الروس والأوكران قصص تعايش شعبين بالمغرب
على الرغم من إعلان روسيا إنهاء مناوراتها العسكرية، وسحب جزء من قواتها من شبه جزيرة القرم، التي ضمتها عام 2014، لا يزال قادة العالم يتخوفون من احتمال شن هجوم على أوكرانيا، من شأنه أن يدخل العالم والمنطقة في أزمات قد تزيد من معاناة الشعوب الخارجة للتو من وباء عالمي فتاك.
في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار»، لن نسلط الضوء على تبعات هذا التوتر، ولكن سنكشف عن التعايش بين المغاربة والروس من جهة، والأوكرانيين من جهة أخرى، علما أن أوكرانيا لم تصبح دولة مستقلة إلا في عام 1991، لكن روسيا تعتبرها جزءا من مجال تأثيرها، وتحرص على أن تكون لأوكرانيا «سيادة محدودة»، كما حصل مع وارسو عندما كانت ضمن مجال التأثير السوفياتي.
لم يكن الاتحاد السوفياتي يرتبط بعلاقة متينة مع المغرب، ولم يذكر في شأن من شؤون المغرب، إلا في مؤتمر باريس الذي انعقد سنة 1945 في شأن نظام طنجة، وامتنع ستالين عن أن يشارك فيه، لمشاركة ممثلين عن الجنرال فرانكو، خصمه اللدود، في المؤتمر نفسه. وحين استقل المغرب واسترد سيادته، اعترفت روسيا الجديدة باستقلاله، وتبادل معها تمثيلا دبلوماسيا مبنيا على تبادل المصالح في الميدان الاقتصادي.
لم تنشأ علاقات بين المغرب وروسيا إلا في مستهل القرن الماضي، نظرا للبعد الشاسع بين القطرين، ونظرا لانعدام المصالح بين الدولتين، وأما العلة في خلق هذه العلاقات، فإنها كانت في رغبة فرنسا في تعزيز موقفها في المغرب.
اليوم لا تقتصر العلاقات الروسية المغربية حصريا على الزواج المختلط، بل إن المغرب كان في بداية القرن العشرين، أرض استقبال للعديد من موجات الهجرة الروسية، بل إن الروس شكلوا جالية متضامنة لا تحشر أنفها في السياسة، أغلبهم حلوا بالمغرب للمشاركة في تجهيز البلاد، قبل أن تنفتح قطاعات أخرى على الروس والأوكرانيين، خاصة قطاع الصناعة والتكوين المهني والرياضة.
حسن البصري
+++++++
السباحة إيفيكا.. آخر المدربات المحترمات
ذات مساء من شهر رمضان، اعتنقت الروسية كزانيا إيفيكا الديانة الإسلامية، بمسجد إبراهيم الخليل بالدار البيضاء، على يد الحاج فوزي، إمام المسجد، وقررت مدربة المنتخب المغربي للغوص العبور نحو ضفة «خير أمة أخرجت للناس».
كشفت المدربة لـ«الأخبار» عن سر اعتناق الإسلام، وعزت ذلك إلى صديقة حميمة عاشت معها طويلا، خلال فترة دراستها الجامعية، وتدعى ديانا أصلها من القوقاز، «كانت تعتنق الديانة الإسلامية، ولا تجد فرصة دون التحدث إلي عن الإسلام وتؤكد لي بأنه دين معاملات أيضا، كما كنت أراقب سلوكها وتبين لي أنها مثال في المروءة والإخلاص والخلق القويم، علمت أن الدين الإسلامي هو السكة التي تسير عليها. وفي كل يوم تزداد رغبتي في اكتشاف هذا المنهج الديني، إلى أن زرت المغرب وقررت أن أسير على المنوال نفسه لصديقتي ديانا، وأعتنق الدين الإسلامي بعد اقتناعي به كمنهج حياة».
اختير لها اسم «خديجة» بعد نطقها الشهادتين، وحققت أمنية سكنتها منذ مدة، بعد أن لمست المغزى الحقيقي للإسلام، حين عاشت عن قرب مع المسلمين، سيما في شهر رمضان الكريم، حيث التضامن والتآزر والتدين يغلب على معاملات الجميع.
ولأنها تنتمي إلى عائلة ديبلوماسية، بكل ما تحمله من انفتاح وتغليب للحوار، فقد أشعرت والدها برغبتها في اعتناق الدين الإسلامي، فلم يعارض بل كان همه الأول هو راحتها وطمأنينتها، بل إنه ساعدها على اتخاذ هذه الخطوة الهامة والحاسمة في حياتها، «لقد شرحت لأفراد أسرتي أدق تفاصيل هذا الدين السمح، فباركوا خطواتي. كما أن الجو العام في معسكر المنتخب في جو رمضاني يساعد أكثر على التوغل في الدين الإسلامي، تصور أننا نجتمع بعد صلاة الفجر ونتدارس أصول الدين، كما أن عناصر الفريق الوطني وجدت في القدوة التي يجب اتباعها، كما وجدت فيها الرغبة لغرس الديانة في جوارحي من خلال جلسات حوار غالبا ما تعقب الصلوات الجماعية، التي نقوم بها في المعسكر».
تقرأ القرآن الكريم والأحاديث في الكتب السماوية المترجمة إلى الإنجليزية، ولكنها تعرفت على بعض الكلمات باللغة العربية، لكن رئيس الجامعة الملكية المغربية للغوص وعدها بإحضار قرآن كريم مترجم للغة الروسية، قيل إنه موجود في السعودية.
صامت من أول يوم في رمضان وأدت واجباتها الدينية بشكل منتظم، واختارت يوم الجمعة لاعتناق الديانة الإسلامية، في انتظار محطات أخرى.
النهاية الحزينة لمدرب أوكراني عشق الوداد
يعتبر الأوكراني، سيباستيان كو يوري، من بين المدربين الأجانب الدين نحتوا أسماءهم في تاريخ كرة القدم المغربية، ونادي الوداد الرياضي، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
طلب إدريس بنهيمة، رئيس أولمبيك خريبكة حينها، من رئيس جامعة الاتحاد السوفياتي لكرة القدم أن يقترح عليه اسم مدرب كبير، فكان الاختيار على يوري الذي جاء إلى الفريق ووجد جيلا كبيرا من اللاعبين المتمرسين، أمثال فيدادي وسيبوس وكبير وغفير والغرف، إلى جانب قاعدة واسعة من الشبان، على رأسهم فيدادي الأصغر وحبابي، فنجح في قيادتهم إلى نهاية كأس العرش، وكان قريبا من الفوز بالبطولة الوطنية، لولا قضية الحارس سيبوس.
في غفلة من الجميع، تحول يوري إلى مدرب لا يشق له غبار، تخصص في هزم الكبار، وحمل فريق خريبكة على هودج الأخيار، لكنه لم يصمد أمام عرض مغر من الوداد، فنفض الغبار ورمى الخوذة، ثم ودع المنجم.
حل المدرب الأوكراني بالفريق الأحمر يحمل منجلا، شرع في حصد الألقاب كلما أينعت وحان قطافها، فدخل كتب التاريخ وأصبحت صورته تتصدر صحف الكرة وحيطان المدينة القديمة، حيث قاد الجيل الذهبي للوداد بكل تفان وإخلاص، وساهم في إحراز النادي الأحمر العديد من الألقاب، جعلته من بين أحسن الأندية العربية والإفريقية.
طوال مسيرته بالوداد حقق يوري ثمانية ألقاب، جعلت منه أفضل مدرب أجنبي في القلعة الحمراء: ثلاث بطولات وكأس للعرش، وكأس إفريقيا للأندية الأبطال، والكأس الأفرو آسيوية، وكأس العرب للأندية الأبطال، وكأس السوبر العربي.
ومن الوداد انتقل إلى الغريم الرجاء الرياضي، وجاب فرق المغرب طولا وعرضا، كاتحاد طنجة وشباب المحمدية وشباب المسيرة وأولمبيك آسفي، قبل أن تأخذه رياح الاحتراف إلى خليج العرب وخليج سرت، وكلما توقفت الكرة عن الدوران عاد إلى الدار البيضاء، ليجلس في مقاهي الكورنيش ويمارس هواية مناجاة المحيط.
خاض تجارب حزينة في الفقيه بن صالح ووادي زم والاتحاد البيضاوي، لكنه اختار العودة إلى محيط الوداد وقبل تدريب الفئات الصغرى، لكنه قوبل بالجحود، فقد كان يقطن بغرفة في الملعب ويقتات من باعة الطون، ويجد صعوبة في الولوج إلى الملعب لمتابعة مباريات فريقه المفضل.
تأخرت رواتبه على بساطتها، وتدخلت سفارة أوكرانيا لإنقاذ مدرب كان صرحا فهوى، وفي اليوم الموالي تلقى إشعارا بالإفراغ من الحارس، الذي منحه مهلة لجمع حقيبته والبحث عن ملاذ آخر. كاد أن يبلع لسانه من هول الصدمة، لكنه غادر النادي دون أن تغادره الوداد.
روغوف.. مدرب قاد الرجاء إلى لقب البطولة
ولد إيفغيني روغوف يوم 8 أبريل 1929 بتشيليابنسك الروسية، وهي المدينة التي تعد من المدن الأكثر تلوثا في العالم بسبب تسريبات إشعاعية، لعب لفريق موسكو للقوة العسكرية الجوية لكرة القدم، وكذا لوكوموتيف موسكو، درب لاحقا هذا الأخير، قبل أن يخوض تجارب خارجية في إفريقيا الوسطى والجزائر، ثم المغرب.
حقق مع المنتخب الجزائري نتائج مبهرة، وتمكن رفقة طاقمه معوش وسعدان، المدرب الأسبق للرجاء، من تأهيل الجيران إلى نهائيات مونديال 1982 بإسبانيا، لأول مرة في تاريخ الكرة الجزائرية، لكن تمت إقالته في ظروف غامضة وما زالت لحد الآن تسيل الكثير من الحبر.
أما المرة الثانية فتعود إلى سنة 1987، حين قاد منتخب الجزائر إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 1988 بالمغرب، وقد أنهى الدورة المذكورة في المرتبة الثالثة.
وفي الوقت الذي غادر الروسي روغوف المنتخب الجزائري مطلع عام 1982، متحسرا على طريقة إخراجه من الباب الضيق، ما جعله يخوض تجارب مهنية في روسيا وعدة دول، حيث كان ضمن الطاقم الفني لمنتخب الاتحاد السوفياتي في مونديال مكسيكو 1986. حصل وهو مريض على جائزة «سيد الرياضة» في الاتحاد السوفياتي، وجائزة المدرب المكرم.
أشرف روغوف على منتخب إفريقيا الوسطى لمدة أربع سنوات، ودرب فريق وداد مستغانم الجزائري في مطلع التسعينيات، وترك بصمته في الدوري المغربي مع نادي الرجاء الرياضي، حين تعاقد معه مسؤولو الفريق مباشرة بعد الاندماج مع جمعية الحليب، واضطر بسبب المرض إلى مغادرة الرجاء قبل انتهاء الدوري الوطني، وكان يتصدر جدول ترتيب البطولة المغربية بفارق شاسع من النقاط.
عاد إلى بلاده وقضى ما تبقى من أيامه في المصحة، إلى أن وافته المنية يوم سادس يوليوز 1996 بموسكو، دون أن يخصص له الرجاء دقيقة صمت، وفاء لروحه.
فلاديمير.. شاعر غنى بمسرح محمد الخامس أروع قصائده
ولد الشاعر والمغني والممثل، فلاديمير فيسوتسكي، في 25 يناير عام 1938 بمدينة موسكو. وكان والده سيميون فيسوتسكي عقيدا في الجيش، وشارك في الحرب العالمية الثانية. أما أمه نينا ماكسيموفنا فكانت تعمل مترجمة من اللغة الألمانية إلى الروسية. لهذا أبحر فلاديمير باكرا في الأدب الألماني، وتشبع بالشعر القادم من بلد هتلر، دون أن يغيب عن ذهنه وهو صغير السن طيف دخان الحرب العالمية، التي كان والده أحد أبرز قادتها.
كان فلاديمير عاشقا للموسيقى والشعر والرحلات، فقد زار عددا من دول العالم، وحرص على أداء قصائده، في ساحاتها ومسارحها ومراكزها الثقافية. وفي 20 أبريل عام 1976، زار فيسوتسكي مدينة الدار البيضاء وكان برفقة زوجته مارينا، بعد رحلة طويلة على متن سفينة «بيلوروسيا» السياحية. حط الرحال في ميناء الدار البيضاء، وقضى أياما قليلة في العاصمة الاقتصادية، قبل أن يغني بعض أشعاره في المسرح الوطني محمد الخامس، بمبادرة من المركز الثقافي السوفياتي.
كان الرجل مهووسا بزيارة دول العالم الثالث بالخصوص، حيث تردد على دول البحر الأبيض المتوسط، وزار إيران في أكثر من مناسبة، لهذا حرصت المراكز الثقافية الروسية في عدد من الدول التي زارها فيسوتسكي، على تكريمه.
في أكتوبر من العام الماضي أقيمت مراسم إزاحة الستار عن نصب تذكاري للشاعر والفنان السوفياتي، فلاديمير فيسوتسكي، في المركز الروسي للعلم والثقافة بالمغرب، كشف النقاب عن النصب في مدينة الرباط، بمناسبة حلول الذكرى الـ80 لميلاد الشاعر، وفي إطار المشروع الدولي تحت عنوان «فلاديمير فيسوتسكي ومعاصروه في الزمان والمكان»، وهو المشروع المشترك بين وزارتي الخارجية والثقافة الروسيتين، في إطار مشروع تقدم به يوري كايدا، رئيس جمعية «كأس السلم» الدولية، وذلك بدعم من مارينا فلادي، أرملة الشاعر، ونجله نيكيتا فيسوتسكي.
حضر حفل إحياء ذكرى الشاعر الروسي البارز العديد من الممثلين عن الجالية الروسية في العاصمة الرباط، وعدد من الصحافيين وأعضاء الجمعية المغربية لخريجي معاهد وجامعات الاتحاد السوفياتي السابق، كما حضر الحفل فاليريان شوفايف، السفير الروسي بالرباط.
وأبدع النحات اللاتيني، يانيس ستروبوليس، في إضفاء لمسة جمالية على النصب التذكاري على شكل ميدالية برونزية دائرية، بمشاركة ليودميلا جورافليوفا، عالمة الفلك الروسية، التي اكتشفت في 22 غشت عام 1974، كوكبا صغيرا وأطلقت عليه اسم فيسوتسكي، كما أبدع في صنع 42 ميدالية برونزية مكرسة لفلاديمير فيسوتسكي، علما بأنه توفي عن عمر يناهز 42 سنة.
خلال الحفل وضعت صور للراحل وهو يتجول في شوارع الدار البيضاء، ويتوقف عند أبرز معالمها السياحية والثقافية.
أيام نجل الكاتب تولستوي بمدن المغرب
يعد تولستوي ميخائيل لفوفيتش، نجل ليو تولستوي، وهو من عمالقة الروائيين الروس ومصلح اجتماعي وداعية سلام ومفكر أخلاقي وعضو مؤثر في أسرة تولستوي، وأحد أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر.
ميخائيل واحد من أصغر أبناء الكاتب (الطفل العاشر في الترتيب)، لكنه تلقى المزيد من الاهتمام من والدته صوفيا أندريفنا، كان موهوبا موسيقيا. ولكن على الرغم من حلمه في أن يصبح ملحنا، إلا أنه دخل الخدمة العسكرية في عمر 20 سنة، عام 1899. وبعد ذلك بعام، حصل ميخائيل على رتبة حاكم. شارك في الثورة، وتزوج في وقت مبكر، وتحديدا عام 1901، اختار امرأة متعلمة، وأنجب تسعة أبناء.
عاش أيامه الأخيرة في المغرب، حيث حط الرحال بمدينة طنجة، وحين قرر تولستوي المغادرة إلى المغرب. اختار أن يعيش أبناؤه في هذا البلد الجنوبي، في الدار البيضاء شرع في كتابة مذكراته وهو على فراش الألم.
كان الابن حريصا على تتبع تفاصيل الدين الإسلامي. يقول الكاتب عبد الرزاق دحنون، إن المفاجأة التي أذهلته ودفعته إلى البحث في تفاصيل حياة هذا الأديب الكبير تولستوي، أن مفتي الديار المصرية الأسبق العلامة الشيخ محمد عبده، وعلى الرغم من بعد المسافة الجغرافية بينه وبين تولستوي، استطاع بفطنته واتساع أفقه المعرفي واتصاله المتين بثقافة عصره، إدراك المفاصل الأساسية في فلسفة تولستوي. فقد وصله خبر سعي تولستوي إلى تأليف كتاب عن الدين الإسلامي، حمل عنوان: «حكم النبي محمد»، حيث انتخب تولستوي واحدا وتسعين حديثا نبويا مترجما إلى اللغة الروسية، تتكامل مع رؤيته وفكره الفلسفي.
توفي ميخائيل في المغرب في عام 1944، في ذروة حرب عالمية رهيبة.
كالبرين يرأس بعثة لأول الطيارين المغاربة بالاتحاد السوفياتي
في بداية تكوين الجيش المغربي، ومن أجل استقطاب المغاربة للمؤسسة العسكرية، جاء نداء 14 ماي 1956، الذي أطلقه الملك محمد الخامس، داعيا من خلاله الشباب المغربي إلى الانخراط في صفوف الجيش المغربي، والقوات المسلحة الجوية بالخصوص، والتي كانت تحتاج إلى أطر مكونة.
في فاتح يوليوز 1956، اجتازت فئة واسعة من الشباب الاختبارات التي مكنتهم من ولوج عالم الطيران الحربي، ولأن المغرب لم يكن يتوفر على مدارس للتكوين العسكري، فقد انتقل العساكر الأولون إلى فرنسا، لتعلم دروس الطيران العسكري، كدفعة أولى في مجال الطيران الحربي.
ولأن الطيران العسكري كان في مرحلة النشأة، فقد استدعى الملك محمد الخامس في شهر دجنبر 1960، الكولونيل كالبرين، القائم العسكري للسفارة المغربية بالرباط، بحضور المارشال أمزيان، وكلفه بمرافقة البعثة العسكرية المغربية إلى الاتحاد السوفياتي، حينها كشف الجنرال عن أسماء الوفد المكون من مختلف الفصائل العسكرية، للقوات الجوية، تفحص الملك اللائحة وأبدى موافقته عليها وتضم كلا من: محمد القباج (طيار قناص)، عبد الله با معروف (طيار قناص)، عبد السلام بوزيان (طيار نقل) ومحمد الغوتي (ضابط ميكانيكي)، وطبعا الكولونيل «كالبرين»، القائم العسكري بالسفارة السوفياتية في المغرب، الذي رافق البعثة طيلة شهر كامل في محطات موسكو ولينينغراد وطشقند.
قدم الكولونيل السوفياتي إلى الملك محمد الخامس برنامج الرحلة وتطرقا إلى تفاصيلها، حيث تقرر إخضاع الضباط المغاربة لسلسلة من التكوينات على يد المارشال ماينوفسكي، وزير الدفاع السوفياتي، مضيفا أن المشاركة المغربية في هذه الحلقات ستكون بالمجان.
كانت القوات الجوية الملكية في بداية تكوينها، وعدد الطائرات لا يتعدى 12 طائرة، منها أربع طائرات مهداة من العراق، فضلا عن ضعف التركيبة البشرية على المستوى العددي، وهو ما دفع الاتحاد السوفياتي إلى دعم الأسطول المغربي بمقاتلات «ميغ 1».
بعد انتهاء مدة التكوين المحددة في شهر كامل، عادت البعثة إلى الرباط، حيث استقبلت في نهاية شهر دجنبر من طرف المحجوبي أحرضان، وزير الدفاع، بحضور كالبرين الذي عبر عن رغبة بلاده في دعم الطيران العسكري المغربي، خاصة بعد انسحاب الفرنسيين من القواعد العسكرية، وأشاد بالتقارير الإيجابية للاتحاد السوفياتي، حول سلوك ومستوى الطيارين المغاربة المشاركين في الدورة التكوينية.
مدام شابو.. طبيبة مازاغان الأولى روسية الأصول
في مدينة الجديدة وبالقرب من مستشفى محمد الخامس، يتفرع عن شارع باستور زقاقان، الأول يحمل اسم «أوجيني دولانوي»، والثاني يحمل اسم زوجها «بيار دولانوي».
لكن فئة قليلة من سكان الجديدة هم الذين يعرفون أن «أوجيني دولانوي»، هي تلك الطبيبة التي عرفت في أيام الحماية الفرنسية بلقب «مدام شابو»، ربما لأنها كانت ترتدي دوما قبعة على رأسها.
رأت أوجيني النور في الحدود بين بولونيا وروسيا، وتحديدا في مدينة سوفالكي سنة 1887، وانخرطت باكرا في مجال الكفاح ضد النظام القيصري، في لجنة المدرسة الثانوية المقاومة، التي كانت ترمي إلى تعزيز تعليم أبناء الطبقة المحرومة. وتوجهت إليها الأنظار بسبب نشاطها، وهي الشابة التي لا يتجاوز عمرها 17 سنة، فتتبعت الشرطة السياسية خطواتها، وأجبرتها على الفرار من روسيا نحو باريس، لدراسة الطب. تابعت دراستها بمدينة مونبوليي الفرنسية، وكانت تقوم بالترجمة للحصول على قوتها إلى أن قدمت أطروحتها، حول موضوع حمى التيفوئيد.
حسب الباحث المغربي أحمد ذو الرشاد، فإن «رحلة حافلة بالمشقات قادت أوجيني وزوجها مع ابنيها إلى مدينة «مازاغان» عام 1913، حيث بدأت عملها في المستوصف تعالج النساء والأطفال من الأمراض المتفشية بشكل كبير، كالملاريا والتيفوس و«السالمة». وخلال حرب عام 1914، ظلت هي الطبيب الرئيس، لأن الأطباء الآخرين كانوا يحتاجونهم في الحرب».
كتبت حفيدة «مدام شابو» سيرة هذه الطبيبة التي ارتبطت وجدانيا بالجديدة، وقام الكاتب سعيد بلمبخوت بترجمتها تعميما للفائدة، حيث تروي قصة «ملاك الرحمة» التي اهتمت بصحة الجديديين، وجعلت المركز الصحي الذي كانت تشتغل فيه والذي يسميه الدكاليون «سبيطار مدام شابو»، مقصدا لهم في زمن كان من المستحيل عرض سيدة مغربية على طبيب «نصراني». أما زوجها الطبيب أيضا، فقد قضى أيامه متجولا على عربة تجرها الدواب، بين دواوير ومداشر الناحية، ليفحص الناس ويحقنهم بالأمصال الواقية من الأمراض والأوبئة.
في عام 1945 عادت «مدام شابو» إلى المغرب من جديد، لكنها أصيبت بمرض في القلب ظلت تعاني من تبعاته، إلى أن توفيت في عام 1951، فدفنت في مقبرة بمدينة الجديدة، بناء على وصيتها.
إيزابيل.. صحافية عاشت بين الجزائر والمغرب
يفضل بعض الكتاب الروس أن يطلقوا عليها اسم «بنت خلدون»، لشهرتها العالمية ككاتبة رصدت الجوانب الاجتماعية للمناطق المغاربية، التي حطت فيها الرحال، لكنها تبقى شخصية تاريخية مثيرة، لما أحيط حولها من جدل يحاول أن يثير الشكوك ويغرقها في ضبابية من الألغاز، كما يقول الباحث بلعرج بوداود.
ولدت ماري إبراهاردت، وهذا هو اسمها الحقيقي، يوم 17 فبراير 1877 في مدينة جنيف السويسرية، من أم أرستقراطية روسية تدعى ناتالي، وهي أرملة جنرال، لكنها تزوجت طبيبا مسلما. دخلت ماري أو إيزابيل كما كان يطلق عليها المجال الحقوقي مبكرا، وكانت تساهم في حل مشاكل المهاجرين والثوريين المطرودين، قبل أن تطأ قدماها أرض الجزائر في 4 غشت 1899، في مهمة حقوقية، فاعتنقت الدين الإسلامي الحنيف وغيرت اسمها إلى مريم، ثم أعلنت نفسها مجاهدة ضد الاحتلال الفرنسي.
استقرت في مدينة الوادي، واشتغلت في قطاع الصحافة وأصبحت مراسلة لصحيفة «الأخبار»، وبعدها انتقلت إلى صحيفة «لاديباش ألجريان»، وعرفت بحبرها المعادي للاحتلال الفرنسي. كما لفتت الأنظار حين اشترت حصانا أطلقت عليه اسم «سوف»، وبدأت في رحلاتها الطويلة في المنطقة، فاعتنقت الطريقة القادرية، ثم تزوجت بالرقيب السباحي سليمان.
وفي 29 يناير 1901 تعرضت لحادث أليم من طرف شاب ينتمي إلى الطريقة التيجانية، الذي وجه إليها ضربة سيف أصابتها في الذراع. كان هذا الحادث دافعا للفارسة مريم للانتقال إلى الحدود المغربية الجزائرية، لتستقر في العين الصفراء، ومنها دخلت إلى المغرب واستقرت في مدينة بشار التي كانت تابعة للمملكة العلوية، بدعم من الشيخ بوعمامة الذي كان يقوم بغارات ضد الفرنسيين.
كما أقامت إيزابيل في مدينة فكيك المغربية وترددت طويلا على الزاوية القندوسية، وفي أثناء المقاومة شكلت القاعدة الخلفية لمواجهة الفرنسيين، لكن هذه الصحافية جمعت بين النضال الإعلامي والتصوف، حتى أنها تقمصت شخصية رجل للسفر إلى وجدة التي التقت فيها بمغاربة وجزائريين، وأنجزت تحقيقات صحفية حول دور الزوايا في شحن الهمم ضد المستعمر.
وعند عودة إيزابيل من المغرب إلى العين الصفراء أصيبت بمرض الكوليرا، فقضت في المستشفى مدة 15 يوما، وفي 21 أكتوبر 1904 يوم مغادرتها سرير المرض عادت إلى بيتها وقضت أسبوعا كانت الأمطار غزيرة، فأغرقت الفيضانات المدينة وجعلت لهذه السيدة نهاية مأساوية، حيث جرفت السيول بيتها، وعثر على جثتها بعد يومين من البحث تحت الأنقاض.
في جو جنائزي وبحضور الجنرال ليوطي دفنت إيزابيل بمقبرة المسلمين، وما زال السياح والباحثون يتوافدون على قبرها، ومن بين المخطوطات النادرة التي تركتها قصيدة كتبتها إيزابيل بالخط المغربي، لا يعرف إطارها ومناسبتها، تستهلها ببيت شعري اقتبسته من قصيدة للشاعر العباس بن الأحنف.
رسالة من الحسن الثاني لغورباتشوف رفض السفير تبليغها
نشر الديبلوماسي «فاليري فوروبيوف»، سفير فيدرالية روسيا السابق بالرباط، مقالا مطولا في جريدة «الحياة الدولية» الروسية، تحت عنوان: «المغرب في الماضي.. لكن ليس فقط»، هو عبارة عن قراءة لكتاب «رحلة إلى المغرب مع أنستاس إيفانوفيتش ميكويان» لصاحبه «فلاديمير تشورف»، ترجمة الدكتور عبد اللطيف البحراوي (رئيس جمعية الصداقة المغربية الروسية).
يقول كاتب المقال: «هذا الكتاب يشد اهتمام القارئ من حيث محتواه ومنهجيته الكتابية، التي مزجت بين الأسلوب الأدبي والمعلومات التاريخية، ويعد هذا المولود الجديد من أدق وأجمل الكتابات الروسية عن المملكة المغربية، فهو لا يتحدث عن تاريخ المغرب أو عن العلاقات المغربية السوفياتية، بل يصور لوحة حية للحياة في المغرب والاتحاد السوفياتي في القرن العشرين، مع استغلال بعض الوثائق التاريخية، وهي مزاوجة يراها الدكتور فوروبيوف صعبة، ولكن متحققة».
ويقدم كاتب المقال مؤلف الكتاب، فلاديمير تشورف، بأنه رئيس اللجنة العليا المركزية للانتخابات بروسيا الفيدرالية، ويصفه بأنه كاتب وناشر حيوي متميز، حائز على دبلوم في الفيزياء بجامعة الدولة بلينينغراد، له عدة مؤلفات، منها على سبيل المثال لا الحصر: «سر الجنرالات الأربعة».
اهتمام الكاتب تشورف بالمغرب، أو كما يعرفه الروس بـ«مملكة البرتقال»، يعود إلى شغفه بماضيه وحاضره وبطبيعته الساحرة لدرجة شغلت فكره، حيث اعتبر هذا البلد ينتمي إلى عالم الأساطير الشعبية كقصة «ألف ليلة وليلة»، هذا البلد الواقع في شمال غرب إفريقيا، يجر وراءه عشرات المئات من السنين من التاريخ العربي.
كانت الرحلات إلى المغرب أيام الاتحاد السوفياتي أمرا ليس هينا بالنسبة إلى الإنسان السوفياتي، الشيء الذي دفع بالكاتب فلاديمير تشورف إلى الاهتمام به كدولة عريقة، كما أن زيارة والده إيفغيني بيتروفيتش تشورف إلى المغرب في ستينيات القرن الماضي، ضمن فريق عمل شارك في مشروع بناء ورش بحري بمدينة طنجة، إذ كان مهندس جغرافية المياه ودكتورا في العلوم التكنولوجية، زادت من تعلقه به. كما أن الوالد إيفغيني بتروفيتش تشورف ترك بعد وفاته مخطوطات مهمة في خزانة أسرته، حول رحلته التاريخية إلى المغرب، لم يسبق لأحد أن نشرها من قبل، فكانت خير مراجع للابن.
يذكر الكاتب كلمات السيد ليونيد بريجنيف، الذي كان رئيسا لمجلس السوفيات الأعلى للاتحاد السوفياتي، حين قال عن الملك محمد الخامس، وولي عهده مولاي الحسن، إنهما يعتبران فاعلين مهمين في السياسة الإفريقية والعربية، ومنشغلين كذلك بالسياسة الدولية، إلا أن السياسة الداخلية والخارجية للمملكة المغربية ما زالتا تحت تأثير الدولة الفرنسية، خاصة السياسة الاقتصادية.
للمزيد من الحديث عن الذكاء السياسي عند الملك الحسن الثاني، سواء بالنسبة إلى السياسة الداخلية أو الخارجية، يقول صاحب المقال: «تعود بي ذاكرتي إلى لحظة زمنية، عندما اشتغلت مستشارا بالسفارة الروسية بالرباط سنة 1991، حيث حظيت، مع سفير الاتحاد السوفييتي آنذاك يوري ريباكوف، باستقبال من طرف العاهل المغربي الحسن الثاني، بالقصر الملكي بالرباط، وسمعت شخصيا الخطاب الذي وجهه الملك إلى السفير، قائلا بالحرف: «أطلب منكم تبليغ كلماتي إلى رئيس الاتحاد السوفياتي السيد غورباتشوف، شخصيا لا أحب الشيوعيين، الأمريكان أصدقاؤنا، لكن يجب الحفاظ على الاتحاد السوفياتي عبر كل الوسائل دون استعمال الدبابات. العالم كالإنسان، يجب أن يقف على رجلين، والعلاقات الدولية تستوجب التوازن». ولقد علمت بعد ذلك أن الحوار المسجل لم يصل إلى رئيس الاتحاد السوفياتي».