شوف تشوف

الرأي

الصراع العربي الصهيوني إلى أين؟ وهل من حل؟

بقلم: خالص جلبي

أذكر جيدا في حرب عام 1967 م المشؤومة، التي قاد فيها العجل الناصري الأمة العربية ومصر إلى الكارثة المحتومة، كما يقول توينبي عن جائحة الحرب والحماقة، كنت هاربا مطاردا من مخابرات البعث السوري أسمع من الراديو وأنا مختبئ في جبال الزبداني إذاعة «إسرائيل»، تقول بالحرف الواحد: «أيها المواطن العربي إنها فرصتك للتخلص من حكامك المستبدين، وجيش الدفاع الإسرائيلي سيعينك على الإطاحة بهم». إنها حرب نفسية أليس كذلك في دغدغة شعور الإنسان العربي مع حكامه الانقلابيين؟ ثم وقعت الكارثة التي لابد منها، ويومها أعلن الانقلابي الأسد عندنا، وكان وزيرا للدفاع، خبر سقوط الجولان قبل أن تسقط، في سر غامض حتى الآن، كلف التعرض له من خليل برويز في كتابه المشهور عن سقوط الجولان، أن ينام في الحبس والفلق بقية حياته، ولا أدري إن كان حيا يقرأ مقالتي هذه أم لا؟
ويمكن ضغط المشكلة في ضفيرة من الأفكار الرئيسية، ولكن أهم فقرة على الإطلاق في هذا التحدي، هي أن المشكلة كما في علم الأمراض والتشخيص التفريقي أن العنصر الخارجي أو الجرثوم الغازي والفيروس الفتاك لا ينقض إلا على جسم مريض عليل، وهو ما حدث في اعتلال الجسم العربي وما زال، ويجب فهم صورة الحدث أنه نتج وتولد من جسم عليل.
1- وجود إسرائيل ليس من قوتها ولا من دعم الغرب، ولكنها وجدت بسبب انهيار جهاز المناعة العربي، أكثر من قوة بني صهيون.
2- إسرائيل بهذا التعريف هي عرض للمرض وليست المرض، وهو أمر ذو أهمية بالغة استفدنا فيه من المفكر الجزائري مالك بن نبي في حديثه عن الاستعمار والقابلية للاستعمار؛ فلولا الضعف ما ظهر المرض، ولولا المستنقعات ما فرخ البعوض، ولولا مرض السكري ما انتشرت العفونات، ولولا مخلفات السمك ما حوم طير النورس، وحيث الجثث تحلق الغربان، ولولا موت العراق على يد صدام ما جاء النسر الأمريكي، وحين كانت نتائج الانتخابات عام 2001 مائة بالمائة، فهو إعلان من نظام صدام أن الأمة أصبحت صفرا.
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
3- إسرائيل ـ والصهيونية بكلمة أدق ـ هي ظاهرة سرطانية ليس من سبيل لمصالحتها إلا بطريقين: الاستئصال الواسع للسرطان، أو تعديل الكود الوراثي فيه عن طريق كبسلة (الورم السليم لا ينتشر، بل له محفظة (Capsule)، والخبيث ينتشر فيكسر المحفظة)؛ لذا يجب تطويق دولة بني صهيون بدون حرب ولا سلم ولا اعتراف، مثل الصبر على أي سفيه دخل حارتنا؛ فقاطعناه حتى حمل حقائبه وولى الأدبار.
4- الصراع العربي – العربي هو الجوهري، ويمثل التناقض الأساسي في الحالة العربية، والصراع العربي الإسرائيلي هامشي وجانبي بموجب المعطيات السابقة، رأينا ذلك واضحا في حرب الخليج الأخيرة عام 1990م حين كان صدام يضرب تل أبيب والرياض بالصواريخ نفسها؛ ورأيناها مع الربيع العربي حين قتل طاغية دمشق مليونا وهجر خمسة عشر مليونا. فلننس إسرائيل.
