يونس جنوحي
حتى في خضم السباق نحو البيت الأبيض الذي شغل الأمريكيين طوال الأسابيع الماضية، نجح وثائقي صدر أخيرا، في مساءلة أصحاب القرار في الولايات المتحدة عن تداعيات ما وقع أثناء انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، وهو المسلسل الذي استغرق أشهرا من ربيع وصيف سنة 2021.
هناك اتهامات بتعمد إثارة موضوع الفيلم الوثائقي قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية، لربط ما كشف عنه من أمور محرجة للبيت الأبيض، مع استنكار إدارة “بايدن” لما وقع واتهام إدارة ترامب بالوقوف وراء الانسحاب “العشوائي” و”الفوضوي” من أفغانستان.
الشهادات التي أدلى بها مسؤولون سابقون في الخارجية الأمريكية وحقوقيون أمريكيون اشتغلوا في أفغانستان، تؤكد كلها أن الطريقة التي رتب بها المسؤولون في الجيش والإدارة انسحابهم، كانت ارتجالية وغير مدروسة. لكن القنبلة التي فجرتها هذه الشهادات، توصل آلاف المواطنين الأفغان من طالبي اللجوء، برسائل عبر بريدهم الإلكتروني تؤكد فوزهم بتأشيرة إلى الولايات المتحدة، وتطلب منهم التوجه إلى المطار مصحوبين بالرسالة وجواز السفر لكي يتسنى ترحيلهم من التراب الأفغاني. وهذا ما تسبب في حالة الازدحام والفوضى ونجم عنه تعلق المواطنين “الحالمين” بأذناب الطائرة التي حلقت دون أي اكتراث بمصير المتمسكين بالذيل والأجنحة، ليسقطوا أرضا من على ارتفاع أودى بحياتهم على الفور.
موضوع أفغانستان، يسائل حاليا دولة تُجاورها جغرافيا ولا تنفصل عنها تاريخيا. يتعلق الأمر بباكستان.
وأخيرا فقط، قبل ثلاثة أسابيع، صدر تقرير “دسم”، نشرته صحيفة “تايمز آسيا الوسطى”، جاء فيه أن القادة السياسيين في المنطقة يستشهدون بالواقع الجيوسياسي المتقلب كأساس لسن إصلاحات داخلية أكثر جدية.
التقرير يشير أيضا إلى مسألة الصراع التاريخي في آسيا الوسطى، وتزايد الانقسام السياسي في السنوات الأخيرة داخل المجتمع الواحد وبين النخب السياسية “في جميع البلدان الخمسة في المنطقة”.
التقرير استشهد أيضا بالانتخابات الأخيرة التي عرفتها كازاخستان، ودورها في إرسال تحديث للنظام السياسي وتعزيز المؤسسات الديموقراطية بالبلاد، حيث خصصت حصة 30 بالمئة للنساء والشباب في لوائح الأحزاب.
في أوزبكستان، أحدثت إصلاحات كثيرة الهدف منها، حسب التقرير دائما، دمقرطة العملية الانتخابية من خلال سن إجراءات وتعديلات اعتُمدت أخيرا لأول مرة في تاريخ البلاد، وإقرار النظام النسبي لضمان تمثيل حقيقي للأحزاب في الحياة التشريعية.
التقرير الأوروبي الذي صدر بشأن تقييم هذه الانتخابات خلص إلى أن الإصلاحات الحالية تُظهر تقدما، لكن لا تزال هناك حاجة إلى “تحسينات تشريعية وعملية كبيرة لكي تفي أوزبكستان بالمعايير الديموقراطية الكاملة”.
التقرير خلص إلى أن تجربة أوزبكستان يجب أن تستخلص دروسا من المسار الطويل الذي قطعته دولة مثل الهند، تسبق دول المنطقة بأشواط في الإصلاحات السياسية، إذ أن النظام الانتخابي في الهند شهد محطات على امتداد عقود طويلة لم تكن فيها الدول المجاورة تُجري أي انتخابات، بالإضافة إلى أن الهند سخرت التكنولوجيا المتطورة التي تتوفر عليها لرقمنة العملية الانتخابية، وتعتبر حاليا من الدول القليلة في العالم التي تعتمد نظاما إلكترونيا لتدقيق الأوراق والتحقق منها وضبط عملية التصويت في بلد يقارب عدد سكانه مليارا ونصف المليار نسمة. وهو رقم يجعل العملية الانتخابية تحديا كبيرا.
خلاصة هذه “الجولة” التي أجراها التقرير، تكمن في أن الولايات المتحدة مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى رفع ما تبقى من ظلها عن آسيا الوسطى، وترك المجال أمام دول المنطقة لكي تواصل مجهودات دمقرطة الحياة العامة بعيدا عن لغة الحروب وتداعيات التدخل الأمريكي. حتى أن الأمر يشبه تحسس الطريق وسط الظلام. وكما تقول الحكمة فإن الوصول ممكن ما دام الذين يتحسسون طريقهم يتمتعون بسمع قوي.
تعزيز جهود هذا التحول لن يتم إلا بالقضاء على التطرف ونظام الجماعات المسلحة، خصوصا في ظل وجود “طالبان” في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي، واتهامات لباكستان وفق تقارير دولية موثوقة بتمويل التطرف على المناطق الحدودية.