شوف تشوف

الدوليةالرئيسية

«السترات الصفراء».. هل تدفع ماكرون إلى الاستقالة؟

سهيلة التاور

تحول خروج الآلاف من المحتجين من أصحاب السترات الصفراء على نطاق واسع للتعبير عن غضبهم ضد سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، التي تدفع الدولة إلى اعتماد استراتيجية رفع أسعار الوقود وفرض رسوم عليها على شكل ضريبة بيئية لتحسين الحالة الاقتصادية للبلاد، إلى اشتباكات مع الشرطة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، واعتقال العشرات.. ما ينذر بحرب أهلية بين المواطنين المؤيدين والمعارضين. فهذه المرة لم يحسن ماكرون اختيار التوقيت المناسب للإعلان عن النية في الزيادة في أسعار المحروقات.

التاريخ يعيد نفسه، ربما، في هذه المرحلة المتأزمة التي تعيشها فرنسا منذ أسبوعين بسبب الزيادة في أسعار المواد الحيوية وغلاء المعيشة. هذا الغضب سبق أن حدث مثله في الستينات حين وصل عدد العاطلين إلى الآلاف، فضلا عن أن نحو مليوني عامل يحصلون فقط على الحد الأدنى للأجور، كما أن ارتفاع الأسعار بلغ أقصاه في ظل أزمة اقتصادية طاحنة. ورغم أن الحاكم حينها كان هو شارل دوغول الذي حارب لأجل الاستقلال، إلا أن الفرنسيين لم يرحموه حين مسهم الضرر وحملوه المسؤولية، مطالبين بالإصلاحات وحل الأزمة. فما كان منه إلا أن يتدخل، خصوصا أنه تم الإعلان عن أكبر إضراب شهدته فرنسا إلى حد الآن، والذي أدى إلى شل الحركة الاقتصادية للدولة لمدة أسابيع من خلال مظاهرات أسقطت قتلى ومصابين بسبب المواجهات مع الشرطة. فقرر دوغول سن اتفاقيات مع النقابات للوصول إلى حل، وذلك برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 35 في المائة، بالإضافة إلى مجموعة من الامتيازات لصالح العمال. إلا أن الأزمة ظلت على حالها والغضب لم ينطفئ. فقرر، في موقف جريء منه، أن يضع برنامجه الإصلاحي في يد الشعب الفرنسي من خلال الاستفتاء وفي حالة حصوله على نسبة مهمة من الرفض سيقدم استقالته. الشيء الذي تقبله الكثيرون بنوع من الاستهزاء وعدم التصديق، لكن الاستفتاء جاء بـ52,41 في المائة من الرفض، فاستقال شارل دوغول.

فالغضب الذي تشهده فرنسا هذه الفترة لا يختلف كثيرا عن ما مرت به في الستينات. بل ويشتد يوما بعد يوم والإصلاحات تواجه الرفض.. فهل ينتهي عهد إيمانويل ماكرون بالسيناريو نفسه الذي انتهى به شارل دوغول؟ أم أن حربا أهلية ستعم فرنسا؟

السترات الصفراء ومظاهرات الستينات

على غرار مظاهرات ثارت في وجه السياسة الفرنسية التي كان يحكمها شارل دوغول سنة 1968 ضد الأزمة المعيشية الاقتصادية التي كان إثرها الشعب يطحن بسبب غلاء الأسعار، احتشد آلاف المحتجين في حركة شعبية غير مسيرة ولا قائد لها، أسمت نفسها «السترات الصفراء»، لتقف أمام عزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الزيادة في أسعار المواد الحيوية. وتم اختيار هذا الاسم نسبة إلى السترة الصفراء التي يجب أن يتوفر عليها أي سائق سيارة للإنذار بالخطر، كما أن مضمونها ينطق بوجوب سماع صوت الإنذار الشعبي.

فبعد أن خرج الآلاف لهدف واحد، وهو استنكار الزيادات في الأسعار، تحولت الاحتجاجات إلى اشتباكات مع الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، تم إثرها إيقاف العشرات من المتظاهرين، فيما سقط قتلى وجرحى. احتشد أصحاب السترات الصفراء في مظاهرات ثانية كبيرة شملت العاصمة باريس، ونشرت قوات الأمن أكثر من ثلاثة آلاف عنصر لتفادي أي نوع من أنواع الشغب والعنف الذي يتخلل المظاهرات. لكن  الرسالة كانت صريحة هذه المرة، إذ هتف الشعب باستقالة ماكرون في أرجاء المدينة وفي محيط الطرق مدفوعة الأجر ومحاور الطرق السريعة بشكل خاص. فضلا عن أن الحشود مؤمنة بكون الحكومة لا نية لها للإصلاحات، بل تريد تعطيل المظاهرات بدس من يعكر سلميتها.

وفيما يؤكد أصحاب السترات الصفراء أنهم لن يتوقفوا إلا بعد تلمس التغيير الجذري في سياسة الحكومة، فإن رد الأخيرة لم يصل إلى حد الحوار للوصول إلى الحلول المرضية، بل اقتصر على منع تجمع كبير في ساحة الكونكورد بباريس، حيث كان ينوي نحو 35 ألف شخص المشاركة فيه، وأغلقت الطرق المؤدية إلى الإليزي والقسم السفلي من جادة الشانزليزي وساحة الكونكورد والجمعية الوطنية ومقر رئيس الحكومة ومجموعة من المواقع الاستراتيجية.

 

تراجع شعبية ماكرون

تمكنت الحركة السلمية من كسب الدعم الوطني بنسبة 72 في المائة أصبحوا يؤمنون بمطالب السترات الصفراء التي تعبر عن الغضب الذي يجتاح المواطنين الفرنسيين بسبب غلاء المعيشة..، لكن، من جهة أخرى، هناك انقسام بين الفرنسيين من ناحية طريقة التعبير عن الغضب، فمقابل 46 في المائة الذين يرفضون الاحتجاجات، يوجد 52 في المائة من مؤيديها.

هذا ويظل ماكرون في سكوت تام، الشيء الذي يجعل شعبيته في تهديد أكبر. فبعد استطلاع حديث تم الكشف عن نتائج مقلقة، حيث إن 54 في المائة من ناخبي ماكرون يدعمون أو يتعاطفون مع هذه الحركة. واستطلاع آخر أكد أن شعبية ماكرون انخفضت إلى 25 في المائة فقط، حيث قال 4 في المائة فقط من المستجوبين إنهم «راضون جدا» عن أداء ماكرون، بينما ذكر 34 في المائة أنهم «في الغالب غير راضين»، في حين أعلن 39 في المائة أنهم «غير راضين أبدا». فبرغم إعلان الحكومة زيادة المساعدات المخصصة للأكثر فقرا، حتى يتمكنوا من تغيير سياراتهم أو دفع فواتير المحروقات، فإن عشرات آلاف الغاضبين ما زالوا يخرجون إلى شوارع الجمهورية، لدرجة دفعت ماكرون للتصريح بشكل غير مسبوق بأنه لم «ينجح في مصالحة الشعب الفرنسي مع قادته»، وهو أحد شعارات حملته الانتخابية. كما كتب نيكولا شاربونو، في صحيفة «لوباريزيان»، أن «الشرخ هو عندما لا نعود نصغي إلى بعضنا ولا نحترم بعضنا.. وهذا هو أكبر خطر اليوم».

 

الأزمة في تضخم

في ظل هذه الاحتجاجات والثورة الشعبية التي تتزايد يوما بعد يوم في شكل غاضبين كارهين لسياسة الغلاء المتصاعد، تأتي الحكومة الفرنسية لتفجيرها في وجوههم على لسان رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب أنها متشبثة بقرارها في الزيادة في الأسعار. كما أن الإعلام الموجه من طرف الحكومة بدوره يحذر المحتجين من استمرارهم في التظاهر وتخويفهم من تسلل التطرف إلى البلاد من خلال التجمهر، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الجرحى الذي تجاوز 511.

كل هذا يجعل الوضع الفرنسي متأزما أكثر، خصوصا بعد فشل الحكومة في إيجاد حلول، وعجز مؤسسات الوساطة عن التدخل للحد من الشرخ بين الحكومة والشعب الغاضب..، ليخرج عدد من المحللين السياسيين الفرنسيين بتحذيرات بخصوص تعقد الحوار والخروج من الأزمة.

 

السعودية تخفض سعر النفط

قامت شركة النفط الحكومية في المملكة العربية السعودية «أرامكو»، خلال شهر أكتوبر 2015، بتخفيض سعر النفط الرسمي الخام «نوعية العربي الخفيف»، بنسبة 0.1 دولار للبرميل، وخفضت سعر النفط الخام المتوسط للعملاء الآسيويين بمقدار 0.5 دولار للبرميل، ليصبح سعر البرميل 1.3 دولار. وذلك لفائدة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان شمال غرب أوروبا.

وفي شهر غشت من السنة نفسها، خفضت المملكة العربية السعودية إنتاجها من النفط إلى 10.5 ملايين برميل يوميا، وهو أول تخفيض للإنتاج خلال العام 2015. ووفقا لتقرير منظمة «أوبك»، فقد انخفض في غشت، إنتاج «الذهب الأسود» في المملكة العربية السعودية بنسبة 202.7 ألف برميل يوميا، ليصل الإنتاج إلى 10.361 ملايين برميل يوميا.

وتحدد شركة النفط الحكومية في المملكة العربية السعودية «أرامكو»، أسعار النفط، بناء على توصيات من العملاء، واعتمادا على التغيرات في حساب قيمة النفط المباع خلال الشهر الأخير الذي يسبق عملية التحديد، وكذلك على أساس الربحية وسعر الإنتاج، علما أن وزير النفط السعودي أعلن، في إطار المؤتمر الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، والذي عقد خلال يوليوز الماضي، أن المنظمة قررت الحفاظ على حصص إنتاجها من الذهب الأسود، بدون أي تغيير.

 

انضمام فرنسا للمجموعة

شهدت مجموعة من الدول حول العالم موجة من الاحتجاجات بسبب رفض سياسة الدولة وغلاء المعيشة، فقاد تأزم الوضع وتحول الغضب في عدد منها إلى ربيع عربي على غرار تونس ومصر، وإلى حرب أهلية في أخرى من قبيل سوريا وليبيا، في حين بدول أخرى ثارت الشعوب بسبب الزيادة في الأسعار، شأن البرازيل التي شهدت مظاهرات عنيفة بسبب رفع تعرفة المواصلات، وشبه ثورة تونسية ثانية بسبب الغلاء واحتجاجات سودانية بسبب ارتفاع أسعار الدقيق، وأخيرا مظاهرات شعبية في إيران واحتجاجات شعبية في الجزائر.

ففي تونس، اشتدت الاحتجاجات مع بداية سنة 2018، تنديدا بغلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الأساسية، بسبب قانون المالية، ما أدى إلى مقتل شاب على يد قوات الأمن، لتعود مطالب «ثورة الياسمين» للشارع بعد سبع سنوات من سقوط الرئيس زين العابدين بن علي ونظامه.

وفي كردستان العراق، انتفض آلاف المتظاهرين الغاضبين من سياسة التقشف وزيادة الفساد، وعدم دفع الرواتب الحكومية في دجنبر 2017، وهو ما قابلته السلطات في الإقليم بالعنف ما أدى إلى مقتل 5 متظاهرين وجرح 80 غاضبا.

وبمنطقة القبائل الجزائرية، شهد منتصف دجنبر 2017 خروج عدة مظاهرات احتجاجا على رفض البرلمان تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، وفي 9 يناير وقعت مصادمات بين محتجين غاضبين بينهم أطباء مع قوات الأمن بالجزائر العاصمة، ووهران، وقسنطينة وعنابة، إثر مطالبتهم بإلغاء الخدمة المدنية والعسكرية.

ومع مطلع 2018، شهدت السودان احتجاجات شعبية عمت البلاد، بعد قرار حكومي يضع رغيف الخبز تحت سيطرة القطاع الخاص بدلا من الدولة، التي واجهت الشباب الغاضبين بقنابل الغاز، ما أدى إلى مقتل طالب وإصابة العشرات.

وشهدت إيران، مع بداية العام، موجة غضب شعبي بدأت من مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن، لتعم البلاد احتجاجا على زيادة أسعار السلع، وارتفاع معدل البطالة والفساد وسوء الإدارة، والتدخل العسكري بسوريا، ولبنان واليمن.

وأخيرا اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن البرازيلية ومحتجين على ارتفاع أجرة المواصلات في ساو باولو وريو دي جانيرو.

وفرنسا لم تخرج من المجموعة، إلا أن الاحتجاجات تستمر دون رد مباشر من قبل الحكومة مما يجعل النهاية مبهمة. في حين أن عددا من المحللين السياسيين يتنبؤون بحرب أهلية بين مؤيدي الحكومة والمعارضين لسياسة الرئيس إيمانويل ماكرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى