حسن البصري
لم ينتظر جيراننا قرار الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم الحاسم في نازلة احتجاز قمصان فريق نهضة بركان، ولم يمهلوا لجنة الانضباط حتى تصدر حكمها في قضية المباراة المشحونة، بل كشفوا عن نية التقاضي والاحتكام إلى محكمة التحكيم الرياضية الدولية «طاس».
بحثوا في سجل النزاعات المغربية وتفحصوا ملف «رادس»، وعادوا إلى النزاع الذي نشب بين الوداد المغربي والترجي التونسي.
ربط الاتحاد الجزائري لكرة القدم الاتصال بالمحامي التونسي علي عباس، الذي رافع باسم الترجي في الملف الشهير، حتى لا تعرض عليه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم المرافعة باسمها، أو هكذا بدا للمسؤول الجزائري.
ولأن مباراة عادية في كرة القدم قد خرجت عن سكة الرياضة، بسبب جرعة السياسة الزائدة التي يتناولها حكام الجزائر، فقد كان البعد الاستباقي حاضرا في القضية، وكانت التعليمات القادمة من الرئاسة تدعو «الفاف» إلى رفع درجة التأهب، حتى لا تصبح الهزيمة قدرا سنويا.
سمع صادي، رئيس الاتحاد الجزائري، صوتا يناديه: «سارع سارع أنت البارع»، فقرر الاستعانة بمرافعة المحامي التونسي عباس، بحكم الانتصارات التي حققها في ردهات «الطاس»، لكن الجزائريين لا يعلمون أن هذا المحامي يجمعه عقد عمل مع الوداد المغربي في عهد سعيد الناصري.
لقد كان الناصري يستقطب كل من سجل في مرمى الوداد، وحين حسمت المحكمة الرياضية في ملف ملعب «رادس» لفائدة الترجي، سيستقطبه الرئيس في شهر نونبر 2022 لتعزيز الطاقم القانوني للنادي المغربي.
قيل إن عباس عارف بتضاريس القضايا المعروضة على محكمة «الطاس»، وإنه قادر على جلب الكأس والحظ كما فعل مع الترجي، لكن شتان بين ملف «رادس» وقضية «5 يوليوز»، فلكل ملعب فضيحته، في الحالة الأول اعتقل «الفار» في مطار قرطاج، وفي الحالة الثانية اعتقلت القمصان في مطار هواري بومدين.
ماذا نجني من وراء مباريات تحتضنها ملاعب الجزائر، سوى الغم والهم والآهات؟
لماذا نصر على المشاركة في مباريات داخلها مفقود وخارجها مولود؟
اليوم امتلأت الكأس ولم يعد في القلب متسع لنكبات أخرى، حين يعتقد جيراننا أن مباراة لكرة القدم ضد المغرب، هي فرصة لتفريغ شحنات الحقد الساكن في دواخل حكام هذا البلد.
لم تنته القضية بمغادرة نهضة بركان مطار هواري بومدين، فقد نسينا منتخب الفتيان المغربي الذي يعيش محنته في بطولة شمال إفريقيا بملعب الرويبة، حيث يتعرض اللاعبون لمضايقات جند لها النظام الجزائري فيلقا من بلطجية المدرجات.
انخرط التلفزيون الرسمي الجزائري في عملية نحر الروح الرياضية، وأصر على استبدال علم المغرب بالعلم التونسي في المباراة التي جمعت منتخبنا ضد نظيره الليبي، وحين اشتكى المسؤولون المغاربة قيل لهم: إن العلم سقط سهوا.
ولكي يحول النظام الجزائري مباراة في كرة القدم إلى قضية وطنية، فقد جند كتائبه الإعلامية لنشر وجبات مغالطات قابلة للاستهلاك السريع، من خلال الترويج لما أسمته «عصيان اللاعبين الجزائريين في المغرب»، ورفضهم تضامن أنديتهم مع النهضة البركانية. بل إن بعض المحللين وجهوا على «الخواء» مباشرة، دعوة إلى كل لاعب جزائري بالعودة سريعا إلى بلاده، تلبية لنداء وطن حقود رحيم.
ما كل مرة تسلم جرة المواجهات الكروية بين المغرب والجزائر، ونادرا ما تنتهي المباريات التي تجمع فريقين أو منتخبين بالعناق وتبادل القمصان، لسيادة منطق «طوم وجيري»، كلما حل موعد كروي طرفه مغربي في جزائر المليون عنيد.
لن نستغرب غدا إذا طالعنا في منشورات الصحافة إعلانا عن ضياع الروح الرياضية، وقطع صبيب قيم الكرة من ملاعب الجزائر.
رجاء أغلقوا الملاعب، أو استبدلوا أسماءها بأسماء المعارك.