
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، والتسابق نحو استغلال منابع الماء والغذاء والثروات بالقارة الإفريقية، التي ينتظرها مستقبل واعد إذا أحسنت استغلال الفرص السانحة، لا بد من التأكيد على الجودة والفعالية في تنزيل التعليمات الملكية السامية التي ركزت في أكثر من مناسبة على إنشاء منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، سيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للمملكة.
لقد اعتبر الملك محمد السادس في خطابه التوجيهي لتحقيق السيادة الغذائية، أن أزمة كورونا أعادت قضايا السيادة إلى الواجهة بقوة، وسط استمرار التسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها، سواء الصحية أو الطاقية، أو الصناعية أو الغذائية، أو غيرها، مع ما يواكب ذلك من تعصب من طرف البعض، وهو الشيء الذي يجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل كافة القطاعات الحكومية والفاعلين والمستثمرين لمضاعفة جهود التنمية ودعم تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص الحاجة للاستيراد لأقصى حد ممكن.
لا يختلف اثنان على أن كلفة استيراد العديد من المواد الغذائية الأساسية في مائدة المغاربة كاللحوم وزيت الزيتون والحبوب والقطاني، تستنزف ميزانية الدولة، وتضيع فرص الشغل وتضع مفاتيح ميزان العرض والطلب بالأسواق لدى الجهات المصدرة، مع ما يعني ذلك من ارتباط للقرار الاقتصادي بالقرار السياسي والدبلوماسي، والتقلبات العالمية التي تخضع للمصالح ولا شيء غيرها.
وخلال الوقت الراهن، نحن في حاجة ماسة لمراجعة دعم القطاع الفلاحي بما يحقق الأهداف المطلوبة، وتوجيه الفلاحين نحو الزراعات الأساسية من الحبوب والقطاني وتطوير إنتاج الزيوت واللحوم كما وكيفا، ما يتحقق معه الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، ويساهم في حفظ السلم الاجتماعي والتحكم بنسبة كبيرة في الأسعار.
ومع التساقطات المطرية التي عمت كافة جهات المملكة الشريفة، لابد لنا من ربح تحديات تدبير الثروة المائية واستثمارها في السيادة الغذائية قبل هاجس التصدير والعائدات المالية التي يتم تحقيقها، إذ رغم أهمية التصدير إلا أن هناك أولويات تجب مراعاتها في المجال.
إننا لا نعيش وسط جزيرة معزولة، لذلك فإن مواكبة التحولات العالمية المتسارعة، بسبب الحروب المشتعلة وارتباك سلاسل الإنتاج، من أهم ما يجب أن تأخذه الحكومة بعين الاعتبار وتمنح الملف الأهمية التي يستحقها، سيما في ظل الأبعاد الاستراتيجية للأمن الغذائي والمؤشرات التي ظهرت مع الجائحة، وأبرزها انغلاق كل دولة حول نفسها في ما يتعلق بتوفير المواد الأساسية والأدوية ووسائل الحماية، بحيث أصبحت سلطة كل بلاد تصرخ نفسي نفسي، وكأن الأمر يتعلق بقيام القيامة وأهوالها.