شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الصين والتموقع الاستراتيجي

جمال أكاديري

 

يتم تقديم علاقة التقارب الاستراتيجي، بين الصين وروسيا، على أنها متينة وحاسمة، في رسم خريطة النظام الدولي الراهن .

لكن من وجهة معينة، وأكثر دقة، فالعلاقات الصينية الروسية معقدة بالفعل، ومتشابكة وغير متكافئة .

في هذا التقارب الثنائي، تفوق الصين في التمركز الدولي التجاري واضح بالفعل، وعلى عدة مستويات، والذي يمكن أن يزداد أكثر قوة، إذا انقلب الغزو المعلن على أوكرانيا لغير صالح موسكو.

فالصين، الشريك الاقتصادي الجديد لأوكرانيا في العقد الأخير، تعلم أن الحرب الحالية مهما كانت النتيجة، ستغير في كل الأحوال من الوضع الجيو- اقتصادي السابق، وتفتح آفاقا مغرية.

كل هذا ستستفيد منه الصين، في سيناريوهات مستقبلية، خاصة بمجالها الاستراتيجي الواسع، في التحرك والتموقع، تحاول أن تجعله في منأى عن التدخلات الغربية والأممية .

مجالها الحيوي ذاك، الذي يمتد من جزيرة تايوان، ويتقاطع مع مصالحها الدولية الآسيوية، دون إغفال مسألة توازن القوى في الأقاليم البحرية وفي المحيط – الهادئ.

في هذا السياق الدولي، تستخدم الصين حذرا وصمتا استراتيجيا، لموازنة وقياس إجراءات سياستها الخارجية المستقبلية، وفقا لتطور الوضع الدولي، وعلى وقع مجريات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية .

فهي طريقة للاستعداد لمفاجآت المستقبل، وحجز مساحة للمناورة الاقتصادية، مع العلم أن تداعيات الحرب، والعقوبات الاقتصادية (بما في ذلك ما يتعلق باستبعاد البنوك الروسية من نظام «سويفت») ستغير الوضع على طول آلاف الكيلومترات، خاصة بالنسبة إلى النقل التجاري عبر المسالك البرية، وبشكل عام للتجارة مع أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا.

قد يؤدي الانشغال الروسي بتداعيات الحرب إلى قيام النظام الصيني، بالاستثمار بشكل أكبر في مساحة النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي والاستراتيجي لمنطقة أوراسيا (الطاقة، والموارد الطبيعية، والدخول في تعاون وشراكة مع الأنظمة القائمة).

لهذا يظل النظام الصيني مراقبا حذرا، مستغلا الوقت الكافي لصالحه، بعيدا عن التوترات والنزاعات، وبحثا عن فرص التأثير الديبلوماسي والاستثمار الناجح.

كأن الصين تغير مواقفها ببطء تجاه الأزمة، حيث يبدو موقفها أقل غموضا، على الرغم من أن هذا لم يتضح بعد كاملا، إلا أن هناك العديد من العوامل

التي ستجعلها تتراجع عن تبني أي تأييد للغزو الروسي، لحرمة أراضي دولة سيادية عضو في الأمم المتحدة، بما في ذلك اعتبار حسابات مصالحها المعلنة، والروابط الدبلوماسية والعسكرية، التي تجمعها في اتفاقيات سابقة مع أوكرانيا، دون نسيان الاعتبارات الاستراتيجية الأخرى.

بالنسبة إلى الصين، تعتبر أوكرانيا بوابة أساسية، ومركز عبور مهم إلى قلب الاتحاد الأوروبي.

وهي تقيم بشكل إيجابي، اتفاقية أوكرانيا التجارية الاقتصادية لعام 2017، مع الاتحاد الأوروبي. لهذا السبب تعتبرها السلطات الديبلوماسية الصينية، بمثابة جسر للتواصل بين الشرق والغرب، بدلا من أن تكون جبهة أمامية للمنافسات الجيوسياسية، بين أطماع روسيا والحلف الأطلسي .

وللصين حسابات أخرى، تجعلها لا ترغب في أن تتأثر بتداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا، والتي بدأت في إفراز نتائجها تدريجيا.

وبينما يشير المراقبون إلى أن استبعاد روسيا من نظام «سويفت»، قد يؤدي بدوره إلى تقريبها من المساعدات الصينية، فإن الصين تسعى بحذر إلى عدم إظهار أي موقف في هذا الاتجاه يعين روسيا على التهرب من آثار العقوبات.

وتبعا لما جاء في آخر خبر اقتصادي متداول، فلقد أوقفت بعض البنوك الصينية إصدار خطابات الاعتماد لشراء السلع الروسية. فالذي يبدو أن الجهات المالية الفاعلة في الصين قد لا تكون في الواقع، مهتمة بالمراهنة على الاقتصادات المعطوبة، أو المهددة بالاختناق، وهذا ما حدث في حالة فنزويلا أنموذجا .

ولد الغزو الروسي لأوكرانيا إجماعا غير مسبوق، بين دول معسكر الحلف الاطلسي، وهو أمر لا تحبذه السلطات الصينية. فمن الناحية الاستراتيجية البراغماتية، هي على عكس روسيا، ترنو إلى أن تكون هناك دول في الاتحاد الأوروبي مستقرة، لكن متباعدة ومشتتة في تحديد علاقاتها الخارجية، داخل سوق أوروبية مشتركة كبيرة ومتكاملة، تدعم صادراتها. في غضون ذلك، ستضطر الصين ربما إلى إعادة النظر في حساباتها، إذا أرادت الحفاظ على علاقتها مع روسيا، التي تواجه عقوبات اقتصادية قاسية.

فإما البقاء بالقرب من روسيا، أو تقييم إحجامها عن الوقوف إلى جانب موسكو في الأزمة الحالية. في كلا الحالتين هذا سيؤثر حتما على علاقة الصين بالاتحاد الأوروبي، والدول الأوروبية الموجودة على حدود النزاع، ويمكن أن يسرع تفاقم توتر جديد على الصعيد العالمي.

 

نافذة:

يظل النظام الصيني مراقبا حذرا مستغلا الوقت الكافي لصالحه بعيدا عن التوترات والنزاعات وبحثا عن فرص التأثير الديبلوماسي والاستثمار الناجح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى