العبث بالصفة الدستورية
ليس هناك من نعت يمكن أن يصف باختزال وأمانة ودون تجريح وابل الاستقالات البرلمانية التي تهطل على مكتبي مجلسي البرلمان غير العبث الدستوري والاستهتار بالسيادة الشعبية، والغريب في الأمر أن المحكمة الدستورية التي رفضت جملة من الاستقالات خلال 2011 بدعوى أن مثل هاته السلوكات تمس بمصداقية وصورة المؤسسات الدستورية، هي من تقبل اليوم طواعية بالاستقالات وتباركها بمبررات سياسية في منتهى الغرابة، حتى يمكننا القول إننا أمام العبث بالدستور باسم الدستور.
إنه لأمر مسيء للديمقراطية وصورة المؤسسات، أن يقدم العشرات من البرلمانيين استقالتهم من المؤسسة التشريعية، قبل انتهاء الولاية ويتنازلوا عن صفة السيادة الشعبية التي حصلوا عليها بالاقتراع الشعبي المباشر وغير المباشر، فقط لأن بعض السياسيين لهم طموح للقفز من الغرفة الثانية إلى الغرفة الأولى، أو لتغيير جلدهم الحزبي والترشح باسم أحزاب جديدة بعدما شعروا بأن اتجاه الرياح السياسية لا يخدم مركب مصالحهم، والكارثة العظمى أن بعض البرلمانيين قبلت المحكمة الدستورية استقالتهم لكي يتم إدماجهم في البرلمان كموظفين قبل انتهاء مساطر الإلحاق، أو ليجتازوا مباريات توظيف بالإدارات العمومية.
في الحقيقة ليس هناك من عبث سياسي واستهتار بالمنصب الدستوري، أكثر من هذا الذي يجري بالبرلمان هاته الأيام، مع العلم أن الدستور والقوانين تجعل من المؤسسة التشريعية مستمرة وتبقى قائمة وممارسة لكل مهامها الدستورية، إلى حين انتخاب مجلس جديد، لتجنب أي فراغ دستوري أو تعطيل مؤسساتي أو تحسبا لأي طارئ غير متوقع يتطلب تدخل البرلمان بمشرعيه لإيجاد مخرج دستوري، بينما السادة البرلمانيون لا تهمهم مقاصد الدستور وصورة المؤسسات ومصداقية العمل السياسي.
وبدل أن يقوم البرلمانيون بموسم الهجرة الذي يسيء إلى صورة المؤسسات كان عليهم فقط القيام بعملهم التشريعي وتعديل القوانين لمنع التنافي الظرفي والسماح لمستشار منتهية ولايته أن يخوض الانتخابات التشريعية للغرفة الأخرى، لكن النخبة السياسية تضع مصالحها فوق مصالح المؤسسات والدستور. وللأسف الكثير من المغاربة الذين كانوا يراهنون على إحداث الدستور الجديد لانقطاع تاريخي للممارسات السياسية الرديئة خاب ظنهم أمام ما يقع اليوم، وأصبح يترسخ لهم في الأذهان أن طبع السياسيين يغلب تطبعهم الدستوري، وأنه لا أمل يرجى من طبقة سياسية أصبح كل همها ومنتهى هدفها أن تفوز بالمقعد البرلماني بأي طريقة كانت، فكل الطرق مهما كانت مسيئة مسموح بها للوصول إلى البرلمان.
وبعد ذلك يتساءل السياسيون لماذا يتم تبخيس السياسة ولماذا تتم الإساءة للمؤسسات، بينما هم أكبر مصنع منتج ومصدر لمادة التبخيس والإساءة.