الديون تغرق المؤسسات العمومية والحكومة تتجاهل أجراس الإنذار
خلال الأسابيع الأخيرة، صدرت مجموعة من التقارير السوداء عن مؤسسات دولية ووطنية، تتضمن مؤشرات مقلقة حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، لكن الحكومة تصم آذانها عن سماع أجراس الإنذار وتتجاهل هذه التقارير، ويواصل رئيسها سعد الدين العثماني الحديث بلغة متفائلة، مقابل توجيه اتهامات للمعارضة والمؤسسات الرسمية التي تصدر هذه التقارير، بنشر الخطاب السوداوي وترويج معطيات غير دقيقة. في هذا الملف نستعرض أبرز المؤشرات الصادرة عن مؤسسات دستورية.
كشف المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، عن مؤشرات مقلقة بخصوص وضعية الاقتصاد الوطني، وذلك تزامنا مع شروع هذه الأخيرة في إعداد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2020، من خلال توقعات بتسجيل تراجع في نسبة معدل النمو، مقابل ارتفاع معدل عجز الميزانية ومعدل البطالة، وكذلك ارتفاع حجم المديونية الداخلية والخارجية.
وأكد الحليمي، في مؤتمر صحفي خصص لعرض وضعية الاقتصاد الوطني خلال 2019 وآفاقها سنة 2020، أنه من المتوقع أن يستقر معدل النمو الاقتصادي في المغرب عند 7ر2 في المائة خلال سنة 2019، بدلا من 3 في المائة المسجلة سنة 2018. كما كشف المندوب السامي للتخطيط أن التضخم المعبر عنه بالمستوى العام للأسعار سيسجل انخفاضا ليصل إلى 8ر0 في المائة سنة 2019 عوض 1ر1 سنة 2018.
وبخصوص عجز الميزانية، توقع الحليمي أن يعرف هذا الأخير تدهورا ليصل إلى حوالي 5ر4 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019 عوض 7ر3 في المائة المسجل سنة 2018، ملاحظا أنه، مع الأخذ بعين الاعتبار مداخيل الخوصصة، سيسجل هذا العجز تراجعا ليصل إلى 6ر3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ولاحظ أن الادخار الوطني سيسجل انخفاضا طفيفا لينتقل من 27,6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2018 إلى حوالي 27,3 في المائة سنة 2019، مبرزا أن هذا الادخار يبقى دون مستوى الاستثمار الإجمالي الذي سيتراجع إلى حوالي 32,6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 33,5 في المائة سنة 2018، وبالتالي، ستصل فجوة التمويل بين الاستثمار والادخار الوطني إلى 5,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019.
وأضاف الحليمي أن ميزان المبادلات الخارجية من السلع والخدمات سيفرز تفاقما في عجز الميزان التجاري بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الإجمالي، لينتقل من 18,6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2018 إلى 18,7 في المائة سنة 2019. وحسب الحليمي، فإن الدين الداخلي للخزينة سيعرف ارتفاعا بـ 4 في المائة مقارنة بمستواه المسجل سنة 2018 ليصل إلى 51,6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019، مضيفا أن الدين الخارجي للخزينة سنة 2019 سيسجل زيادة بـ 7,4 في المائة عوض انخفاض بـ 3,4 في المائة سنة 2018، حيث سيمثل 21 في المائة من الدين الإجمالي للخزينة و13,7 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 20,5 في المائة و13,3 في المائة على التوالي خلال السنة الماضية، واستنتج أن معدل الدين الإجمالي للخزينة سيرتفع ليبلغ 65,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 64,9 في المائة سنة 2018، وأفاد بأنه، بناء على حصة الدين الخارجي المضمون من طرف الدولة، والتي ستسقر في حدود 16 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019، سيرتفع الدين العمومي الإجمالي، ليصل معدله إلى حوالي 81,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 73,4 في المائة، و60,2 في المائة كمتوسطات سنوية خلال الفترة 2010-2017 والفترة 2005- 2009 على التوالي.
ومقابل هذه المؤشرات المقلقة، أكد سعد الدين العثماني على التزام الحكومة بمواصلة الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحسين الوضعية الاقتصادية والمالية للمغرب، بالرغم من كل الإكراهات والتحديات المحيطة، لا سيما ما يتعلق بارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وتزايد النزعات الحمائية على مستوى الاقتصاد العالمي.
وحذر رئيس الحكومة نواب الأمة، خلال جوابه عن أسئلتهم في الجلسة الشهرية حول «الوضعية الاقتصادية والمالية»، من الخطاب السوداوي والحديث عن أمور غير دقيقة، مؤكدا على أن الاقتصاد جزء كبير منه مبني على الثقة والجانب النفسي، معترفا بأن هناك مشاكل لكن لا يمكن الحديث عن أزمة وبأن القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا تتراجع، بل هناك مشاكل يجب أن نعالجها ونجد الحلول المناسبة.
وشدد رئيس الحكومة على أن تحسين الوضعية الاقتصادية والمالية يوجد في صميم الاشتغال اليومي للحكومة، حيث عملت منذ تنصيبها على بلورة رؤية للتدبير الاقتصادي والمالي بمشاركة مختلف الفاعلين، وذلك من أجل الاستجابة للانتظارات والمطالب الاجتماعية الملحة والمشروعة، والمتعلقة بتحسين الخدمات والرفع من القدرة الشرائية لشريحة عريضة من المواطنين.
وفي السياق نفسه، أوضح العثماني أن الحكومة واعية بأهمية وضرورة الإسراع في تنزيل الإصلاحات الأساسية المضمنة في البرنامج الحكومي، خاصة في مجالات الحكامة ومناخ الأعمال والتعليم وسوق العمل، والتي من شأنها تحسين ثقة الفاعلين في الاقتصاد الوطني والنهوض بعجلة الاستثمار والتنمية. وأوضح رئيس الحكومة أن قانون المالية برسم سنة 2019 سيكون فرصة لإدراج مجموعة من الإصلاحات والتحفيزات من أجل تنمية الاستثمار، «ذلك أن توطيد ثقة الفاعلين الاقتصاديين يمر عبر تسريع المشاريع الإصلاحية التي تعمل عليها الحكومة، كإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإصلاح ميثاق الاستثمار»، يوضح رئيس الحكومة، وبأن هذا التطور يجب أن يدعمه إطلاق برامج إصلاحية أخرى، كمواصلة تحسين مناخ الأعمال، وإصلاح قانون الشغل وتسهيل حصول الشركات على التمويل ومكافحة الفساد.
الحكومة فشلت في تنزيل خطة التنمية المستدامة
أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا موضوعاتيا، أكد وجود تقصير من طرف الحكومة في تنفيذ خطة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، نظرا لعدم اتخاذها للتدابير اللازمة من أجل تنفيذ هذه الأهداف، كما انتقد غياب إطار مؤسساتي للتنسيق والرصد والتكامل بين المتدخلين.
وأشار التقرير الذي أصدره المجلس حول مدى جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2015-2030، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 شتنبر 2015، إلى أن المغرب ملتزم بشكل واضح بتنفيذ خطة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة وأنه يتوفر على إطار دستوري وتشريعي ملائم لتنفيذ هذه الخطة. وأوضح التقرير أن خطة 2030 تشجع الحكومات على أن تقرر الطرق الكفيلة بدمج غايات محددة في استراتيجياتها وفي برمجة مخططاتها وسياساتها، غير أن دور الحكومة، اقتصر على تنظيم مناظرة وطنية واحدة سنة 2016، دون أن يعقبها اتخاذ إجراءات حقيقية وملموسة لتكييف السياسات والبرامج مع خطة 2030 وإدماج الغايات المستهدفة ذات الأولوية بالنسبة إلى المغرب.
وسجل التقرير أنه منذ انعقاد المناظرة لم يتم اتخاذ أي تدابير على المستوى الوطني تضم جميع الفاعلين، مشيرا إلى أن غياب هذه التدابير لم يسمح بعقد مشاورات بين مختلف الأطراف المعنية حول الأولويات الوطنية، وفق ما هو محدد في إطار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأشار التقرير إلى مصادقة الحكومة على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في شهر يونيو 2017، وكان بإمكانها أن تمثل الإطار المناسب لتحديد أولويات أهداف التنمية المستدامة والتخطيط لتنفيذ خطة 2030، إلا أن التحريات التي قام بها المجلس لدى مجموعة من الفاعلين كشفت العديد من أوجه القصور المتعلقة بعملية اعتماد الاستراتيجية، مما أدى إلى تباطؤ عملية تكييفها وتقاربها لأجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي سنة 2018، تم إحداث لجنة استراتيجية للتنمية المستدامة تحت سلطة رئيس الحكومة تعنى بتنفيذ الاستراتيجية، لكن المرسوم المتعلق بهذه اللجنة لم يشر إلى أهداف التنمية المستدامة وإلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به اللجنة، ما تسبب في خلق ارتباك بين الأطراف المتدخلة.
كما أن تبني الأهداف والتفاعل معها وطنيا من طرف مختلف الفاعلين من أجهزة القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والمواطنين ما زال لم يرق إلى المستوى المطلوب، وقد نتجت هذه الوضعية، في نظره، عن غياب إطار مؤسساتي وطني يروم الرفع من مستوى التنسيق والرصد والتكامل بين مختلف المتدخلين المعنيين بتنفيذ هذه الأهداف من جهة، وعدم تبني استراتيجية تواصلية من أجل التوعية والتعريف بأهداف التنمية المستدامة وتبنيها من طرف مختلف المتدخلين من جهة أخرى. واعتبر التقرير أن التأخير في وضع هذا الإطار أدى إلى ضعف مشاركة المتدخلين المعنيين وضعف مستوى المشاورات، التي تتم معهم من أجل تبني تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى غياب توزيع للأدوار والمسؤوليات، وعدم تبني استراتيجية أو خطة وطنية تحدد الأولويات الوطنية وخطط التنفيذ والآجال المتعلقة بها والمتدخلين ومصادر التمويل.
وعلى مستوى آخر، لاحظ المجلس بطء وتيرة تنفيذ التدابير المتخذة من أجل ملاءمة وتكييف الأهداف والغايات المعتمدة على مستوى الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والاستراتيجيات القطاعية مع أهداف التنمية المستدامة. وأشار التقرير إلى أن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة يواجه مجموعة من الإكراهات، تتعلق أساسا بالانخراط غير الكافي في مضامينها من طرف بعض المتدخلين ووجود تباين بشأن الإطار الملائم لتحديد المشاريع وأجرأتها وطرق ملاءمتها مع أهداف التنمية المستدامة ومسؤولية متابعتها وتنسيق تنفيذها.
وفي هذا الصدد، لاحظ المجلس أن مجموعة من الوزارات تتخذ مبادرات فردية لأجل تبني الأهداف وتنفيذها في إطار استراتيجياتها القطاعية، في غياب إطار استراتيجي لتنسيق تدخل مختلف الشركاء ومنهجية موحدة ومتكاملة تحدد الأولويات الوطنية. ويتضح أن هذا النهج، حسب التقرير، يخالف ما تم اعتماده في إطار خطة 2030 لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والذي يحث على التنسيق المحكم بين مختلف الفاعلين وتوزيع ملائم للمهام، بما يتيح التنفيذ الأمثل واستغلال المؤهلات الوطنية في إطار مشروع متكامل.
«أكابس» تحذر من إفلاس صناديق التقاعد
كشفت معطيات وأرقام وردت في التقرير السنوي لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، عن وجود خطر الإفلاس يهدد أنظمة التقاعد بالمغرب، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعرفها هذه الأنظمة، رغم الإصلاحات التي باشرتها الحكومة السابقة، من خلال الرفع من نسبة الاقتطاعات من أجور الموظفين والزيادة في سن الحصول على التقاعد، وأفادت الهيئة بأن الرصيد التقني للصندوق المغربي للتقاعد- نظام المعاشات المدنية، سيواصل تفاقمه إلى أن يبلغ 36,2 مليار درهم سنة 2046 وأوضحت الهيئة، التي أنجزت دراسات اكتوارية على مدى 50 سنة (2067) بناء على المعطيات المتعلقة بسنة 2017، وبعض الفرضيات المستنتجة من التطورات الديموغرافية والاقتصادية والمالية لأنظمة التقاعد، أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (فرع التعويضات الطويلة الأمد)، سيسجل أول عجز إجمالي في 2027 في حين ستنفذ احتياطاته سنة 2043، وفي ما يتعلق بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (النظام العام)، والذي يعرف عجزا تقنيا منذ عدة سنوات، تتوقع الهيئة أن يسجل أول عجز إجمالي له سنة 2021، وسيتمكن من تغطية هذا العجز بواسطة احتياطاته إلى حدود سنة 2040.
وسبق لرئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، أن كشف عن معطيات خطيرة تتعلق بإفلاس الصندوق المغربي للتقاعد في أفق سنة 2028، رغم الإصلاحات المقترحة من طرف الحكومة. وأكد تقرير للمجلس أن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تشكل سوى مرحلة أولية في إطار إصلاح شمولي لمنظومة التقاعد، كما أن هذه الإصلاحات المدرجة، وإن كانت ضرورية، تبقى غير كافية، لأن الإصلاح المقياسي المقترح لا يشمل مجموع أنظمة التقاعد، بل يقتصر على الشق المدني للصندوق المغربي للتقاعد، ولن يمكن سوى من تقليص العجز الحالي، إذ ستظل المساهمات غير كافية لتغطية الالتزامات وسداد رواتب التقاعد، وسيظل العجز قائما، بل سيأخذ منحا تصاعديا خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى حجم الاختلالات التي يعرفها النظام وكذا طابعها الهيكلي، فإن أثر هذه الإصلاحات لن يجدي إلا في الأمد القريب، وسيظل يعاني من عدم توازنه ما لم يخضع لمسلسل إصلاح عميق.
وتطرق جطو إلى وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، نظرا للمخاطر الكبيرة التي تمثلها مؤشرات العجز في هذا الشأن على توازن المالية العامة، وذلك بالرغم من الإصلاح الذي باشرته الحكومة السابقة، وأكد جطو، أنه على الرغم من دخول الإصلاح حيز التنفيذ في أكتوبر 2016، استمرت احتياطيات نظام المعاشات المدنية في الانخفاض حيث بلغت 79,9 مليار درهم في متم 2017 مقابل 82,6 مليار درهم سنة 2016، مضيفا أن انخفاض الاحتياطيات سيستمر في السنوات القادمة مع توقع نفاذها الكامل في حدود سنة 2027. وخلص إلى أن الإصلاح المعتمد لنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد «يظل غير كاف ولا يمكن أن يشكل سوى مرحلة أولية في إطار إصلاح شمولي يتم التأسيس له عبر الحوار والتوافق بين مختلف الفرقاء من حكومة وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين».
الجواهري حذر من فشل الإصلاحات الاجتماعية
حظي الملف الاجتماعي باهتمام كبير في الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، بمناسبة عبد العرش، داعيا الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين إلى القيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، وكذا رفع اقتراحات بشأن تقييمها. وأثناء استقباله من طرف الملك محمد السادس، لتقديم التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم 2017، حذر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب من تعثر تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية الكبرى التي أقرتها الحكومة، وشدد على أنه بالنظر إلى المجهودات الكبيرة التي تبذلها، فإنه يتبين أن بلادنا ليست فقط بحاجة إلى مواصلة الإصلاحات وتوسيع نطاقها، بل أيضا وبصفة خاصة لإنجاح تنفيذها وإتمامها في الآجال المحددة. وقدم نموذجا لذلك إصلاح منظومة التربية والتكوين، حيث لم يتم بعد تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2030 رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على اعتمادها، وكذا المخطط الوطني للتشغيل الذي يبقى بحاجة إلى تدابير ملموسة لبلوغ أهدافه الطموحة.
ويرى الجواهري أن إصلاح المقاصة يحتاج اليوم إلى استكماله وتعميمه في إطار سياسة شمولية تنبني على اعتماد الأسعار الحقيقية بالموازاة مع دعم الأسر الأكثر احتياجا، مشددا على أن وضع نظام لاستهداف الساكنة أصبح أمرا ملحا، خاصة وأن العديد من البرامج الاجتماعية تعاني من إكراهات مالية تهدد استمراريتها. وكذلك الحال بالنسبة إلى إصلاح أنظمة التقاعد، مشيرا إلى أن وتيرة نضوب موارد الصندوق المغربي للتقاعد تؤكد الحاجة إلى إتمام المسار الذي بدأ سنة 2016 بشكل يضمن استدامة هذه الأنظمة. وأبرز والي بنك المغرب أن المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، حقق مكتسبات هامة من حيث تعزيز استقراره ووضعه الإقليمي وجاذبيته، ولايزال يحظى بثقة المؤسسات الدولية وبالتقييم الإيجابي لوكالات التصنيف، ومن أجل الحفاظ على هذه المكتسبات، أكد أنه ينبغي على السلطات إعادة النظر في حكامة السياسات العمومية، لإعطائها قدرا أكبر من الانسجام والنجاعة والمردودية، وخلص إلى أن المغرب اليوم بحاجة إلى إقلاع حقيقي وتعبئة شاملة لجميع قواه الحية بغية إرساء مناخ يتيح تحقيق نمو اقتصادي أسرع وخلق فرص شغل أكثر، بشكل يجعله قادرا على ضمان ظروف معيشية أحسن لمواطنيه ومنح الأمل بمستقبل أفضل لشبابه.
عزيمان يدق ناقوس خطر فشل إصلاح التعليم
تحدث رئيس المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والبحث العلمي، عمر عزيمان، عن وجود قوى مجتمعية تقاوم إصلاح التعليم، وقال، خلال انعقاد الدورة الـ17 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، يوم الأربعاء الماضي، إن المجلس ساهم، على نطاق واسع، في ترسيخ الفكرة الأساسية المتمثلة في حتمية الإصلاح العميق للمنظومة التربوية، كما أراده الملك، وكما حمله المجلس، وكما اعتمدته الحكومة سنة 2015، وكما تجاوبت معه القوى السياسية في سياق الحملة الانتخابية لسنة 2016، معتبرا أن الإصلاح أضحى حاسما من الناحية السياسية، والسوسيو اقتصادية، والثقافية، والأخلاقية والدينية، إلى جانب كونه يحظى بمباركة ودعم العموم، مما لا يتيح مجالا لأي تردد، ولا يقبل أي تأخير، رغم أنه يصطدم، هنا وهناك، برياح معاكسة، وبمقاومات مناقضة، تارة معلنة وتارة أخرى مستترة.
وتراكمت مشاكل التعليم بشكل مهول خلال الولاية الحكومية السابقة والحالية، بتسجيل ارتفاع نسبة الهدر المدرسي بشكل مهول، إذ انتقلت نسبة الانقطاع عن الدراسة في التعليم الإعدادي والثانوي من 10,4 إلى 12,2 في المائة. ودق عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ناقوس الخطر بخصوص وضعية التعليم بالمغرب، محذرا من مغبة إرجاء إصلاح التعليم تحت أي ذريعة كانت، وفي مقدمتها محدودية الإمكانيات المادية، وأكد على أهمية الإسراع في إصلاح المنظومة التربوية قبل تفاقم الأزمة.
وتأتي صرخة عزيمان في ظل تجاهل الحكومة لقطاع التعليم، والدليل على ذلك أن المجلس الأعلى وضع خطة استراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية لم تلق أي تجاوب أو نقاش من طرف الحكومة السابقة ولا الحكومة الحالية، كما أن التوصيات الواردة في الخطة لم تجد طريقها إلى البرنامج الحكومي.
وبالرغم من العناية الملكية الخاصة بورش إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، باعتباره ثاني أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية للمملكة، مازال مشروع إصلاح التعليم يراوح مكانه، بعد تعثر مصادقة البرلمان على مشروع القانون المتعلق بالتربية والتكوين، وإخراجه إلى الوجود، بسبب المزايدات السياسية بين الأحزاب المشكلة للأغلبية والمعارضة حول تدريس اللغات الأجنبية، وذلك على حساب مصلحة الملايين من أبناء المغاربة الذين يراهنون على إخراج القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، لإنقاذ التعليم من أزمته. والمتتبع للجدل العقيم حول هذا القانون، والذي تم اختزاله في اللغات الأجنبية، يخرج بخلاصة مفادها أن الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عن هموم المواطنين ومصلحة الوطن، خاصة أن التعليم يشكل قضية وطنية ثانية بعد قضية الوحدة الترابية. كما أن مبادرة وضع القانون الإطار جاءت تنفيذا لتوجيهات الملك محمد السادس، في خطاب العرش لسنة 2015، الداعية إلى صياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون- إطار يحدد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم على المدى البعيد. كما يعد هذا القانون من أبرز المحطات التي اقترحتها الرؤية لإضفاء المشروعية القانونية، والانسجام المؤسساتي، والمصداقية السياسية على الإصلاح التربوي المنشود في أفق سنة 2030، كون هذا القانون يشكل ضمانة أساسية لتحصين الإصلاح من أي تراجع أو تعثر أو تردد، والآن، بعد مرور ثلاث سنوات، تم هدر زمن ثمين في سجال عقيم.
ويستند القانون إلى توصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي أقرها الملك محمد السادس، والداعية إلى تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانون – إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع، ويلتزم الجميع بتفعيل مقتضياته، وذلك اعتبارا لأهمية ومكانة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في تحقيق المشروع المجتمعي لبلادنا، ونظرا للأدوار المنوطة بها في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة، وضمان الحق في التربية للجميع، بما يجعلها في صدارة الأولويات الوطنية، واعتبارا لالتقاء إرادات مختلف مكونات الأمة، دولة ومجتمعا، من أجل تمكين المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي من ترصيد مكتسباتها وتجاوز اختلالاتها الحالية وضمان إصلاحها الشامل كي تضطلع بأدوارها على النحو الأمثل، ونظرا لكون التنصيص على مبادئ وتوجيهات وأهداف إصلاح المنظومة في قانون- إطار، من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل لمستلزماته، ويؤمن استمراريته، باعتباره مرجعية تشريعية ملزمة في اتخاذ النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لبلورة الأهداف والتوجيهات والمبادئ.
الديون تغرق المؤسسات العمومية
أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا صادما عن وضعية المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب. ودق إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس، ناقوس الخطر، محذرا من شبح الإفلاس الذي يواجه هذه المؤسسات الاستراتيجية، كما أوصى بإعادة النظر في نظام الرواتب والأجور المتعلقة بمسيري المؤسسات والمقاولات العمومية.
وكشف التقرير عن أرقام صادمة حول ارتفاع المديونية في المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب، وأشار إلى أن حجم المديونية في القطاع العمومي في تزايد مستمر منذ سنة 2000، حيث سجل قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا مستمرا لمديونيته، وصل ما مجموعه 245,8 مليار درهم سنة 2015، وهو ما يشكل 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وأكد التقرير أن حجم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، سجل ارتفاعا بنسبة 321 في المائة بالمقارنة مع سنة 2004، مشيرا إلى أن هذه النسبة تشكل «مصدر هشاشة للقطاع بكامله». وذكر تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن إجمالي المديونية في المؤسسات العمومية تطور من 221 مليار درهم سنة 2008، إلى أزيد من 245 مليار درهم السنة الماضية.
وفي ما يخص بنية مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، أشار التقرير إلى أن الدين الخارجي أخذ في الارتفاع منذ سنة 2008، ومع نهاية سنة 2015، بلغ ما مجموعه 160 مليار درهم، وهو ما يشكل 65 في المائة من مجموع دين المؤسسات والمقاولات العمومية، ويبلغ مجموع الدين المضمون من قبل الدولة 105 مليارات درهم.
وحذر التقرير من الارتفاع المضطرد لمديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك منذ سنة 2011، والتي تزامنت مع السنة الأولى لتنصيب الحكومة السابقة بقيادة حزب العدالة والتنمية. واعتبر التقرير أن هذا الارتفاع يشكل أحد المخاطر التي تهدد المالية العمومية، وذلك لالتزام ميزانية الدولة بتحمل أقساط الديون المضمونة، في حال عدم قدرة بعض الهيئات على سداد ما بذمتها. وجاء على رأس المؤسسات العمومية الأكثر مديونية لسنة 2015، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (56.825 مليون درهم)، متبوعا مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (54.738 مليون درهم)، ثم الشركة الوطنية للطرق السيارة (39.930 مليون درهم)، مجموعة صندوق الايداع والتدبير
(24.757 مليون درهم)، المكتب الوطني للسكك الحديدية (23.995 مليون درهم)، الوكالة الخاصة طنجة المتوسط (10.733 ملايين درهم)، الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (9.382 ملايين درهم)، صندوق تمويل الطرق (6.695 ملايين درهم)، وفي المرتبة الأخيرة الخطوط الملكية المغربية (5.452 ملايين درهم).
وسجل التقرير مجموعة من المخاطر التي تحدق ببعض المؤسسات العمومية الاستراتيجية، بالنظر إلى طبيعة نشاطها أو ظروفها الذاتية، ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للسكك الحديدية والشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب والخطوط الملكية المغربية ومجموعة العمران. وفي ما يخص المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، أشار التقرير إلى أن هذه المؤسسة تعرف منذ عدة سنوات اختلالات مالية بنيوية، فمع نهاية سنة 2015 سجل المكتب عجزا في نتيجته الصافية بمبلغ 2.344 مليون درهم، في حين بلغت مديونيته من أجل التمويل 56.825 مليون درهم، وناهزت تحملاته المالية 2.775 مليون درهم، وسجلت خزينته رصيدا سلبيا بلغ 4.895 ملايين درهم.
وأشار التقرير إلى أنه في ماي 2014، تم إبرام عقد برنامج بين المكتب والدولة، يهدف إلى التسوية التدريجية لوضعيته المالية قصد تمكينه من إنجاز برنامجه الاستثماري. كما نص هذا العقد البرنامج على تدابير تكميلية أخرى من بينها مراجعة التعريفات ورفع الدعم على الفيول والتحكم في النفقات وتحسين آليات الحكامة، وبالرغم من المجهودات المبذولة من قبل مسيرة هذه المؤسسة ما زالت وضعيتها المالي تتميز بالهشاشة من خلال المديونية المرتفعة وتسجيل ناتج صاف سالب بصفة بنيوية، وتسجيل وضعية سالبة على مستوى الخزينة قد تصل إلى مبالغ جد مرتفعة.
وفي ما يخص المكتب الوطني للسكك الحديدية، أكد التقرير أن الوضعية المالية لهذه المؤسسة العمومية تعاني من مظاهر الهشاشة، فقد سجل خلال الفترة ما بين 2010 و2015 عجز مالي مجموعه 252 مليون درهم، ومع متم 2015 ناهزت مديونية المكتب المذكور 24 مليار درهم، كما عرفت خزينته رصيدا سلبيا بلغ 2.5 مليار درهم. وفي ما يخص الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، تعرف هذه المقاولة بدورها وضعية مالية تطبعها اختلالات بنيوية، بسبب طبيعة التركيبة المالية للمشاريع التي تنجزها وكذا بسبب استغلال مقاطع من الطريق السيار ذات مردودية ضعيفة، وبالتالي تسجل الشركة نتائج يشوبها عجز بنيوي دائم، ومع نهاية سنة 2015، بلغت الديون المتراكمة على هذه المقاولة العمومية حوالي 40 مليار درهم، كان ناتجها الصافي سالبا بمبلغ 2,2 مليار درهم.
وفي ما يخص الخطوط الملكية المغربية، أفاد التقرير بأن هذه المقاولة العمومية تشتغل في مناخ محفوف بالمخاطر، نظرا للتأثر البالغ لمجال النقل الجوي بقطاع السياحة خصوصا، وبتطور الظرفية الدولية عموما، فمنذ بضع سنوات، تجتاز الشركة وضعية مالية هشة، إلا أنها ما فتئت تسجل بعض التحسن عقب التوقيع على عقد برنامج مع الدولة سنة 2012، ففي سنة 2015 بلغ دخلها الصافي 203,3 ملايين درهم، غير أن مديونيتها ما زالت تتراكم لتصل إلى 5.452 ملايين درهم مقابل رأسمال يبلغ 2.394 مليون درهم. وفي ما يخص مجموعة العمران، تعرف هذه المقاولة العمومية تركيبة مالية تتميز بمستوى جد مرتفع لمخزون المنتوجات، حيث وصلت عند نهاية 2015 إلى حوالي 15 مليار درهم، مما يشكل خطرا على الاستدامة الاقتصادية والمالية للمجموعة.
تقرير جطو فضح اختلالات مالية خطيرة
أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي، الذي سلمه الرئيس الأول للمجلس إلى الملك محمد السادس، يفضح جملة من الاختلالات التي تعرفها العديد من القطاعات الحكومية والجماعات المحلية، بالإضافة إلى خلاصة مراقبة تنفيذ قانون المالية.
وتضمن التقرير حصيلة أعمال المحاكم المالية، فقد أنجز المجلس الأعلى للحسابات 32 مهمة رقابية في ميادين مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج العمومية ومراقبة استخدام الأموال العمومية، كما أصدرت غرف المجلس 588 قرارا قضائيا في ما يخص مادة التدقيق والبت في الحسابات و60 قرارا في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية. هذا في الوقت الذي أحال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات أربعة (4) قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل.
ودق تقرير جطو، ناقوس الخطر بخصوص ارتفاع حجم المديونية الخارجية، وأكد أن المالية العمومية لازالت تعاني من بعض الإكراهات وعلى رأسها ارتفاع مستوى الدين العمومي، والذي يجدر أن يتم التعامل معه كأحد المخاطر الذي قد يؤثر سلبا على سلامة الوضعية المالية للدولة، حيث وصل الدين العمومي للخزينة عند نهاية سنة 2017، إلى مبلغ 692 مليار درهم، بنسبة 64,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مسجلا بذلك مبلغا إضافيا قدره 35 مليار درهم مقارنة مع سنة 2016، والتي سجلت بدورها ارتفاعا لمستوى هذا الدين مقارنة مع سنة 2015 بما يعادل 28 مليار درهم، هذا إضافة، إلى المستوى المرتفع لدين الضريبة على القيمة المضافة المستحق لصالح بعض المؤسسات العمومية والذي بلغ 32,2 مليار درهم سنة 2017 ، بعدما لم يكن يتجاوز مستوى 15,8 مليار درهم سنة 2012 ، ناهيك عن الدين المستحق لصالح القطاع الخاص برسم نفس الضريبة والذي باشرت الدولة تصفيته ابتداء من شهر يناير 2018 على مدى 5 سنوات بمبلغ إجمالي حدد في 10 مليارات درهم.
ووقف المجلس، علاوة على ذلك، على بعض العوامل التي قد تمثل مخاطر على استدامة المالية العمومية، منها المستوى المرتفع للدين العمومي ووتيرته التصاعدية، وكذا إشكالية متأخرات الدولة إزاء بعض المؤسسات العمومية ومقاولات القطاع الخاص، والتي تهم أساسا الإرجاعات برسم الضريبة على القيمة المضافة. وأشار أيضا إلى أن إشكالية ديمومة أنظمة التقاعد لا تزال مطروحة، مسجلا بهذا الخصوص أنه على الرغم من الاصلاح الذي عرفه نظام المعاشات المدنية خلال سنة 2016 فإن عجزه المالي واصل تفاقمه، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى حجم الاختلالات التي يعرفها النظام وكذا طابعها الهيكلي، فإن أثر هذه الإصلاحات لن يجدي إلا في الأمد القريب، وسيظل يعاني من عدم توازنه ما لم يخضع لمسلسل إصلاح عميق.
العثماني: لا أبيع الوهم للمغاربة
رد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، بطريقة عنيفة على مداخلات الفرق البرلمانية المخصصة لمناقشة الحصيلة المرحلية لحكومته، وعاد إلى مهاجمة المعارضة، واتهمها بترويج المغالطات، وإشاعة خطاب اليأس والإحباط وعدم الثقة، كما دافع عن «ضحكته الصفراء» أثناء تقديم حصيلته في جلسة مشتركة عقدها سابقا مجلسا النواب والمستشارين، جدد التزامه بخطاب الصراحة والوضوح مع المغاربة دون بيع الوهم لهم أو تغليطهم.
وأكد العثماني في جوابه على مداخلات أعضاء مجلس المستشارين الخاصة بمناقشة عرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، أنه يلتزم بـ«خطاب الصراحة والوضوح مع المؤسسة التشريعية ومن خلالها مع الرأي العام»، مبرزا وجود «مجالات حققنا فيها أكثر مما التزمنا به في البرنامج الحكومي، ومجالات أخرى لم يرق ما حققناه فيها إلى مستوى طموحنا، وهناك انتظارات مشروعة للمواطنات والمواطنين نلتزم بالعمل على تلبيتها».
وردا على بعض الانتقادات للحصيلة المرحلية، تأسف رئيس الحكومة لغياب الموضوعية في بعضها، ولبعض الاتهامات الكبيرة نظير الحديث عن «منطق الغنيمة والوزيعة» في التعيين بالمناصب العليا والصفقات وما إلى ذلك، و«أنا أقولها صراحة أمام المغاربة، بدل إطلاق اتهامات هكذا على عواهنها، المطلوب تقديم معطيات مدققة وحقيقية. وألتزم أمامكم وأمام الرأي العام، بصفتي رئيسا للإدارة، بالقيام بكافة التحريات اللازمة في أي شكاية محددة، وإتباعها بما يلزم من المحاسبة والتدابير والإجراءات القانونية، دون محاباة أي جهة، وكذا لإصلاح ما ينبغي إصلاحه وتجويد تدبير منظومة التعيينات في المناصب العليا والصفقات العمومية».
وفي غياب تقديم أي دليل، يضيف رئيس الحكومة، «تبقى اتهاماتكم مجرد مزاعم وادعاءات عارية من الصحة، ولن نسمح لها بأن تغلط الرأي العام وتتسبب في إشاعة اليأس والإحباط وعدم الثقة». كما اعتبر رئيس الحكومة أن الخطاب السياسي المأزوم، والاتهام حد التشكيك في الوطنية، هو «من يسهم في إشاعة مزاج سيئ، وليس الحكومة أو عملها، ولابد من مراجعة هذا الخطاب للرقي بالسياسة وخدمة مصلحة البلاد، وهذا يتطلب إرادة قوية وجهدا كبيرا».
لذلك دعا رئيس الحكومة الجميع، حكومة وبرلمانا، إلى الارتقاء بالخطاب السياسي وتحري الموضوعية والإنصاف والتزام ضوابط وأدب الاختلاف والنقد والتقويم، «لأننا نقف جميعا بمسؤولية أمام المواطنين الذين يتابعون ما نقوم به وما نقوله، ولا يستقيم أن نكون سببا في عزوفهم والمساهمة في المس بثقتهم في المؤسسات وتبخيس العمل السياسي من خلال التسفيه الممنهج، والإمعان في تبخيس ما تحقق بدون بينة ولا دليل». مقابل ذلك، شدد رئيس الحكومة على أن ما يستحقه المغاربة ويتطلعون إليه هو الارتقاء بالنقاش العمومي وتحقيق المصلحة العامة، «إن الأمر يتعلق بالمصلحة العامة وبمصلحة المواطنين والوطن، وما يهمنا هو تحقيقها، وبناء على هذا المعيار فقط ينبغي أن يقيم أداء الحكومة وإنجازها».
إلى ذلك، أشار رئيس الحكومة إلى مقاربة الحكومة في بلورة وثيقة متكاملة للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، تعرض الواقع الفعلي لتقدم تنفيذ التزامات البرنامج الحكومي خلال سنتين من العمل الحكومي، وفق خيط ناظم تؤطره رؤية الحكومة في مختلف المجالات، إنها «مقاربة محكمة، لذا أجدد الشكر والتنويه لكافة مسؤولي وأطر القطاعات الحكومية الذين عملوا بجدية في سبيل إنجاح هذه المنهجية».
نظام «راميد» مهدد بالإفلاس
من بين الإنجازات التي تقول الحكومة إنها حققتها في ولايتها الحالية، تعميم نظام المساعدة الطبية «راميد» ليشمل حوالي 9 ملايين مستفيد، وتخفيض أسعار الأدوية، لكن الواقع يكشف عكس ذلك، بوجود معطيات حول فشل نظام «راميد» و«خدعة» قرار تخفيض سعر الأدوية، في ظل القرارات الحكومية بتفويت المصحات إلى المستثمرين، وأصبحت صحة المغاربة، بذلك، مجرد ورقة انتخابية تتم المتاجرة بها من طرف الأحزاب السياسية والحكومات المتعاقبة.
وتحولت صحة المغاربة، في نظر العديد من المتتبعين، إلى مجرد ورقة تستعملها الأحزاب السياسية في حملاتها الانتخابية. فرغم الإجراءات الحكومية المعلن عنها، من قبيل تعميم نظام المساعدة الطبية ليشمل حوالي 12 مليون مستفيد، حسب آخر الإحصائيات، هناك، بالمقابل، مؤشرات صادرة عن مؤسسات دستورية وطنية وعن مؤسسات دولية، تؤكد تدهور مؤشرات قطاع الصحة بالمغرب، وآخرها التقرير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، والذي سجل تراجع مؤشر الثقة لدى المغاربة بالقطاع الصحي.
وتكشف معطيات متطابقة، أن نظام المساعدة الطبية «راميد» أصبح مهددا بالإفلاس بسبب الاختلالات المالية التي يعرفها، بالموازاة مع ارتفاع عدد المستفيدين من النظام. وأرجعت مصادر من الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، سبب هذه الاختلالات إلى تراكم الديون المترتبة على الحكومة والتي تقدر بحوالي 10 ملايير درهم على مدى السنوات الأربع الأخيرة، نتيجة غياب التمويل. وبذلك أصبحت المستشفيات عاجزة عن تلبية الحاجيات الأساسية لحاملي بطاقة «راميد»، وهو ما أكده وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، أثناء مثوله أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، عندما تحدث عن وجود مشاكل مادية يعاني منها النظام، حيث تخصص الحكومة لوزارة الصحة فقط 5 في المائة من الميزانية، ما يؤدي إلى خلل في المنظومة الصحية بكاملها.
وكشفت المصادر عدم التزام الحكومة بصرف مبلغ 300 مليار سنتيم الذي وعدت به لتمويل نظام المساعدة الطبية «راميد»، ما يجعل هذا النظام مهددا بالإفلاس، وعدم تلبية المستشفيات لحاجيات الحاصلين على بطاقة التطبيب المجاني.
وتحدثت مصادر عن تعثر نظام «راميد» الذي تواجهه عدة مشاكل، من بينها مشكل التمويل، كما أن الحكومة تعهدت بتمويل النظام بـ 300 مليار سنتيم، لكنها لم تلتزم بذلك. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن أغلبية الحاصلين على بطاقة التطبيب «راميد» لا يستفيدون من الخدمات الطبية، في ظل غياب الأجهزة الضرورية بالمستشفيات وتعطل الأجهزة المتوفرة. كما أن الحكومة لم تلتزم بتجهيز المستشفيات، وأكدت، من خلال وثائق الميزانية الواردة ضمن قوانين المالية التي وضعتها هذه الحكومة، أن ميزانية المستشفيات لم تتطور، ما تسبب في تراجع ثقة المغاربة في القطاع الصحي، حسب المندوبية السامية للتخطيط، وإحساس المواطنين بالإحباط والتذمر في ظل غياب الخدمات الطبية.
وسبق لبرلمانيين أن دقوا ناقوس الخطر بخصوص مشاكل التمويل التي أصبحت تهدد نظام المساعدة الطبية «راميد»، ما يجعله مهددا بالإفلاس بسبب عدم التزام الحكومة بصرف الميزانية المخصصة لتمويل النظام، بالإضافة إلى المشاكل والإكراهات القانونية التي يطرحها صرف المساهمات المالية للمتدخلين.