شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن الوحدة الترابية

اختراق لآخر معاقل «الانفصال» ببرلمانات إفريقيا وأمريكا اللاتينية

تبقى قضية الصحراء المغربية على رأس أولويات الدبلوماسية البرلمانية، التي تتجند للدفاع عنها في كل الظروف داخل المحافل الدولية، وتحشد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي للنزاع المفتعل بالمنطقة. وأمام التطورات التي يعرفها ملف الصحراء، بعدما تمكن المغرب من كسب المعركة دبلوماسيا بمختلف المحافل الدولية، وجعل مدينتي الداخلة والعيون قطبين دبلوماسيين، من خلال افتتاح قنصليات دول إفريقية وعربية، يواصل المغرب نهج سياسة الوضوح والحزم في ما يخص القضية الوطنية الأولى بالتأكيد على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي نهائي، إلا بتكريس سيادته على كافة مجاله الترابي، وفي هذا الصدد دعا الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية إلى تقوية الدبلوماسية البرلمانية، من أجل كسب المزيد من الاعتراف بسيادة المغرب على كافة أقاليمه الصحراوية، ودعا كذلك إلى المزيد من التعبئة واليقظة لمواصلة تعزيز موقف المملكة بخصوص قضية الصحراء المغربية، مؤكدا على ضرورة مواصلة التعريف بعدالة القضية الوطنية والتصدي لمناورات الخصوم.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية يرفضون الانفصال

 

تم، يوم الخميس الماضي بالرباط، انتخاب المغرب في شخص سلمى بنعزيز، رئيسة لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، بالإجماع، رئيسة لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية، وجرى انتخاب بنعزيز في هذا المنصب في ختام أشغال المنتدى الثاني لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية، الذي انعقد بمجلس النواب تحت شعار «نحو وضع أسس دائمة للاستقرار والأمن في إفريقيا».

كما تم خلال الجلسة الختامية للمنتدى انتخاب نواب الرئيسة الأربعة عن مناطق (غرب إفريقيا، شرقها، وسطها، وجنوبها)، وكذا المصادقة على مشروع القانون الأساسي للمنتدى الذي يهدف إلى تعزيز التعاون البرلماني الإفريقي، والمساهمة في ترسيخ السلم والأمن في إفريقيا، وتفعيل دور البرلمانات في القضايا الدولية والإقليمية، وتعزيز الدبلوماسية البرلمانية كأداة للتعاون الدولي، وتشجيع التكامل الاقتصادي والتعاون التنموي بين الدول الإفريقية.

وأكدت بنعزيز أن انتخاب المغرب رئيسا لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية «جاء لكون المملكة أخذت زمام المبادرة لتأسيس هذا المنتدى، ولأن مختلف المشاركين يشيدون بالدور الرائد  للملك محمد السادس في كل القضايا المتعلقة بإفريقيا، كما يثمنون سهر الملك على نمو وازدهار القارة وأن يعيش سكانها في سلم وأمان، وأن تنعم بالتنمية المندمجة، وبالتالي فاختيار المغرب لرئاسة المنتدى تأكيد على هذا الدور الأساسي».

وأبرزت بنعزيز أن أشغال المنتدى الثاني لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية ناقشت القضايا المتعلقة بالاستقرار والأمن في القارة الإفريقية، وإحداث منتدى يشكل أرضية للعمل المشترك والبناء وتبادل الخبرات على مستوى القارة السمراء.

ويندرج تنظيم المنتدى الثاني لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية في إطار التعاون وتنسيق جهود البرلمانات الإفريقية، من أجل رفع التحديات التي تواجهها القارة الإفريقية، كما يجسد حرص المملكة المغربية تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس على تعزيز التعاون والتضامن على صعيد القارة الإفريقية.

وأكد المشاركون في المنتدى، رفضهم القاطع وإدانتهم «لكل مظاهر الانفصال ومدبريه ومنفذيه»، محذرين «من أي استسهال أو تماه مع هذه الظاهرة»، وجاء في البيان الختامي للمنتدى «وإذ نستشعر الحاجة إلى وعي إفريقي جديد بمخاطر الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية على وحدة الدول الترابية وسيادتها، وإذ نذكر بأن وحدة الدول الترابية وسلامة أراضيها تشكلان حجر الزاوية في العلاقات الدولية والقانون الدولي والنظام الدولي العادل، نؤكد رفضنا القاطع وإدانتنا لكل مظاهر الانفصال ومدبريه ومنفذيه، ونحذر من أي استسهال أو تماه مع هذه الظاهرة».

وشدد البيان على الأدوار الحاسمة للبرلمانات الوطنية في رفع التحديات والمساهمة في تيسير ربح رهانات البلدان الإفريقية وتطلعات شعوبها إلى السلم والأمن والتنمية والتقدم، مبرزا الحاجة الملحة إلى إحداث انعطافة حاسمة في العلاقات الإفريقية- الإفريقية، والتوجه إلى أشكال تعاون أوثق، ومبادلات اقتصادية أكثر كثافة، وإلى إنجاز مشاريع قارية وجهوية قطرية، وعابرة للحدود، مهيكلة، بما يشكل روافد لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية ولباقي التكتلات والمشاريع الإقليمية الناجحة، ويحفز الصعود الإفريقي، وطموحات شعوبنا في تحقيق الازدهار المشترك.

كما أشاد المشاركون في المنتدى بمبادرة انعقاد هذا الاجتماع «الذي يدشن لمرحلة جديدة من التنسيق والعمل المشترك والتشاور البناء والمنتج بين المؤسسات التشريعية الإفريقية، معبرين عن عزمهم على توثيق العلاقات بين لجان الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية، وتنسيق جهودها ومواقفها بشأن القضايا التي تدخل في اختصاصاتها، مع الحرص على احترام سيادة كل دولة، والقرار السيادي لكل برلمان وطني».

وأكدوا في هذا السياق أهمية توحيد الجهود وتنسيق المواقف في المنتديات البرلمانية متعددة الأطراف، الإقليمية والقارية والدولية، في سياق الترافع من أجل قضايا القارة الإفريقية، «خاصة من أجل العدالة المناخية لبلداننا، ومن أجل تصحيح التمثلات بشأن الهجرة في بلدان الاستقبال، ومن أجل درء المخاطر والتهديدات المحدقة ببلداننا، وخاصة منها الإرهاب، والنزاعات المسلحة، والجرائم المنظمة».

وبعدما أعرب المشاركون في المنتدى عن انشغالهم الكبير بالنزاعات التي تعرفها القارة والمآسي الإنسانية المترتبة عليها، فضلا عن كلفتها الاقتصادية والجيوسياسية، ومتابعتهم بقلق كبير ما تعاني منه بعض بلدان القارة جراء الإرهاب الأعمى والتطرف البغيض العنيف، أكدوا تضامنهم مع الدول التي تعاني من هذه الظاهرة، وإدانتهم بشدة كل أشكال الإرهاب والعنف، وضرورة التمسك بالتسوية السلمية للنزاعات والوقاية منها.

وأعربوا أيضا عن قناعتهم التامة وثقتهم في إمكانيات القارة، من حيث الموارد البشرية، سيما الشابة منها، والموارد الطبيعية المعدنية الاستراتيجية التي تغتني بها الأرض الإفريقية، والأراضي الزراعية الخصبة، والموارد البحرية الهائلة، مؤكدين تصميمهم على الإسهام في جعل هذه الإمكانيات والخبرات التي تتوفر عليها بلدان القارة رافعات للتكامل الاقتصادي الإفريقي وضمان الأمن الغذائي، ولقيام إفريقيا مزدهرة ومتقدمة، يتحقق فيها هدف «إفريقيا قارة المستقبل»، والطموح المشروع المتمثل في تحويل الإمكانيات إلى ثروات، وأدوات للاقتدار الاقتصادي والاستراتيجي، على أساس تثمين التعاون والشراكة جنوب-جنوب، وجعل قيمة «إفريقيا تثق في إفريقيا» واقعا ملموسا ينعكس على أحوال شعوبها.

وفي سياق ذي صلة، استحضر رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية التحديات العديدة التي تواجهها القارة الإفريقية، معتبرين أن استثمار التكامل الاقتصادي بين بلدانها، «أداة حاسمة لتحقيق الاستقرار والسلم، وتمكين المواطنات والمواطنين من الخدمات الاجتماعية ومن الشغل الضامن للكرامة، والمحفز على الانتماء إلى المجموعة الوطنية».

وأكدوا الالتزام بالرفع من مستوى التعاون وتبادل الخبرات في مجال العمل البرلماني، «بما يقوي قدرات مؤسساتنا وثقة الشعوب فيها، ويعزز البناء المؤسساتي والديمقراطي والمشاركة والاستقرار، وبما يطور تشريعاتنا، ويجعلها متجاوبة مع متطلبات التنمية القطرية والقارية والتكامل الإفريقي المنشود، مع احترام سياقات كل بلد وتقاليده المؤسساتية».

وفي هذا الصدد، أعلن المشاركون عن إحداث منتدى «رؤساء ورئيسات لجان الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية»، باعتباره إطارا مفتوحا لجميع البرلمانات الإفريقية في الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وذلك «من أجل مأسسة تعاوننا وتنسيق جهودنا ومواقفنا والتواصل بين مؤسساتنا».

وتقدم رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية، في البيان الختامي للمنتدى، بالشكر للمملكة المغربية على استضافة هذا الاجتماع، «الذي يندرج في إطار المبادرات الإفريقية الأصيلة، والهادفة إلى الرفع من وتيرة العمل الإفريقي المشترك».

البرلمان المغربي «شريك من أجل الديمقراطية» لبرلمان مجلس أوروبا

 

 

تميزت المشاركة المغربية في أشغال الجزء الأول من الدورة العادية برسم سنة 2025 للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بقرار مكتب الجمعية بمنح حقوق إضافية للشعبة البرلمانية المغربية ابتداء من يناير 2025، وذلك في إطار تنفيذ القرار رقم 2492 (2023) المتعلق بتقييم الشراكة من أجل الديمقراطية.

وتشمل هذه الحقوق، بالخصوص، حق حضور اجتماعات اللجنة الدائمة، وحق عرض مقترحات توصيات وقرارات، وحق تقديم تعديلات موقعة بشكل مشترك من قبل عضو في الجمعية، وحق طلب فتح نقاشات حول مواضيع آنية وافتتاحها، وحق تقديم بيانات مكتوبة، بالإضافة إلى حق تعيين المغرب مقررا لبعض التقارير الإعلامية.

وتمثل هذه التطورات ثمرة لأربع عشرة سنة من التعاون البناء بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، مما مكن المغرب من أن يصبح أول بلد يُعتبر نموذجا قادرا على الارتقاء إلى مستوى شريك متقدم.

ويفتح وضع «شريك من أجل الديمقراطية»، للمغرب آفاقا جديدة لتعزيز الحوار بين البرلمانيين المغاربة ونظرائهم الأوروبيين في إطار تبادل التجارب والممارسات الفضلى، كما يجسد الاعتراف بالدور الاستراتيجي للمملكة في المنطقة الأورو-متوسطية-الإفريقية، خاصة في مجالات الاستقرار والتنمية المستدامة والتعاون الإقليمي.

وفي دورتها المنعقدة ما بين 24 و28 يونيو 2013 بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، صوتت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بإجماع أعضائها الذي يمثلون 47 بلدا أوروبيا على منح المغرب صفة «الشريك من أجل الديمقراطية» بصفة دائمة،

ويعود تاريخ طلب البرلمان المغربي لهذه الصفة التي أقرتها الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا إلى بداية سنة 2010، حيث سبق لمحمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين الأسبق، وهو يترأس وفدا برلمانيا مغربيا حضر إحدى دورات المجلس، أن عبر عن رغبة البرلمان المغربي في الحصول على صفة «الشريك من أجل الديمقراطية»، وستترجم هذه الرغبة بتقديم طلب رسمي في فبراير 2010، وقعه محمد الشيخ بيد الله عن مجلس المستشارين ومصطفى المنصوري عن مجلس النواب.

وفي غضون شهر مارس 2011، سيقوم لوكا فولنتي، مقرر اللجنة السياسية بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بدعوة من محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين الأسبق، بزيارة إلى البرلمان المغربي لإنجاز تقرير أولي حول وضع «الشريك من أجل الديمقراطية»، وهو التقرير الذي سيتم التصويت عليه من طرف أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في شهر يونيو 2011، ليتم بذلك منح المغرب هذه الصفة بشكل مؤقت، وهو البلد الوحيد خارج الفضاء الأوروبي الذي ينال هذه الصفة، وعكس هذا التصويت قناعة هذه المؤسسة الأوروبية الهامة بأن «البرلمان المغربي يستجيب للمعايير الرسمية المنصوص عليها في نظامها الداخلي».

واشترطت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا على البرلمان المغربي تنفيذ جملة من الالتزامات التي سيتم بناء عليها وعلى تقييمها منح صفة «الشريك من أجل الديمقراطية» بشكل نهائي، وهذه الالتزامات هي العمل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، والعمل على تكريس دولة القانون والديمقراطية، والعمل على تكريس المساواة بين الجنسين، والعمل على ضمان التعدد الثقافي واللغوي.

وفي شهر أبريل 2012 سيحل لوكا فولونتي بالمغرب لإعداد تقرير حول صفة «الشريك من أجل الديمقراطية» الممنوحة للمغرب، و في 6 يونيو 2013 ستجتمع اللجنة السياسية التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بباريس، وستصوت بإجماع أعضائها على تقرير لوكا فولونتي، وبتاريخ 24 يونيو 2013 ستصوت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بالإجماع على منح المغرب صفة «الشريك من أجل الديمقراطية» بشكل دائم، وحضر هذا التصويت كلا من عبد الواحد الراضي عن مجلس النواب ومحمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين الأسبق، وشاركا في النقاش وأجابا عن أسئلة بعض البرلمانيين.

وتخول هذه الصفة الدائمة للبرلمان المغربي الحضور الدائم في أشغال اللجان والجمعية العامة بمجلس أوروبا، وأخذ الكلمة، وإمكانية أن يشغل مهمة مقرر، وإعداد مشاريع مقررات، وتقديم تعديلات، ووضع تصاريح مكتوبة، والاستفادة من خدمات وخبرات مركز الدراسات والأبحاث والتوثيق البرلماني التابع لمجلس أوروبا.

وفي سنة 2019 صادقت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في جلستها الصيفية المنعقدة في ستراسبورغ بالإجماع على التقرير التقييمي لوضع الشريك من أجل الديمقراطية، الذي يحظى به البرلمان المغربي منذ عام 2011 لدى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والذي اعتبر هذه الشراكة «إيجابية».

وفي قرار تمت المصادقة عليه خلال اجتماع لجنتها الدائمة بباريس، وضعت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا «تقييما إيجابيا» لنتائج تنفيذ شراكتها مع البرلمان المغربي، مشددة على التقدم الكبير الذي أحرزته المملكة في دعم وتعزيز دولة الحق القانون، خاصة من خلال اعتماد جل القوانين التنظيمية الأساسية التي نص عليها دستور 2011، وإصلاح النظام القضائي الذي نص على استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل.

تقوية الدبلوماسية البرلمانية.. دعوة ملكية لترسيخ موقع المغرب في الساحة الدولية

 

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، ومع تصاعد الأدوار غير التقليدية للهيئات التمثيلية في تعزيز العلاقات الخارجية، تأتي دعوة الملك محمد السادس إلى تقوية الدبلوماسية البرلمانية، كاستراتيجية حيوية لتعزيز مكانة المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذه الدعوة تعكس وعيا ملكيا عميقا بأهمية المؤسسات البرلمانية في الدفاع عن المصالح الوطنية والترويج لصورة المملكة، بعيدا عن القنوات الدبلوماسية التقليدية التي تضطلع بها وزارة الخارجية.

تُعد الدبلوماسية البرلمانية إحدى أبرز الأدوات الحديثة في العلاقات الدولية، حيث يُسهم البرلمانيون، عبر مشاركتهم في المنتديات الدولية، والاتحادات البرلمانية، واللقاءات الثنائية، في تعزيز الحوار بين الدول والتأثير في القرارات والسياسات الخارجية. ومن خلال هذه الأدوار، يُمكن للبرلمانيين أن يشكلوا جسورا للتواصل، سواء من خلال الترافع عن القضايا الوطنية أو بناء شراكات تخدم المصالح المشتركة.

وقد أثبتت هذه الآلية فعاليتها في العديد من الدول، حيث باتت البرلمانات تلعب دورا بارزا في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، خاصة تلك المتعلقة بالسيادة، والوحدة الترابية، والشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون جنوب- جنوب.

تأتي دعوة الملك محمد السادس إلى تعزيز الدبلوماسية البرلمانية في سياق دينامية دبلوماسية يقودها المغرب بحنكة على مختلف المستويات، خاصة في ظل القضايا التي تفرض نفسها على الساحة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، وتعزيز الشراكات مع القوى الإقليمية والدولية، واستقطاب الاستثمارات، إضافة إلى تقوية الحضور المغربي في المؤسسات القارية والدولية.

وقد أكد الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة على ضرورة اضطلاع البرلمانيين بدورهم الكامل في الدفاع عن المصالح العليا للمملكة، سواء داخل القبة البرلمانية، أو خلال مشاركاتهم الخارجية. إذ يُنتظر منهم أن يكونوا فاعلين في الدبلوماسية الاقتصادية، ومؤثرين في صناعة القرار الدولي من خلال علاقاتهم مع نظرائهم في الدول الصديقة والشريكة.

تشكل قضية الصحراء المغربية أحد المحاور الرئيسية للدبلوماسية المغربية، حيث يُراهن على البرلمانيين المغاربة لتعزيز الترافع حول عدالة الموقف المغربي في المحافل الدولية، والتصدي للأطروحات المغرضة التي تسعى إلى تشويه الحقائق. ومن خلال المشاركة في اللجان البرلمانية المشتركة، واللقاءات الثنائية، والملتقيات الدولية، يمكن للبرلمانيين المغاربة تسليط الضوء على الجوانب القانونية والسياسية والتنموية لهذا الملف، وإبراز التقدم الذي أحرزته المملكة في تنمية الأقاليم الجنوبية.

إلى جانب البعد السياسي، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تكون أداة قوية في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين المغرب وشركائه. فمن خلال لقاءات مع نظرائهم الأجانب، يستطيع البرلمانيون الترويج للفرص الاستثمارية التي يتيحها المغرب، والدفاع عن المصالح الاقتصادية للبلاد، سيما في ظل التوجهات الجديدة التي تضع التعاون الاقتصادي في صلب العلاقات الدولية.

وقد نجح المغرب، خلال السنوات الأخيرة، في بناء شراكات استراتيجية مع العديد من الدول، خاصة في إفريقيا، حيث أصبح نموذجا يحتذى به في التنمية والاستثمار. ومن هنا، فإن البرلمانيين المغاربة مدعوون إلى تعزيز هذا التوجه، والعمل على تقوية الشراكات الاقتصادية بما يعود بالنفع على المغرب وشركائهم، رغم الأهمية المتزايدة للدبلوماسية البرلمانية، إلا أن هناك عدة تحديات تعترض طريقها، من بينها الحاجة إلى تكوين وتأهيل البرلمانيين في مجالات العلاقات الدولية، وتمكينهم من أدوات الترافع الفعالة، وتعزيز التنسيق بينهم وبين المؤسسات الدبلوماسية الرسمية لضمان تكامل الأدوار. كما يتطلب الأمر نهج دبلوماسية استباقية، بدلا من الاكتفاء بردود الفعل، والعمل وفق استراتيجية واضحة ترتكز على المصالح الوطنية الكبرى.

مجلس المستشارين يخترق قلاع «البوليساريو» بأمريكا اللاتينية

 

 

أعلن منتدى رؤساء ورئيسات المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى والكراييب والمكسيك، «فوبريل»، عن الارتقاء بالبرلمان المغربي من صفة «عضو ملاحظ دائم» لدى هذه الهيئة البرلمانية الإقليمية، والتي حصل عليها سنة 2014، إلى صفة «شريك متقدم».

جاء ذلك خلال افتتاح أشغال الاجتماع الاستثنائي الـ30 لمنتدى «فوبريل» الذي استضافه البرلمان المغربي على مدى يومين تحت شعار «مواجهة التحديات المشتركة.. الأمن والتغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية»، حيث صوت أعضاء الفوبريل بالإجماع على الارتقاء بالبرلمان المغربي من صفة «عضو ملاحظ دائم» إلى صفة «شريك متقدم».

وتم، بهذه المناسبة، تسليم شهادة تقديرية لكل من رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، ورئيس مجلس المستشارين، محمد ولد الرشيد، اعترافا بالدور المحوري الذي تضطلع به المملكة في تعزيز التعاون جنوب- جنوب، سيما بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وأكد الأمين العام التنفيذي لمنتدى «فوبريل»، أرييل ألبارادو أوربينا، في كلمة بالمناسبة، أن منح المغرب هذه الصفة يأتي تتويجا لجهود البرلمان المغربي في تعزيز التعاون مع بلدان أمريكا الوسطى والكراييب والمكسيك، «والذي مكن من إحراز تقدم في العديد من مشاريعنا المشتركة، التي لا تنصب على التحديات التي نواجهها فحسب، بل تهدف أيضا إلى بناء رؤية مشتركة لمستقبل بلداننا».

وأضاف أوربينا أن الارتقاء بالبرلمان المغربي إلى صفة «شريك متقدم» سيضمن «حضورا دائما لممثلي المملكة في هيئتنا وفي منظمتنا»، مشددا على التزام المنتدى بتوفير بيئة مواتية لتنمية مشتركة، مرنة ومتوازنة، من خلال الدبلوماسية البرلمانية. ونوه الأمين العام التنفيذي لمنتدى «فوبريل» بجهود الملك محمد السادس ودوره القيادي «الذي يشكل مفتاح تقدم المغرب وازدهاره»، مثنيا على احتضان المغرب للاجتماع الاستثنائي الثلاثين للمنتدى «الذي يعكس التزام المملكة بتعزيز العلاقات البرلمانية الدولية».

وأبرز المتحدث أن التحديات المشتركة، سيما في مجالات مثل الحكامة المناخية والأمن والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، لا يمكن التصدي لها بمعزل عن بعضها البعض، بل من خلال التعاون المتبادل والعمل المشترك، معتبرا أن هذا الاجتماع الاستثنائي «يشكل خطوة حاسمة للمضي قدما في هذا الاتجاه، وتعزيز التعاون البرلماني الدولي باعتباره آلية لمجابهة هذه التحديات» .

من جهته، أكد المستشار البرلماني أحمد لخريف، ممثل مجلس المستشارين لدى برلمان أمريكا الوسطى (البرلاسين) أن منح البرلمان المغربي صفة شريك متقدم لدى منتدى رؤساء ورئيسات المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى والكراييب والمكسيك خطوة «تثمن المجهودات الجبارة التي تقوم بها المملكة المغربية لتقوية العلاقات مع دول هذا التكتل البرلماني، كما ستسمح، يضيف لخريف، للمغرب بتسجيل حضور مكثف وقوي في جميع الدول المنتمية لهذا المنتدى، وكذا تعزيز حضوره في منتديات جهوية أخرى في أمريكا اللاتينية على غرار برلمان أمريكا الوسطى (البرلاسين) وتكتلي (البرلادينو) الذي يضم خمس دول و(البرلاسور) الذي يضم أربع دول. وسجل لخريف أن المغرب أصبح اليوم عضوا ملاحظا أو شريكا متقدما في جميع المنتديات البرلمانية على مستوى قارة أمريكا اللاتينية والكاريبي وكذلك على مستوى البرلمانات الجهوية.

