شوف تشوف

الرأي

اللقاح الروسى بين العلم والسياسة

خالد منتصر

العلم لا يعرف المجاملة ولا يضحى بمنهجيته من أجل المكاسب السياسية أو البروباغندا الإعلامية، العلم ليس بالتمني ولكنه بالواقع، أنت تتمنى أن تقضي على الكورونا غداً، السحر والدجل والخرافة من الممكن أن توهمك بأنها قد حققت أمنيتك، لكن العلم ينتظر كلمة المعمل، والطب علم قائم على الدليل والتجربة، ولا بد أن يمر بمراحل صارمة، لذلك احترمت جداً قرار كبير أطباء الجهاز التنفسي في روسيا ألكسندر تشوتشالين حين استقال من منصبه بسبب ما وصفه بالانتهاكات الجسيمة لأخلاقيات مهنة الطب، التي حصلت نتيجة الاستعجال في إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا المستجد سبوتينيك في. وحسب ما جاء في صحيفة dailymail البريطانية، فإن البروفيسور الروسي حاول وفشل في منع تسجيل اللقاح لأسباب تتعلق بالسلامة، قبل ترك مجلس الأخلاقيات، واتهم تشوتشالين اثنين من الخبراء المشاركين في تطوير اللقاح، بالاستهزاء بأخلاقيات الطب بسبب تسريع إنتاج اللقاح، وهما البروفيسور ألكسندر جينسبرج والبروفيسور سيرجي بوريسيفيتش، وهما من كبار علماء الأوبئة بالجيش الروسي، لكن ما هي الأخطاء التي تجعل من إعلان اللقاح الروسي نوعاً من «السربعة» السابقة لأوانها، أولاً سجل هذا اللقاح في المرحلة الأولى والثانية من التجربة (لتقييم استجابات السلامة والمناعة لدى البشر)، في البداية مع 38 شخصاً فقط، وهذا رقم متواضع جداً، وقال مسؤولون روس كبار إنه تسبب في استجابة مناعية قوية ولم تحدث «مضاعفات خطيرة» في هذه التجربة، لم يتم نشر البيانات المأخوذة من تجربة اللقاح، ولا توجد بيانات تشير إلى أن اللقاح سيحمي بالفعل، لأن دراسات المرحلة الثالثة (التي تتطلب آلاف المتطوعين لإثبات الفاعلية واكتشاف الآثار الجانبية النادرة) لم تكن موجودة، ومخاطر التقدم إلى التطعيم الشامل دون إجراء اختبار مناسب ضخمة ورهيبة، فإذا تم إطلاق لقاح وظهرت له آثار جانبية، فإن العواقب تشمل كلاً من الآثار الصحية وتدهور الثقة، إذا كان اللقاح لا يحمي الأفراد من العدوى، فقد يعتقد أولئك الذين تم تطعيمهم خطأً أنهم محميون، عندما تفكر الدول في إدخال لقاح، يتم فحص المعلومات التالية:
– ما مدى أمان اللقاح؟
– ما مدى جودة عمل اللقاح؟
– ما مدى خطورة المرض الذي سيمنعه اللقاح؟
– كم عدد الأشخاص الذين سيصابون بالمرض إذا لم يكن لدينا اللقاح؟
يتم جمع هذه المعلومات خلال كل مرحلة من مراحل التجارب السريرية (المرحلة الأولى والثانية والثالثة)، مع التركيز بشكل خاص على سلامة اللقاح في كل خطوة، قد يستغرق تطوير هذه الحزمة من المعلومات سنوات، ولكن كانت هناك حالات تم فيها تكثيف الجداول الزمنية، على سبيل المثال، تم تكثيف اختبار لقاح الإيبولا إلى خمس سنوات بسبب الحاجة الماسة للقاح في خضم الأوبئة، تعد التجارب السريرية للمرحلة الثالثة حاسمة بشكل خاص لتقييم السلامة في مجموعة كبيرة من الأشخاص، لأن بعض الآثار الجانبية النادرة قد لا يتم تحديدها في تجارب سابقة أصغر. على سبيل المثال، إذا حدث أثر جانبي مرتبط باللقاح فقط لدى واحد من كل 10000 شخص، فسيتعين على التجربة تسجيل 60.000 متطوع لاكتشافه.
اللقاح الروسي خطوة ومن الممكن أن تكون مهمة، لكنها مجرد خطوة في رحلة طويلة، ولا يصح أن نقول إننا بها قد أنجزنا العلاج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى