شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الذهاب إلى الصين

 

مقالات ذات صلة

 

يسرا طارق

 

منذ أن طور جلالة الملك شراكتنا الاستراتيجية مع الصين، فُتحت نوافذ كثيرة في علاقتنا بهذا البلد العظيم، الذي يشبهنا كثيرا ولنا صلات عريقة به. لقد وصل ابن بطوطة إلى الصين، وصار الشاي الصيني مشروبا وطنيا لدينا، كما نسمي الطبق الذي فيه عدة الشاي «الصينية».

ورغم بُعد الصين عنا، ولأننا أمة عريقة مثلها، نحس بأنها قريبة منا، تاريخيا، وثقافيا وحتى وجدانيا، وأن قدرنا معا هو أن نلتقي، ونتعاون ونتبادل. تختلف الصين جذريا عن البلدان الأوروبية وعن الولايات المتحدة الأمريكية، إنها لا تريد أن تستعمر أحدًا، ولا تريد إنشاء قواعد عسكرية، ولا تريد لشركاتها أن تقتل المنافسة من حولها، ولا يدس سفراؤها أنوفهم في الشؤون الداخلية للبلد الذي يتواجدون فيه. ما تريده الصين، دوما، هو أن تبيع وتربح، وتجعلك تبيع وتربح أيضا. ورغم أن «صنع في الصين» صار مرافقا لانعدام الجودة ورخص السعر، إلا أن الصين، بهذه البضائع التي أصبحت في متناول الجميع، أمنت لكل محرومي العالم إمكانية نيل نصيب من منجزات التكنولوجيا الحديثة. والدول السائرة في طريق النمو، كلها، مدينة لها بنقل التكنولوجيا إليها، بدون ابتزاز ولا شروط مجحفة.

بدأت الصين في السنوات الأخيرة تغري العديد من الشباب المغاربة بالذهاب إليها، إما لاستكمال الدراسة، وإما للعمل وإما للسياحة، وسنة بعد سنة صارت الأعداد في ازدياد، وفي الأسبوع المنصرف، ذهبت أختي الصغرى، لبنى، للعمل أستاذة للغة الإنجليزية في إحدى المؤسسات التعليمية.. وبحكم أنني تابعت معها كل تفاصيل الرحلة والاستقرار، وأسمع منها كل يوم تفاصيل انبهارها بذلك العالم العجيب، الذي يمنحك في كل لحظة الإحساس بأنك في كوكب آخر.

لا شيء في الصين يُترك للصدفة، كل شيء دقيق، وكل شيء منظم، وكل شيء في مكانه، وكل ما وعدوها به وجدته كما حددوه بالضبط، بل وأكثر. السكن مبهر، لا صوت من شقة يصل إلى شقة أخرى، والأبواب تفتح ببصمة الوجه فقط. قضت أختي أسبوعا كاملا وهي تحاول تشغيل آلات البيت، وخصوصا مكنسة إلكترونية عجيبة. كل شيء متوفر في الصين، وكل ما تطلبه تجده. الناس منضبطون ومهذبون، ومتواضعون وخدومون. سيارات الأجرة تشتغل بشكل آلي والفضاء العام نظيف جدا. لم تبذل أختي أدنى مجهود للاندماج السريع، في المجتمع المصغر الذي وجدت نفسها فيه، فالصينيون يعرفون كل شيء عنك وتعلموا صيغا تعبيرية باللغة العربية للتواصل معك. لا يحسسك الصيني أبدًا بأنه متفوق عليك، ولا يتعالى عليك لا بلغته، ولا بتطوره ولا بثقافته. إنه على استعداد دائم للإنصات إليك ولتحسيسك بأنه في حاجة إليك..

كنت قد خصصت حلقات في برنامجي «أدليس» بالقناة الأمازيغية، لكتب مرجعية صينية كُتبت منذ زمن سحيق، وكنت أحدث أختي عن هذه الثقافة العظيمة، المبنية على الحكمة والصمت والتواضع، وكل ما قلته لها وجدته مجسدا أمام عينيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى