العشاء الأخير
حسن البصري
ودع خير الدين زطشي، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، مطعم المركز الرياضي سيدي موسى مكسور الوجدان، بعد أن أعلن توبته من تسيير شأن الكرة الجزائرية وتناول آخر وجبة عشاء مع أفراد المنتخب بشهية عليها علامة «مغلق». حاول أحد أفراد الطاقم التقني أن يبدد غيمة القلق التي جثمت على المطعم، وقال مازحا: «إنه عشاء فاخر حين نفوز على بوتسوانا بخماسية»، قبل أن يرسل بعض قفشاته بلكنة تدافعت فيها العربية والفرنسية.
بدا خير الدين في أسوأ أحواله، حاول عبثا مصادرة دموعه بعد أن تلقى قرارا من الطغمة الحاكمة يدعوه للاستقالة، بسبب تصويته لفائدة قانون يمنع الأقليات الانفصالية غير المعترف بها من طرف هيئة الأمم المتحدة، من اللعب مع الكبار.
يقول العارفون بأحشاء الكرة الجزائرية إن زطشي تلقى صفعة ساخنة على قفاه، بمجرد عودته من المغرب مهزوما بالقلم إثر مغادرته سباق الانتخابات في مؤتمر الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، ويرى المحللون أن القيادة العسكرية في الجارة الشرقية طالبت رئيس البلاد بإقالته تحت مبرر قابل للهضم.
تابعت مثلما تابع أغلب الزملاء أم المعارك بين وزير الرياضة الجزائري ورئيس الاتحاد الكروي، وتوقفت عند الوعد والوعيد والضرب تحت الحزام بسبب اتهامات أشبه بضربات مقص، تارة بتسريب وثائق سرية وتارة بالتواطؤ مع «الخصوم»، وتارة بتشغيل مغربي ضمن الطاقم التقني فقط لأنه يتوفر على شرط معاداة القائمين على الكرة في البلد الجار، وهلم شرا.
من الواضح أن الرئاسة الجزائرية اختارت الحل السهل وهي تعلم جيدا أنه سوف يرضي العساكر، لقد استقالوه أي وضعوه في مفترق الطرق بين الإقالة والاستقالة، لأنهم يعلمون أن تنحية رئيس «الفاف» من منصبه من طرف جهاز حكومي سيغضب «الفيفا» وسيكبد الجزائر عقوبات لا تعد ولا تحصى.
انتهت القبضة الحديدية بين وزارة الشباب والرياضة والاتحاد الجزائري لكرة القدم، بسقوط خير الدين بالضربة القاضية، بسبب «الإهانة التي لحقت الدولة الجزائرية التي تجندت بكل قنواتها الدبلوماسية لدعم ترشيح زطشي»، يقول بيان لوزير الرياضة الجزائري سيد خالدي.
كتب الوزير عن «العار» الذي لحق الشعب الجزائري بسبب هزيمة على الورق، وطلب بعض المحللين علنا من المجلس العسكري الانقلاب على الرئيس زطشي، وقالوا إن غلطة مسؤول رياضي رفيع تستحق المساءلة، وكادوا أن يقترحوا على الرئيس عبد المجيد تبون الترخيص له بتلقيح رؤساء الاتحادات الرياضية بلقاح الولاء للجوقة العسكرية.
كان قرار إبعاد خير الدين عن مربع عمليات السياسة محاولة لامتصاص غضب الشعب الجزائري، لو كان الوزير جادا لما دخل مطبخ وزارته وأعد خلطة بتوابل السياسة ومرق الكرة ولحم المال. إن قرار الإقالة الصادر في حق تلميذ رسب في اختبار «الكاف» مجرد هروب إلى الأمام لا يهم إن كان في الواجهة الأمامية جدار أو منحدر سحيق أو أسلاك شائكة.
لكن لا نظرة عتاب من الفيفا ولا إشارة استهجان ولا كلمة تنديد، ولكن سكوت من صنف علامة الرضا، سكوت يغري جنرالات الجزائر ويحفزهم على ممارسة الخسة إلى أبعد مدى، وقد يصدر غدا بلاغ من القيادة العسكرية يلغي نتيجة مباراة ويوقف حكما مدى الحياة، لأن المصيدة جاهزة لكن أفيها سم أم عسل؟ العلم عند عالم الغيب والشهادة، ثم ألم يكن حريا بالوزير عرض القضية على القضاء حفاظا على هيبة الدستور الذي عين باسمه وأدى القسم على أعتابه؟
انتهى زمن خير الدين بإقالة ملفوفة في ورق مقوى، وتحركت الآلة العسكرية بحثا عن رئيس جديد تتوفر فيه مواصفات الولد النجيب الذي يجيد قراءة تاريخ الصراع السياسي مع الجيران، ويحفظ عن ظهر قلب أغنية المطرب الجزائري الحاج العنقى «لحمام لي ولفتو مشى عليا».
دخل خير الدين مقر الوزارة رئيسا وخرج منه كرة تتقاذفها الأقدام.