
لم تقتصر الغرائب والطرائف الصادمة على القذافي الأب، بل امتدت لأبنائه أيضا، حيث يكاد يصبح كل واحد من أسرة القذافي حالة غرائبية قائمة بذاتها، ولعل أبرزهم الابن الثاني الساعدي القذافي، الذي اختار لنفسه طريقا «مختلفا» عن إخوته. ففي الوقت الذي يقدم فيه سيف الإسلام نفسه خليفة لأبيه، حيث بذل مجهودات جبارة لتقديم نفسه كـ«مثقف متنور وديموقراطي»، فإن أخاه الساعدي اختار طريق الرياضة، وتحديدا كرة القدم، حيث جسدت «مسيرته» الرياضية أوضح مثال حول العبث الذي يمارسه المستبدون وأبناؤهم. ومن أبرز محطات هذه المسيرة، نجد أنه كان يملك فريقا اسمه «الأهلي الليبي»، وهو مموله ورئيسه، وفي الوقت نفسه كان لاعبا فيه، لذلك فهو الكل في الكل.
الساعدي.. «مول الكرة»
تحدث الدولي المغربي السابق، أحمد البهجة، عن التجربة الكروية التي مر منها في الدوري الليبي، عندما كان يلعب ضمن فريق الأهلي، إلى جانب الساعدي القذافي، ابن الرئيس الأسبق لليبيا الراحل معمر القذافي .وتطرق البهجة، خلال برنامج على القناة الثانية، إلى الحادثة التي وقعت له مع ابن القذافي، لما خيره بين المال والعودة إلى المغرب، أو قتله بمسدسه.
وقال البهجة في هذا الصدد: «في إحدى المباريات التي كنا نلعبها في المنافسات الإفريقية، واجهنا فريق النادي الإفريقي التونسي بملعب الأخير»، ومضى يقول: «بعدما كنا متقدمين في هذه المباراة بنتيجة هدفين لصفر، استطاع الفريق التونسي العودة في النتيجة، وتمكن من تعديل الكفة، قبل أن تتاح لنا فرصة ذهبية لتسجيل هدف ثالث بعد مجهود شخصي، حيث استطعت مراوغة ثلاثة لاعبين ومررت الكرة في طبق من ذهب لأحد اللاعبين الذين يحملون الجنسية الليبية، بيد أنه ضيعها». وأردف قائلا: «بعد نهاية المباراة، وفي مستودع الملابس، طلب القذافي من اللاعب الذي ضيع الهدف أن يعود إلى ليبيا عبر السيارة، بدل الطائرة، في رحلة تمتد لحوالي 1700 كيلومتر، الشيء الذي جعلني أنتفض في وجهه، وأتضامن مع اللاعب، فعدت معه في السيارة». وتابع البهجة: «في اليوم الموالي وقبل بداية التداريب، دخلت مستودع الملاعب، فخيرني «مول البالون» بين الفلوس أو مسدس في الجانب الآخر، فاخترت الأولى»، يقول ضاحكا.
هذه الحكاية عاش أمثالها العديد من اللاعبين العرب والأجانب في ليبيا حينها، حيث كان ابن القذافي يحرص على تسديد كل الكرات الثابتة وركلات الترجيح، وكان يعاقب في الملعب كل لاعب يلمسه، أو يضغط عليه لافتكاك الكرة. وعندما فقد شغف اللعب في «الجماهيرية»، حيث كان الجميع يجامله ليظهر بمظهر «اللاعب العبقري»، فإنه قرر قرارا طريفا ما زالت الصحافة الرياضية الإيطالية تتذكره بتندر كبير، وهو اللعب في الدوري الإيطالي.
اشتهر الساعدي القذافي في الملاعب الإيطالية عندما لعب بقميص بيروجيا في عام 2003، وشهرته لم تأت من إنجازاته، بل من الطريقة التي انتقل بها. حيث خلق جدلا واسعا في الأوساط الرياضية، على اعتبار أن هذا اللاعب لم يكن استثنائيا في أدائه ونشاطه في الدوري المحلي الليبي، وحمله لشارة قيادة المنتخب الليبي منذ عام 2000 حتى 2006، كان فقط من أجل إرضائه والجبر بخاطره، لكن لم يشاهده أي مشجع يلعب في إيطاليا، رغم أنه لعب في ثلاثة أندية ثلاث مباريات فقط، وكلها لبضع دقائق فقط.
دفع الملايين للعب 15 دقيقة
في صيف عام 2003، ارتدى القذافي قميص بيروجيا الإيطالي، ووقف رئيس النادي وصفق له في حفل تقديمه إلى الجماهير، والتي غابت عن المدرجات، بسبب هذه الصفقة الغريبة مع لاعب ابن «ديكتاتور» في العالم. وأشارت بعض المعلومات في ذلك الوقت إلى أن بيرلسكوني الذي أصبح رئيسا لحكومة إيطاليا بعد ذلك، هو من شجع على إتمام هذه الصفقة، وكان الهدف البحث عن شراكة اقتصادية مع ليبيا في المستقبل، خصوصا أن ليبيا كانت مستعمرة إيطالية أيام الحروب.
شارك الساعدي في أول حصة تدريبية لبيروجيا في يوليوز 2003، واختار أن يضع اسمه على القميص رقم 19 من دون وضع لقب العائلة، والتي تُمثل رعبا للناس حول العالم، بسبب ما يفعله القذافي كونه حاكما «ديكتاتوريا». وهناك كان يقف اللاعب الإيطالي الصاعد إيمانويلي بيريتوني، الذي وصف المشهد بأنه: «فيلم سينمائي».
وكان الساعدي، وكأنه مالك للنادي، يأتي بسيارة فاخرة محاطا بجهاز أمني لحمايته، وحتى إنه مرافق من بعض عناصر الشرطة المحلية، ومنذ نزوله على الأرض مرورا بالمنشأة الرياضية وصولا إلى أرض الملعب، كان يرافقه حراس الأمن المولجون حماية الملعب. كما أنه حجز أغلى غرفة في المدينة للمكوث فيها.
كانت للساعدي علاقة خاصة مع أحد لاعبي بيروجيا سالفاتوري فريشي، وطلب منه بعد إحدى الحصص التدريبية مرافقته إلى غرفة الفندق، ومن هناك سافرا في سفينة خاصة إلى ميلان، وهناك تناولا العشاء في فندق فاخر. وأخبر الساعدي فريشي عن قصة حصلت معه في العاصمة الإيطالية روما. وقال له إنه كان يتمشى في شوارع روما، وشعر بأنه ليس على ما يُرام، إذ شعر بألم في معدته، فماذا كان الحل آنذاك؟ دخل أحد الفنادق، استأجر غرفة من أجل استعمال الحمام فقط، لم يسأل المطعم المجاور إن كان بإمكانه استخدام الحمام، لأنه كان خائفا من أن يسأله أحد أن يدفع المال مقابل هذه الخدمة ويضع نفسه في موقف مُحرج، لذلك استأجر غرفة ودفع المبلغ، فعل ما فعله وغادر.
وهناك حادثة شهيرة حصلت مع المدرب فرانكو شوليو، الذي درب ليبيا في عام 2002، وتمت إقالته لأنه لم يُشرك الساعدي مع فريق أهلي بنغازي الليبي في إحدى المباريات، والساعدي معروف بأنه المهاجم الذي لم يُسجل أبدا، كما أنه لم يفارق دكة البدلاء في جل مسيرته الرياضية مع الأندية التي لعب معها.