
في الحوار الذي أجرته معه «الأخبار»، شدد عبد الرحيم الزمزامي، رئيس غرفة الصناعة التقليدية لجهة الرباط سلا القنيطرة، على أن التوجه لإفريقيا علامة مميزة لغرفة جهة الرباط، موضحا أن الصناعة التقليدية ضرورية لتطوير قطاعات السكن والسياحة والرياضة والثقافة، وأن الغرفة تواكب الصناع تكوينا وإنتاجا وترويجا وتسويقا.
الأخبار
– السيد عبد الرحيم الزمزامي، أنت رئيس لغرفة الصناعة التقليدية لجهة الرباط سلا القنيطرة لولايتين، اللافت لديكم أنكم قليلو الظهور على وسائل الإعلام. لماذا العمل بعيدا عن الأضواء؟
+ مما لا شك فيه أن التواصل ضروري في العمل السياسي، لكن المقاربة لشكل هذا التواصل قد تختلف. هناك من يتواصل من خلال الحديث عن ما يعتبره إنجازات لدرجة الظهور اليومي ما يعرضه أحيانا للاستهلاك، وهناك من يترك لهذه المنجزات أن تتحدث نيابة عنه. شعاري كان دائما هو: اعمل، اعمل، ثم اعمل في صمت وبنكران ذات، وكن دوما مخلصا لوطنك، ولملكك وللفئات التي انتخبتك، واحرص على الوفاء بما وعدت به.. وستجد أن هناك صدى لما تقوم به ولما تنجزه. هذا ما أسميه تواصل الإنجاز. هذه القاعدة تنطبق بالأساس على قطاع الصناعة التقليدية. الصناع التقليديون فئة منخرطة بشدة في المجتمع، ومرتبطة جدا بالمواطنين لأنها تدخل كل البيوت، ناهيك عن أنها في قلب الدينامية الاقتصادية بالمغرب، وبالتالي تنعكس نتائج عملنا في الغرفة كمنتخبين على صعيد المجتمع ككل. مثلا لا يمكن أن يكون هناك أداء متفوق للقطاع السياحي وقطاع الصناعة التقليدية متدهور ويعاني، وكذلك الأمر في قطاع السكن، ألا تتفق معي أن الصناع التقليديين هم من يبثون الروح في المعمار سواء كان سكنا أو معلمة، وبالتالي يشكلون بإبداعاتهم مزاج ونفسية الشعوب. أينما تحركنا نرى بصماتهم، وبالتالي هذا قطاع حيوي بامتياز.
الحرفيون، كذلك، عبارة عن جمهور منظم يتعارف فيه الكل. ولهذا ثمة تقييم مستمر لعملنا من طرف الصناع التقليديين، إذ ثمة رأي عام خاص بهم على مستوى كل جهة، وبالتالي نعرف أننا نحاسب ونوزن يوميا، لأن هاجس من نمثلهم الجودة والإتقان، وهم يخضعوننا نحن أيضا لهذه المعايير التي تشكل شخصية الصانع التقليدي، ولذلك نحن نعمل وفق هذه المعطى. إنه لمن السهل جدا قياس نشاط وكفاءة غرفة الجهة من خلال الأنشطة والمعارض التي تنظمها، والأفكار التي تطرحها وشعور الرضا الذي تتركه تدخلاتها في نفوس القاعدة الناخبة. الآن، وبعد أن أخذ عملنا أبعادا أخرى ثقافية ودبلوماسية وحتى عولمية، وبعد أن أصبحنا مطالبين بإشعاع خارجي، وبعد أن تجندنا للقيام بدور فعال ومهم في الدفاع عن وحدة أراضينا من خلال دورنا كسفراء من نوع خاص للنموذج الحضاري والتنموي المغربي في المحافل الدولية، نجد أن من واجبنا أن نتشارك تجربتنا في هذا المجال مع الفاعلين السياسيين والمهنيين الآخرين وكافة أطياف الشعب المغربي، فهذا النضال يتم خارج الوطن، ومن حق المغاربة أن يطلعوا عليه. الصناعة التقليدية صارت لها اليوم أدوار إضافية ومتعددة، هي أيضا استفادت وتكيفت مع الحداثة ومع العولمة، زد على ذلك أنها تطرق أبوابا جديدة. فغرف الصناعة التقليدية يمكن لها أن تنافح عن قضيتنا الوطنية التي انتقلت من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير التي تعني الحسم كما قال جلالة الملك نصره الله في خطابه خلال افتتاح البرلمان لهذه السنة التشريعية. إن الصناعة التقليدية، باختصار، جزء لا يتحزأ من القوة الناعمة للمغرب، والصناع التقليديون هم خير أجناد الوطن، لأنهم، بترجمتهم المستمرة للهوية، مفعمون بالوطنية ومجبولون على التضحية من أجل الوطن. هذه هي النظرة الجديدة التي ينبغي إسباغها على الصانع التقليدي في عهد ملكنا المستبصر محمد السادس نصره الله.
– في بداية مساركم السياسي، نلتم عضوية مجلس مدينة سلا، لكن، بمرور الوقت، يلاحظ أنكم اخترتم التركيز على العمل الانتدابي بقطاع الصناعة التقليدية، هلا شرحتم لنا لماذا فضلتم حصريا هذا المجال؟
+ فعلا يستهويني هذا القطاع لعدة أسباب، أولها أني أشتغل به منذ نعومة أظافري، فأنا ولدت داخل أسرة يعيلها أب كان صانعا تقليديا، وبالتالي تشربت منذ ضغري حب ومشاكل هذا القطاع، وأفهم جيدا إمكانياته الواعدة بالنسبة للبلاد. ولذلك لست طارئا على هذا المجال. البعض، عندما نثير أمامهم كلمة صناعة تقليدية، يعتقدون أننا أمام شيء بال عفا عنه الزمن وأنه بضاعة منذورة للاندثار، وهذا خطأ، الصناعة التقليدية ذاكرة عملية وحية للأمة، ومظهر من مظاهر حضارتها، وهي تختزل مسارها التاريخي منذ نشأتها إلى الوقت الحاضر، لأنها كتاب تراث مفتوح. هي تقليدية وعصرية في الآن نفسه، فهي تعتمد أيضا على التقنيات العلمية والتكتلوجية للعصر، خصوصا في شقها الخدماتي. وبهذا المعني، فالصناعة التقليدية هي أصالتنا مجسدة في منتجاتنا، هي التاريخ لما يستدعيه الحاضر ويمتزج به. إنها الهوية، والكل متفق أنه بدون هوية تندثر الشعوب، وتذوب وتنسى ماضيها، بل قد يضيع مستقبلها، لأن المستقبل هو دائما وليد الحاضر الذي هو وليد الماضي. أنت ترى أن هذا القطاع يمدني بمعان كثيرة وهذا سر شغفي به. هل تدري، مثلا، أن قطاع الصناعة التقليدية هو القطاع الذي نجح في التوفيق بين الأصالة والمعاصرة وبين التقليد والحداثة، وهي القضية المؤرقة لمفكرينا وسياسيينا منذ زمن.. وبالتالي أعتبره مدرسة حياتية كبرى يمكن أن نتعلم منها عدة قيم، من قبيل الصبر والتضامن، والإتقان والالتزام، والإبداع والجمال.
أحب هذا القطاع، لأن الحرفيين عبارة عن أسرة كبيرة تشعر فيها بالدفء الإنساني، وفيها تختبر قدرتك على التعاون والعطاء، لأنه تحكمنا علاقات ومعايير مهنية لا معايير سياسية، وهذا ما قد نفتقده في مؤسسات أخرى.
– ما الأدوار التي يمكن أن يلعبها هذا القطاع بالنسبة لبلادنا؟
+ نحن محظوظون جدا بملكنا الهمام الملك محمد السادس، إذ يصنف هذا القطاع في خطبه ضمن القطاعات الإنتاجية ذات الأولوية، ويعتبره رأس حربة لاقتصادنا نقدر بواسطته على خوض التنافسية التي لا تزداد سوى شراسة عبر العالم. هذا القطاع محرك اقتصادي، إذ يشغل مليونين و700 ألف حرفي، ورغم هذا الدور الحيوي، فإن القطاع يعرف العديد من الصعوبات. لازال يحتاج للدعم التشريعي والمالي لمواكبة التغيرات في السوق وتلبية حاجيات الزبائن، إلى جانب صعوبة الوصول للأسواق العالمية، والنقص في الدعم التسويقي والعلاقات العامة وفي الاستراتيجيات الترويجية، فضلا عن أنه يعاني من تناقص جاذبيته للشباب ما قد يتهدد توريث هذه الحرف وتقنياتها ومهاراتها للأجيال القادمة.
– باعتراف الجميع، أنتم تولون اهتماما كبيرا لتكوين الصناع التقليديين بجهتكم، فهل لديكم خطة خاصة ومميزة بهذا الصدد؟
+ عندما تولينا المسؤولية، راعنا التعثر الكبير الذي وجدنا عليه برامج التكوين. كان هناك تعثر دام ست سنوات، فسارعنا، منذ 2016، إلى إنجاز برنامج للتكوين بالتدرج المهني في حرف الصناعة التقليدية الفنية الإنتاجية على مدى ست سنوات بشراكة مع الوزارة الوصية على القطاع، وقطاع التكوين المهني استفاد منه ما يقرب من 5000 شاب وشابة. ينفرد هذا البرنامج بكونه يعطي فرصة لأولئك الذين لا يتوفرون على الشروط المطلوبة لولوج التكوين المهني، وبالتالي تمكينهم من مهارة تساعدهم على العيش بكرامة.
طبقنا هذا البرنامج بذكاء، حيث توخينا منه، فوق ذلك، أن يكون أداة لإنقاذ عدد من الحرف من الانقراض، وكذا مد المقاولات بيد عاملة مؤهلة.
ما أريد أن أؤكد عليه أننا حرصنا على مصداقية هذا التكوين. نحن دائما نتثبت من احترام المناهج ومن الحضور والاستفادة الفعلية للمكونين من هذه التعلمات.. إذ نقوم بزيارات مفاجئة للمقاولات، وبذلك نمنح شهادات حقيقية لهذا الصنف من المتخرجين.
كذلك انصب اهتمامنا على ضمان التكوين المستمر للصناع التقليديين، لأجل تطوير المهارات ومواكبة صناعنا لحاجيات السوق والمقاولة. وركزنا فيه على الحرف الخدماتية لأنها المجال الذي يضمن أكثر فرص الشغل، على غرار الحلاقة والتجميل، وصنع الحلويات والخياطة التقليدية، وإصلاح الهواتف النقالة والفخار والزليج.. سطرنا ما يقرب من 2600 يوم دراسي، وراعينا أن نوزع أنشطتنا هاته على كل أقاليم الجهة. زد على ذلك أننا نهتم بتقييم الأثر الراجع (feedback)، حيث نقوم بسبر آراء المكونين حول التكوين الذي رصدناه لهم، لأجل النقد الذاتي وتجويد العملية أكثر. وبالنسبة لنا نجد أن نسبة الرضا عن التكوين تناهز 70 في المائة ولازلنا نطمح لرفعها.
– هل لديكم اقتراح للمستقبل يهم التكوين في الجهة أو على الصعيد الوطني؟
+ هذا سؤال جيد. العالم لم يعد يتحدث عن التكوين المستمر، بل الآن هناك التطوير المهني المستمر. ورغم أن الأمر يتعلق بصناعة تقليدية، إلا أن تقنياتها بدورها تتطور باستمرار، وبالتالي لابد من المواكبة والتحيين، وهذا ما يؤمن به كل الصناع التقليديين.. التطوير المستمر هو أن يلتزم كل صانع تقليدي بحضور نشاطين دراسيين على الأقل يتم فيهما الخضوع لتكوينات لتجويد مهاراته اليدوية، أو لأجل تعلم تقنيات التسويق والترويج لمنتوجه، بما في ذلك الانفتاح على اللغات، وأن يدلي بشهادات هذين التكوينين كل أربع أو خمس سنوات لغرفة الجهة لتجديد بطاقته المهنية، وهكذا نضمن تحيين المهارة.. لكن يجب أن تكون هذه التكوينات على حساب الدولة، وأن يتبقى على الصانع التقليدي الالتزام بالحضور والتحصيل المهاراتي فقط. هذا يتطلب منا رفع الميزانية، لكن مردوده الاقتصادي أكبر مما سننفق عليه، لأنه يجعل الصانع التقليدي يعتد بنفسه، ويثق في إمكانياته الإبداعية التي تكون مواكبة لما يتطلبه السوق وطنيا ودوليا.
– هل لديكم برامج أخرى خاصة بالمرأة الصانعة؟
+ على مستوى المدينة، البرامج موجهة للصناع والصانعات على السواء، بينما على مستوى العالم القروي، فحسب دراسة أنجزها المكتب الجهوي للاستثمار بالقنيطرة، تبين أن 88 في المائة من النساء القرويات يشاركن في أعمال الفلاحة، وأن هؤلاء النساء يخصصن 10 في المائة من عملهن اليومي للصناعة التقليدية. تجاوبنا مع هذه الدراسة، وقمنا باستهداف المرأة الصانعة القروية من خلال تكوينها وتزويدها بالمعدات التقنية التي تساعدها على الإنتاج. واكبنا ما يناهز 950 امرأة في الجهة، وقمنا أيضا بعقد شراكة مع الوزارة لتفعيل كل من البرنامج الوطني لإعادة انطلاقة الزربية القروية والبرنامج الوطني لإعادة انطلاقة الفخار والخزف بجهة الرباط سلا القنيطرة. الزربية القروية من أهم مكونات النسيج الاقتصادي للصناعة التقليدية. نسبة صادراتها 15 في المائة بقيمة 117 مليون درهم. وفي هذا الصدد، استطعنا تمكين جهتنا من شارتين للجودة تهمان كلا من زربية زمور وحنبل زمور لحماية التراث المحلي وتقوية تنافسية زربيتنا القروية. وفي هذه السنة سنوقع اتفاقية شراكة مع بعض المجالس المنتخبة بإقليم الخميسات للنهوض بسلسلة إنتاج الحنبل الزموري. أما في ما يخص وحدات إنتاج الفخار والخزف، من خلال تثمين شارتي الجودة «مضمون» و«فخار سلا» والترويج لهما، نواكب صناعنا حتى على مستوى التغليف والتسويق.
التزمنا بتأهيل منظومة التكوين الأساسي للقطاع، وراكمنا تجربة في هذا المجال، ولنا مقاربة جديدة للتخطيط وبرامج فعالة للتكوين تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل.
– هل يمكن أن تمدوننا بمثال إضافي؟
+ هناك، مثلا، مرونتنا في التكوين، نحن نمارس التسيير كمكتب الغرفة بنفس براغماتي. ثمة، كما تعلمون، حرفيون لهم تجربة مهنية، أي مكتسبات مهنية طوروها على أرض الواقع. أنشأنا من أجلهم برنامج التصديق على مكتسبات التجربة المهنية، وهذا سبق لغرفتنا عمره الآن أكثر من خمس سنوات، وهناك غرف تريد أن تحذو حذونا في هذا المجال. إننا نمكن هؤلاء الأشخاص من شهادات تعادل مستواهم الحرفي، وهذا يدعم الهيكلة وتنظيم القطاع ويحمي الموروث الثقافي من الاندثار. استفاد من هذا البرنامج على مستوى كل الجهة، لحدود سنة 2023، ما يناهز 1000 صانع تقليدي.
– السيد الزمزامي، كانت لغرفتكم صولات وجولات في إفريقيا، ما الذي يمكن أن تلعبوه كقطاع للصناعة التقليدية في الدبلوماسية الموازية؟ ولماذا إفريقيا بالذات؟
+ هذا التوجه نحو الدبلوماسية الموازية هو انخراط لنا في الدينامية التي أطلقها جلالة الملك على المستوى الإفريقي، والتي دعا فيها إلى التعاون جنوب جنوب. كان مشهد ملكنا سنة 2017، وهو يعيد المغرب إلى حضنه الإفريقي ملهما لنا، ومحفزا على أن نسير وفق خارطة الطريق الملكية التي رسمها لنا عاهلنا المفدى. قضية الصحراء المغربية هي قضية ملك وشعب، وبالتالي انفتحنا على إفريقيا، بل أصبحنا نموذجا في بناء علاقات وشراكات مع مؤسسات الصناعة التقليدية بإفريقيا. نحن نقتدي بالعمل الإفريقي لجلالته وننسج على منواله. رأينا كيف دعم المغرب إفريقيا في أزمة كورونا وكيف ربط جسورا جوية مع 15 دولة لمدها بما تواجه به الوباء من معدات. الصناعة التقليدية لها باعها الكبير في هذا المجال، فهي وسيلة فعالة لتعزيز العلاقات الثقافية مع هذه الشعوب الإفريقية ونشر تراثنا الثقافي والفني، وهذا يلحم الترابط بيننا والأشقاء الأفارقة، وينمي الفهم المتبادل ويفتح أبواب الحوار والتعاون الاقتصادي بيننا. حين نسير إلى إفريقيا، فذلك للتعريف بقضيتنا الوطنية، وكذلك لفتح أسواق جديدة على المستوى الإفريقي للترويج لمنتجاتنا المحلية. إننا نضرب، والحالة هاته، عدة عصافير بحجرة واحدة.
– هل لكم أن تفصلوا لنا بعض الجوانب من نشاطاتكم بإفريقيا؟
+ تأمل معي أولا أن أنشطتنا تبدأ من المقاولة الحرفية في الحي إلى الإقليم إلى الجهة إلى المستوى الوطني، ثم المستوى الدولي. مثلا عندما ننظم معارضنا فنحن نستقبل دولا إفريقية ضيوف شرف. استقبلنا دولة نيجيريا، وبوركينافاسو وكينيا، وإثيوبيا والغابون، وكلها دول وازنة، ودائما ما نعقد شراكات، في نهاية هذه الدورات، مع رؤساء البعثات الإفريقية المشاركة في تظاهراتنا. هل تعلمون أننا نظمنا سنة 2022 بأبوجا، عاصمة نيجيريا، معرضا دوليا للصناعة التقليدية ومهرجانا للعرس المغربي لقي إقبالا منقطع النظير من طرف الجمهور النيجيري ووسائل الإعلام هناك.
حين نتحدث إلى الشركاء الأفارقة، ومن ضمنهم النيجيريون، فإننا لا نتحدث معهم أو نتعاون بمباهاة وتفاخر، وإنما نسعى لإفهامهم أن المغرب، كرائد اقتصادي في القارة الإفريقية، يرغب بالخصوص، ووفق منظور صاحب الجلالة، في التنمية المشتركة لبلداننا لكي تكون الريادة لإفريقيا.
المغرب يعتبر، وفق توجيهات جلالة الملك، أن من حق إفريقيا الاعتزاز برصيدها الثقافي وبقيمها الروحية وبإمكانياتها البشرية. الصناعة التقليدية هي القيم والتراث والعبقرية البشرية الضاربة جذورها في التاريخ. تميزت تلك التظاهرة بمشاركة عارضين نيجيريين، وهو ما مكن من نسج علاقات اقتصادية في مجالنا، وهذا نأمل منه تمكيننا من أخذ مكانتنا في السوق النيجيري التي هي السوق الأكبر بإفريقيا. عرفت مراسيم الافتتاح حضور عدد من الشخصيات الرسمية النيجيرية، وجرى تقديم عروض لمجموعات فلكلورية نيجيرية وعرض طقوس الأعراس المغربية والنيجيرية.
كانت تلك أول تظاهرة اقتصادية ثقافية ينظمها المغرب بدولة إفريقية أنجلوساكسونية، خرجنا منها بقناعة أن الصناعة التقليدية سفير فوق العادة للهوية الوطنية وللرأسمال اللامادي المغربي. زد على ذلك أننا حققنا معاملات تجارية قيمة. نيجيريا جد مهمة، خصوصا وأننا مقبلون، وفق الرؤية الاستراتيجية لجلالة الملك، على بناء أنبوب الغاز النيجيري- المغربي. إني أقترح على الغرف الجهوية للصناعة التقليدية التنسيق في ما بيننا، لكي تتوجه كل غرفة إلى مجموعة معينة من البلدان الإفريقية حتى تكون التغطية شاملة لكل إفريقيا. بالنسبة لنا، كغرفة جهة الرباط سلا القنيطرة، توجهنا أيضا إلى نيروبي عاصمة كينيا، حيث نظمنا عرض أزياء للقفطان المغربي أواخر شهر نونبر من سنة 2023 عرف بدوره نجاحا كبيرا وإشادة خاصة من شخصيات رسمية وإعلامية كينية وازنة، ووقعنا، بهذه المناسبة، اتفاقية شراكة بين غرفة الصناعة التقليدية لجهة الرباط سلا القنيطرة وغرفة التجارة الكينية..،
تلاحظون أننا نركز أكثر على شرق إفريقيا. لقد انحزنا لهذا الخيار عن دراسة، لأن هذه الدول ناطقة بالإنجليزية، ولكون ذلك عائقا يمكن لغرفتنا تجاوزه مقارنة بغرف جهوية أخرى، لكوننا نوجد بعاصمة المملكة حيث يمكن أن يستفيد عارضونا بشكل سلس من تكوين باللغة الإنجليزية، فقد تصدينا لهذه المهمة في شرق إفريقيا، وحرصنا على ضمان هذا التكوين في اللغة الإنجليزية، بإمكانيات الغرفة المتواضعة، لكل أعضاء وفودنا من. الصناع
لم نقف عند هذا الحد، بل عملنا أيضا على نقل خبرة صناعنا لإخواننا الصناع التقليديين الأفارقة، من خلال عدة دورات تكفلنا بها نقلا وإطعاما وإيواء، في مجالات السيراميك، والفخار والجلد، والخياطة التقليدية، التسويق الإلكتروني، التربية المالية، خلق المقاولة… إلخ. وشاركنا كذلك في الأسبوع الإفريقي الذي احتضنه مقر اليونسكو بباريس في ماي 2024، وخلدنا يوم إفريقيا بباريس باعتباره تجسيدا لقيم التحرر والسلام والإخاء الإفريقية وذلك على إيقاعات الفلكلور المغربي. مثل الثراء والتنوع الفني للصناعة التقليدية المغربية، وإبداعات المصممين المغاربة قبلة اهتمام البلدان المشاركة في هذه التظاهرة.
لقد أصبح البعد الإفريقي في عملنا علامة مميزة لغرفة الرباط سلا القنيطرة، لم نعد نقتصر على الترويج للهوية المغربية فقط، بل نروج للهوية الإفريقية، وذلك وفق المنظور الذي رسمه لنا جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في مناسبات عديدة بدعوته الصريحة للانفتاح واستثمار الإمكانيات المتاحة وفق رؤية رابح- رابح ومبدأ المكسب للجميع.
أتمنى أن ننجح على غرار تظاهرة القفطان بباريس في التوجه جنوبا أكثر حيث تنغرس جذورنا، إلى إفريقيا، ونؤسس لتظاهرة قفطان دكار، أبوجا، ليبروفيل…. إلخ.
– ما شعوركم وأنتم تحققون هذه الانعطافة الناجحة نحو إفريقيا؟
+ أولا نحن لم من نقم سوى بالاستجابة لتوجيه جلالته، فإذا بالنتائج تتوالى من تلقاء نفسها، وهذا يدل على أن هناك رؤية وبوصلة ملكية سديدة تؤتي ثمارها كلما قمنا، كفاعلين سياسيين ومهنيين، بتنزيلها بحذافيرها وبتفان وإخلاص. تمتلك غرفتنا الآن علاقات مباشرة مع دول إفريقية عدة، من قبيل نيجيريا، كينيا، إثيوبيا، موريتانيا، الغابون، رواندا، بوركينا فاصو والكونغو الديمقراطية. بليبرفيل وقعنا شراكة مع غرفة المهن للغابون بحضور وزير الصناعة التقليدية والسياحة الذي زارنا بمعرض الهدايا بالقنيطرة، وكان لنا لقاء مع وزيرة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، ونظمنا مهرجان القفطان المغربي وكان من بين الحضور كريمة رئيس الجمهورية فيليكس تشيشكيدي. في أديس أبابا نظمنا المهرجان نفسه بتمثيلية الأمم المتحدة بحضور 500 دبلوماسي من مختلف البلدان، ونسخة أخرى بفندق سكاي. نحن أيضا عضو بالمنظمة الإفريقية للنهوض بشؤون الصناعة التقليدية codepa ومن خلال عضويتنا تلك أحبطنا مناورة من أعداء وحدتنا الترابية، لزرع الدويلة الوهمية ضمن هياكلها.
كل ما راكمناه من شراكات وعلاقات نضعه في خدمة قضايا الوطن، وسنحاول أن نمهد للمزيد من الإنجازات في المستقبل القريب جدا.
– اللافت أن لديكم، أيضا، اهتماما بالجانب الثقافي والفكري، ما الغاية من انفتاح الصناع التقليديين على مثل هذه المجالات؟
+ لقد انتهت للأبد صورة ذاك الحرفي أو الصانع التقليدي محدود الثقافة الذي لا ينصب اهتمامه سوى على أعماله ومهاراته اليدوية. ثمة جيل جديد من الصناع التقليديين حاصلون على الإجازة والماستر في حقول معرفية مختلفة. الصانع التقليدي صانع وحارس وفي لحضارة وارفة الظلال، ولذلك ينبغي أن نربطه فكريا بينابيع هذه الحضارة حتى يعي أكثر الرهانات التي يضعها الوطن على عاتقه، لأن هذا يحفزه ويعطيه معنى لحرفته، ويزيد من اعتزازه بها. لذلك دأبنا أن ننظم أياما دراسية فكرية جهوية متعددة.. نظمنا، على سبيل المثال، ندوة فكرية حول دور الغرف المهنية في الدبلوماسية الموازية الاقتصادية، غرفة الصناعة التقليدية لجهة الرباط سلا القنيطرة نموذجا.. شرحنا فيها لفاعلين آخرين تجربتنا في رفع التحدي وفي اقتحام الأسواق الإفريقية رغم قلة الإمكانيات. في تلك الندوة، مثلا، قمنا بتفكيك وتجلية العلاقة الجدلية بين قطاع الصناعة التقليدية وقطاع السياحة، كلاهما ينتعش بانتعاش الآخر وكلاهما يتراجع بتراجع الآخر.
حضرنا أيضا ندوة أخرى حول موضوع دور الجالية المغربية المقيمة بالخارج في نشر الثقافة المغربية عبر صناعتنا التقليدية. مغاربة العالم يتوزعون على 100 دولة، وعددهم يصل إلى 6 ملايين مغربي ومغربية، وكلهم سفراء محتملون لصناعتنا التقليدية.
– تعرض الزليج المغربي لمحاولة سطو من الجارة الشرقية، هل قمتم بالاهتمام بهذا الجانب الذي يهتم بحماية تراثنا المغربي وتحصينه؟
+ بالطبع، نحن مجندون لأجل الحفاظ على معالم حضارتنا وهويتنا. ادعاء أبوة مزورة للزليج المغربي من طرف دولة أخرى هو بمثابة شن حرب واعتداء على الذاكرة والهوية ولا يمكن لنا كمغاربة السكوت عنه. نظمنا تظاهرة حاشدة حول الزليج والقفطان المغربي أطرها مهندسون ومصممون وأكاديميون، وضعنا فيها الأصبع على رمزية الزليج التقليدي والقفطان المغربي. هذا التراث البديع رافق المغاربة منذ القرون السحيقة. هما ليسا حبيسي المتاحف فقط، بل هما تراثان حيان يلازمان المغاربة إلى حدود اليوم. وتوجت تلك الندوة بتوقيع عريضة احتجاجية على محاولة تسجيل الجزائر لهما ضمن تراثها اللامادي، قمنا بتبليغها للسفير الدائم للمغرب لدى اليونيسكو.
ولأن الصناع التقليديين معنيون بشكل كبير بالدولة الاجتماعية التي يرسي دعائمها جلالة الملك، عقدنا أيضا لقاء جهويا حول رهانات الدولة الاجتماعية وتحديات الإنجاز.
– هل من كلمة أخيرة؟
+ أريد أن أؤكد أننا نسير مع مكتب الغرفة من خلال مقاربة مهنية خالصة تشاركية تقوم على الإنصات وتوخي الجودة في التدخلات. لنا دور تمثيلي، لكن دورنا الأساسي تنموي، ولذلك نحن ننطلق من خلال إجراء دراسات لتحسين معرفة القطاع، وتتبع تنفيذ السياسات الحكومية التي يستقبلها القطاع. لنا لوحة قيادة، وبيانات وإحصاءات. نقوم أولا بتثمين ما هو موجود من خلال تثبيت كفاءات ومهارات الصناع، ندعم المقاولات الفردية ونواكبها لرفع إنتاجيتها ونساعد على ترويج المنتوج التقليدي، وسيلتنا في ذلك المعارض الموضوعاتية والوطنية. خذ، مثلا، معرض الرباط، خلال شهر رمضان، الذي صار تقليدا سنويا قارا لأكثر من عشرة أعوام. صار من طقوس رمضان الراسخة بمدينة الرباط، و الآن له إشعاع وطني واضح. فهذا المعرض يعرف إقبالا شديدا من العارضين من كل أرجاء المملكة، يزوره 10000 زائر يوميا، أي ما يعادل مائة ألف زائر خلال عشرة أيام.
أود أن أؤكد أن هذا النجاح، الذي تبصم عليه غرفة الرباط سلا القنيطرة، ما كان ليكون على هذا المستوى الرفيع، لولا تضافر الجهود وانخراط الصناع التقليديين بالجهة، والتأطير والدعم الكبير الذي يقدمه لنا سفراء صاحب الجلالة بكل الدول الإفريقية التي نزورها، وكذلك تعاون وزارة الصناعة التقليدية الوصية على القطاع، ووزارة الثقافة، وبالخصوص حدب وتوجيه السيد والي الجهة الذي لا يبخل بتوجيهاته القيمة لنا.