5- فشل العرب في حروب الاسترداد، كما فعل الإسبان مع العرب في الأندلس وشبه الجزيرة الإيبيرية، فنجحوا وفشلنا، وكان أخطر تلك الحروب تلك التي خاضها طاغية مصر الناصري عام 1967م فخرجت إسرائيل بأفضل النتائج، وما زلنا نعالج ذيول ذلك الخطأ الشنيع بفواتير لا نهاية لها وبدون فائدة تذكر حتى اليوم.
وقصة مبادلة الأرض بالسلام خرافة، لأن إسرائيل بنت وجودها بالأصل على الفكرة نفسها، باحتلال الأرض بقوة السلاح، بدعوى أن أجدادهم قبل أربعة آلاف سنة كانوا فيها، وهو أمر لو طبقناه وجب ترحيل كل أهل أمريكا الحالية وتغيير خرائط العالم أجمعين. وحاليا تملك إسرائيل ترسانة نووية قادت إلى وضع معقد بأن الحرب معها أصبحت غير ممكنة وانتحارية، وتمكن مراجعة كتاب سيمور هيرش عن سلاح شمشون، ولا يعني هذا أنه لن تنشب حرب انتحارية تفجر العالم جميعا، فكل من العرب وبني صهيون يملكون مثل هذا اللون من التفكير بنهاية العالم.
6- لا فائدة من المفاوضات إلا مزيدا من تضييع الوقت، وخسارة المزيد من الأراضي، وحاليا بلغت الأعشاش الصهيونية حدا مخيفا في الضفة والقدس، بحيث يستحيل قيام أي دولة فلسطينية تحت مظلة فتح، وفتح مؤسسة ماتت مع موت مؤسسها عرفات. وقيام مؤسسات جديدة فتية أشد همة وتصميما، كما في حالة حماس المحاصرة ومنها ستأتي بذرة تدمير دولة بني صهيون.
7- علت إسرائيل علوا كبيرا وسوف يسلط الله عليها من يجوس خلال الديار فيدمرها تدميرا كان ذلك في الكتاب مسطورا، وهي تمثل الحملة الصليبية الثامنة، التي سيكون مصيرها مثل الحملات السبع السابقات سبقا.
8- ظهر المرض العربي الداخلي في أجلى صوره في خلاف فتح وحماس فتقاتلا بكل حماس، وهو يقول لنا بأجلى لسان وأعظم بيان، إن الله لو خسف الأرض بإسرائيل ما زالت خلافات العرب، ولذا قد يكون وجود دولة بني صهيون خيرا من جانب، لأنهم أشداء على الفلسطينيين رحماء بينهم، ديموقراطيون في احترام بعضهم بعضا، أما نحن فنعيش عصر الجملوكيات العربية في انقلاب محاور الزمن إلى الخلف، كمن يمشي على رأسه ولا يشعر بالدوار. وهي نكتة كبيرة ولكن لا يضحك لها أحد، بل هو واقع مؤلم معاش على صورة كاريكاتور من حكم الصبيان الجدد! وهذا هو لب المشكلة العربية لحين ولادة جيل ديمقراطي يحترم نفسه والعالم.
9- امتد الصراع العربي الصهيوني منذ عام 1948م بدون أمل بنهاية النفق الحربي العدائي، ويجب فهم المشروع الصهيوني أنه ناجح حتى اليوم بفعل حزمة من العناصر، أهمها الديموقراطية الداخلية والعقل الصهيوني العلمي، و(أيدا يوناس) من جامعة حيفا أخذت جائزة نوبل عن بحث الريبوزيمات عام 2010م، ولذا كانت معرفة تركيب دولة بني صهيون على غاية من الأهمية من أجل تفكيكها للمستقبل.
10- المقاومة السلمية هي الخيار المضمون في إزالة دولة بني صهيون، ومن المهم أن نحدد أننا ليس في نيتنا إبادة اليهود على طريقة النازيين وسارازين، بل تفكيك العقيدة الصهيونية وبناء دولة جديدة شرق أوسطية تقوم بالعدل وعلى العدل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى