي الراهن فحسب، إنما أيضا على اتجاه المشروع الصهيوني في فلسطين التاريخية. ووفقا لما انعكس في مجريات ذلك المؤتمر، كما في المؤتمر الذي سبقه (2015)، تمثل هذا الجوهر في توكيد أن هناك «شعبا يهوديا واحدا ودولة يهودية واحدة»، وأنه «يجب العمل معا لتوحيد الشعب اليهودي وضمان أمن الدولة اليهودية». كما تمثل في تعزيز السيطرة الكولونيالية في الأراضي المحتلة منذ 1967 من خلال الاستيطان والسيطرة على الأرض، تحقيقا لشعار «أرض أكثر، عرب أقل». ويعتبر المؤتمر الصهيوني العالمي الهيئة الأعلى، من حيث إقرار إيديولوجيا الهستدروت الصهيونية العالمية وسياستها العامة. ويعقد مرة كل خمسة أعوام في القدس، بحضور أكثر من ألفي ناشط صهيوني مما يزيد على 30 دولة، بالإضافة إلى مندوبي جميع الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية، ومندوبي سائر المنظمات الصهيونية العالمية.
وأعيد التشديد، في المؤتمر، على الوسائل المطلوبة للصهيونية سبيلا لانتشارها، كما جرى الاتفاق عليها منذ قرارات المؤتمر الصهيوني الأول في بازل (سويسرا) عام 1897، بزعامة مؤسس هذه الحركة ثيودور هرتزل. وعلاوة على توكيد أن هدف الصهيونية هو «إقامة وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين، أشير مرة أخرى إلى أن ذلك يتم بالوسائل التالية: تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين؛ تنظيم اليهود (في العالم) وربطهم بالحركة الصهيونية؛ اتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم لهذا الهدف الصهيوني (بقصد إعطائه شرعية دولية). ويتسق هذا مع ما تقوم به الهستدروت الصهيونية العالمية من نشاطات في أوساط جميع اليهود في العالم، وترمي أساسا إلى ترسيخ أن إسرائيل هي جوهر هويتهم، وجوهر أمنهم «لأنه من دون إسرائيل قوية لن يكون أمن لليهود في أي نقطة في العالم!».
أما جديد المؤتمر الـ38 فيكمن في نزعة اليمين الجديد، الآخذة بالتفاقم في الأعوام الأخيرة، نحو التطهر من كل من يخالفه الرأي، سواء في سلطات دولة الاحتلال، أو في قيادة مؤسسات الهستدروت الصهيونية العالمية، سيما الكيرن كييمت (الصندوق القومي لإسرائيل)، دفعا لشرعنة غاية ألا يقف «انتداب» هذا الصندوق، فيما يرتبط بنهب الأرض الفلسطينية، عند «الخط الأخضر»، كما الحال من الناحية الرسمية المعلنة، وبحيث يمتد إلى أراضي 1967 كذلك. وقد نجح في ذلك لأول مرة.
وكي لا يحسن الظن في مقاربة من يخالف اليمين الرأي، ينبغي القول إن هذا الخلاف يطاول، بصورة رئيسية، مجالات السياسة الداخلية. أما بخصوص جوهر الفكر الصهيوني حيال قضية فلسطين، فمن الواضح أن اليمين ينجح في أن يهيمن على حاضر السياسة الإسرائيلية الرسمية، بالاستناد إلى الماضي الصهيوني، وبالذات الماضي الذي كان جليا فيه أن احتلال الأرض (أرض فلسطين التاريخية) وتطهيرها عرقيا، لم يكن شعارا للصهيونية التي وصفت بأنها يمينية وحسب، وإنما كان أيضا شعارا للصهيونية التي وصفت بأنها يسارية، وادعت الاعتدال. ولإثبات ذلك، لا يسع المرء سوى رصد الوقائع وتتبعها للوقوف على علاقتها بمآلات الوقت الحالي.
وإن كان ممكنا تحوير مقولة فريدريك شيلر، يمكن القول إن هذه «الصهيونية اليسارية» أنجزت المهمة الموكولة إليها، ولذا يمكنها أن تتنحى جانبا. وسبق أن نوهنا مرات يصعب حصرها، إلى أن أهمية هذه الصهيونية، من عدة نواح ودلالات، كانت تفوق كثيرا أهمية الصهيونية العمومية، واليمينية، وذلك لأنها وفرت درعا إيديولوجيا من خلال طرحها الصهيونية حركة اشتراكية تتبنى المساواة، وتتطلع بشدة إلى التعاون والسلام مع السكان العرب!