منذ عام أو أكثر بقليل، تحول الذكاء الاصطناعي إلى أولوية في النقاشات.. لم يكن واضحا ميل الميزان بين الإيجابيات والسلبيات، إلى أن خرجت رسالة موقعة من إيلون ماسك وأكثر من ألف خبير في هذا المجال. فكرة الرسالة بحد ذاتها وعدد الموقعين عليها، كافيان لنشوء تخيلات سلبية بقطاع الذكاء الاصطناعي. مضمون الرسالة لُخٍّصَ بالدعوة إلى وقف تطوير أنظمة التدريب التابعة لنموذج «جي بي تي ـ 4» مدة أشهر، بغية إجراء مراجعة بروتوكولات السلامة المشتركة لمثل هذه التصاميم من خبراء مستقلين.
في الشعار العريض، يُمكن فهم الرسالة بأنها نوع من محاولة لإرساء «اتفاق جنتلمان» بين العاملين في قطاع الذكاء الاصطناعي، لجعل المنافسة على تطويره أمرا شريفا. وفي الشعار التجاري، قد يكون أحد الموقعين من الذين تحولوا إلى الصفوف الخلفية في هذه الصناعة، وغير قادر على اللحاق بالمتصدرين. ولكن الأستاذ الفخري بجامعة نيويورك، غاري ماركوس، في تعليقه على الرسالة التي وقعها، كان له كلام معبر، فعلى الرغم من تأكيده أن الرسالة «ليست مثالية»، إلا أنه لفت إلى أن القطاع يمكن أن «يتسبب بضرر جسيم»، مضيفا: «أصبح اللاعبون الكبار أكثر تكتما بشأن ما يفعلونه، ما يجعل من الصعب على المجتمع مواجهة الأضرار التي قد تحدث».
وقف أنظمة التدريب ستة أشهر. ضرر جسيم. عجز المجتمع عن المواجهة. ثلاث نقاط سلبية في رسالة عن الذكاء الاصطناعي، لن تدفع، بالطبع، إلى وقف عمليات التطوير، بل تسريعها، حتى أن الأوان قد فات بالنسبة لمدى تأثير الرسالة. الممنوع مرغوب، كعادة البشرية منذ فجر التاريخ. أكثر من ذلك، سيضج «العالم السفلي» بالانكباب على العمل بهذا القطاع والاعتناء بتحديثه بشكل صارخ. كل المؤثرات المحيطة بكوكبنا «تُشجعُ» على الربح السريع في هذه الصناعة.
الخشية أن الذكاء الاصطناعي بات خارج إطار السيطرة عليه، فطالما أن هناك طاقة على هذا الكوكب، يعني أن وتيرة العمل بهذا القطاع لن تتوقف، وإن وقع مليون خبير لا ألف. المستقبل سيكون مجهولا، مهما حاول بعضهم تخيله. الذكاء الاصطناعي غير محدود، فيما خيالاتنا البشرية، في مكان ما، محدودة. يمكن التفكير في تأثيرات عدم التناغم بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، خصوصا في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة. سنخرج باحتمالات لا تعد ولا تحصى، لكنها ستؤثر على حياتنا المحسوسة، وليس فقط في سياقات مهنية. لن تبقى الحياة تقليدية كالتي نعرفها، مثل أن يعمل الإنسان في قطاع البرمجة تسع ساعات يوميا، ثم ينال، بعد العمل، قسطا من الراحة بعيدا عن الآلة..
ستمر الرسالة وكأن شيئا لم يكن. ومجتمعاتنا ستظن أن الذكاء الاصطناعي مجرد مجال مهني آخر له ناسه، تماما كما كنا نقول إن «الأوبئة بعيدة» أو «الحروب في القارات الأخرى لا تؤثر علينا». كورونا وحرب أوكرانيا نموذجان عن «قرية كونية» يعيش فيها 8 مليارات نسمة، لا مجموعات بشرية متناثرة في كوكب مسافر برحاب كون لا متناه.
سيأتي يوم، ما لم يسيطر على هذا الذكاء، يكون فيه البشر على الهامش، وستتغير الحياة أكثر بكثير مما نعتقد. وطالما أن الممنوع مرغوب لن نضع حدودا لتخيلنا كيفية تحول البشرية. الآن يبدو كل شيء بعيدا، لكن الغد لم يعد في اليوم التالي، بل نعيشه، ومساؤنا لن يشبه أي مساء آخر مر علينا.
بيار عقيقي