الصالح العام
![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2025/02/idrabeaame.jpg)
داخل النقابات والأحزاب السياسية والجمعيات والتنسيقيات، هناك شيء اسمه الصالح العام، يجب أن يوضع فوق كل اعتبار، لكن المؤسف في الواقع المعاش عندنا هو أن العديد من الهيئات النقابية والحزبية والحقوقية، تستعمل الصالح العام كجسر فقط للعبور نحو حماية المنصب ومعه قبيلة المنتمين، والدفاع عن مصالحهم ومكتسباتهم، وتبييض الخروقات التي يرتكبونها، وتقديم المبررات والأعذار والاجتهاد في ذلك، والوقوف أمام كل مبادرة إصلاح يمكنها أن تعيد قطار التنمية إلى سكته الصحيحة، أو تمس بالفوضى المصطنعة التي تشكل شريان حياة لفيروس الفساد.
نحن في حاجة ماسة خاصة في الوقت الراهن إلى تصحيح مفاهيم مغلوطة حول العمل النقابي والحقوقي والسياسي والتطوع الجمعوي، وتفكيك ربط الانتماء بالدفاع عن الكرسي التي تضمن استمراريته قبيلة المنتمين، مهما كانت التجاوزات والخروقات التي ترتكبها، والتضامن والتنسيق لمواجهة وعرقلة مشاريع قوانين تهدف إلى دعم الصالح العام، والسعي إلى الرفع من الإنتاجية والتنمية الشاملة.
يجب تصحيح الموازين المختلة داخل القوى الحية بالمجتمع، بوضع الصالح العام على رأس الأولويات، عوض الاستماتة في الدفاع عن مصالح اللوبيات النقابية والسياسية والحقوقية، وركوب موجة الصالح العام في الظاهر، بينما الباطن يتعلق بأجندات ضيقة يقوم البعض بالمساومة عليها تحت الطاولة وفي الاجتماعات المغلقة.
لا يمكن أن نطالب بالهيكلة والتطلع لتسريع مشاريع الإصلاح وتوسيع مجال الحريات بأنواعها، دون الحديث عن الحاجة الملحة إلى هيكلة الهيئات الحزبية والنقابية والحقوقية، وإحياء العمل النقابي والسياسي الحقيقي، والنضال من أجل الصالح العام بنكران للذات، عوض استغلال السلطة المعنوية للتغطية على الخروقات والضغط لاستمرار الفوضى والفساد، ما يجعل الشعارات المرفوعة للاستهلاك فقط.
الكل مع المزيد من الحريات النقابية والسياسية، لكن الأمر يتطلب التزام الواقعية في الملفات المطلبية، ومواكبة استراتيجيات الدولة في التنمية والهيكلة وتنفيذ مشاريع الإصلاح، وتقديم الزعامات التي يمكنها مناقشة عمق مشاريع القوانين، دون السقوط في مطب المزايدات وممارسة الشعبوية، وركوب الصالح العام، ودغدغة عواطف شريحة العمال والمنتمين، في ظل أرضية مناسبة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة.
إن الأزمة التي نعيشها هي أزمة تهميش الصالح العام بامتياز، رغم أن الكل يتباكى عليه ويسوق سعيه إلى خدمته، في حين يتحدث الواقع عن مسافة كبيرة بين الصالح العام والنضال والاحتجاج، ما يتطلب تقريبها بواسطة نقاش عام هادئ يبدأ بمراجعة المفاهيم المغلوطة، لتُصحح معها التصرفات والممارسات وتصبح الطاقة إيجابية، سواء على مستوى المؤسسات أو الفرد، غير هذا سيبقى الصالح العام مطية لتحقيق الأجندات الخاصة، وفزاعة تستعمل عند الحاجة إلى الدفاع عن الخلود في المنصب بخلفية القبيلة النقابية أو السياسية أو الجمعوية، والوطن هو الخاسر الأول طبعا.