القنبلة الموقوتة
خيرا فعل المجلس الاقتصادي والاجتماعي حينما خصص رأيا استشاريا حول السلوكيات الإدمانية في المغرب، سواء ذلك الإدمان المتجلي في استخدام مواد مخدرة أو كل الممارسات الإدمانية، وبعيدا عن المنظور الذي يختزل الإدمان في فعل جرمي يستوجب الجزاء بالسجن والإدانة المجتمعية. فقد اعتبر المجلس أن الإدمان أكثر من انحراف قانوني بل مرض وعلة صحية، وأن أصحابه يستحقون الرحمة بدل العقاب والعلاج بدل السجون ما دام أن الإدمان مرض وجب علاج المصابين به، وهنا بالضبط يسكن الشيطان.
فكم من مؤسسات استشفائية نتوفر عليها لمعالجة الإدمان؟ وكم تخصص الدولة من الأموال والموارد البشرية لمواجهة هذا المرض الذي يتلاعب بالعقول ويهدد المجتمع؟ وما هي البرامج والمخططات الموضوعة لمعالجة المدمنين ومصاحبتهم في علاجهم؟ وما هي المجهودات القانونية والطبية والعمل الميداني الذي تقوم به المؤسسات الصحية والاجتماعية لمحاصرة رقعة الإدمان؟
وتزداد ملحاحية الإجابة على هاته الأسئلة بالنظر إلى حجم الإدمان في المغرب، إذ وصل معدل التعاطي لمختلف أنواع المخدرات وفق تقارير رسمية، إلى 5 في المائة من الساكنة، أي حوالي مليون نسمة وهذا رقم مهول ومن شأنه أن يتحول إلى قنبلة اجتماعية موقوتة قابلة للانفجار في كل وقت ما لم تتحرك المؤسسات المعنية لاستئصال هاته الظاهرة من جذورها.
وبالرغم مما وصل إليه حال الإدمان في بلدنا، إلا أنه لا توجد مراكز كافية للعلاج من أجل استيعاب تلك الأعداد المهولة من المدمنين، مما يجعلنا أمام مشكلة لا نستطيع إنكارها والحل يكون من خلال السفر إلى الخارج بالنسبة للمدمنين من الطبقة الميسورة، والضياع والتشرد والسجن والانتحار بالنسبة للمدمنين الفقراء.
لذلك فالبحث عن إجابات وحلول للإدمان خارج ملعب القانون الجنائي والردع المشروع يبقى هو الحل، فلا يمكن اعتقال مليون مدمن فقط لأن القانون يجرم استهلاك المخدرات، وفي المقابل ينبغي دعم التوجهات التي ترتكز على المقاربة العلاجية والاستباقية، وهنا لا يمكن سوى الإشادة بالإجراءات التي تنادي بتخصيص نسبة ثابتة من المداخيل التي يتم استخلاصها من الأنشطة المشروعة، التي يمكن أن تسبب الإدمان، كالتبغ والكحول ورهانات سباق الخيول واليانصيب والرهانات الرياضية، للعلاج والبحث والوقاية.
وعلينا أن ندرك بأنه لا يوجد هناك من هو محصن ضد مرض الإدمان، فالجميع عرضة للوقوع في فخ الإدمان الذي لا يفرق بين كبير ولا صغير ولا رجل ولا امرأة غني أو فقير، والجميع عرضة لأن يتعاطى تلك السموم من المخدرات ويدمن عليها، والحل يوجد في العلاج قبل الوصول إلى مرحلة الكي بالسجن.