وأعرب منتدى رؤساء ورئيسات المجالس التشريعية بأمريكا الوسطى والكراييب والمكسيك، (فوبريل)، عن ترحيبه بالمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل الإفريقي إلى المحيط الأطلسي، وتعهد منتدى (الفوبريل)، في قرار تمت المصادقة عليه بالإجماع في ختام أشغال الاجتماع الاستثنائي الثلاثين للمنتدى الذي استضافه البرلمان المغربي، بتثمين هذه المبادرة الملكية على المستوى الدولي «لتدارك النقص في البنى التحتية الهامة والاستثمارات في الساحل الأطلسي الإفريقي»، مبرزا أنها تهدف إلى خلق إطار مؤسسي قوي، يجمع 23 دولة في القارة الإفريقية مطلة على المحيط الأطلسي «مما سيجعل الواجهة الأطلسية للمغرب منصة لتعزيز الربط اللوجستي بين البلدان على المستويين البحري والجوي».

وأكد أعضاء المنتدى أن الروابط التي ستتيح هذه المبادرة نسجها من شأنها تيسير تبادل السلع وتدفقات الاستثمار في الجنوب وتقريب سلاسل الانتاج المولدة للثروات، من مصادر المواد الخام سيما في الفضاء الجيواقتصادي العربي – الأمريكي حيث تتركز موارد العالم والمواد الخام. وأشادوا بالمبادرة التي تقدم بها رئيس مجلس المستشارين، محمد ولد الرشيد، والرامية إلى إحداث منتدى للحوار البرلماني بين المغرب وأمريكا الوسطى والكراييب والمكسيك، تعقد دوراته بالتناوب بين الجانبين، داعين إلى تنفيذها باعتبارها «أرضية لمأسسة العلاقات البرلمانية بين المملكة المغربية ومنتدى فوبريل، وإرساء آليات التواصل والتنسيق بين الطرفين».

وأكد المتدخلون، أيضا، على أهمية تعزيز روابط منتدى «فوبريل» مع المجتمع العالمي مع الاعتراف بدوره الاستراتيجي وتأثيره على تعزيز وتحديث ومواءمة الأطر التنظيمية نظرا لأهميتها في الدبلوماسية البرلمانية والحوار السياسي.

واقترح محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، إنشاء منتدى برلماني يسمى «منتدى الحوار البرلماني: (المغرب – أمريكا الوسطى والكراييب)»، سيتم عقد نسخة منه بالمملكة المغربية، ثم نسخة ببلد عضو ببرلمان «الفوبريل»، مشيرا إلى أن الدورة التي ستنعقد بمنطقة أمريكا الوسطى والكراييب والمكسيك ستسمح للبرلمانيين المغاربة بالمزيد من التعرف على تاريخ وقيم وحضارة، وحاضر ومؤهلات هذه البلدان، وفرصة، كذلك، لتتعرف شعوب المنطقة على عراقة تاريخ المملكة المغربية وما حققته في المسار التنموي. وطرح ولد الرشيد هذه الفكرة وطلب التدقيق في ميكانيزمات اشتغالها وآليات وآجال عقدها.

وأكد ولد الرشيد أن المكانة التي تحتلها الأقاليم الجنوبية كمركز ريادي للتنمية والازدهار ووجهة جذابة للاستثمار والمستثمرين وللمشاريع الكبرى لا تجعلها، فقط، نقطة التقاء لربط المغرب بعمقه الإفريقي وجسرا حضاريا بين إفريقيا وأوروبا، بل أيضا منارة تربط حاضر المغرب بمستقبله المشرق، مضيفا أنه باعتباره واحدا من أبناء هذه الربوع الغالية، المزداد بمدينة العيون حاضرة الصحراء المغربية ومن موقعه كرئيس لمجلس المستشارين، وكنائب أول لعمدة مدينة العيون، ومستشار بمجلس جهة العيون الساقية الحمراء إضافة إلى باقي المنتخبين الصحراويين بالبرلمان ومختلف المجالس الترابية، هم الممثلون الشرعيون والحقيقيون لساكنة الصحراء، وقال إنهم يتملكهم الفخر والاعتزاز بالنهضة التنموية منقطعة النظير التي تشهدها الأقاليم الجنوبية مؤكدين على أن مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، والذي يحظى بالإشادة الأممية وبالدعم الدولي الصريح، يبقى الحل الوحيد المقبول لإنهاء هذا النزاع المفتعل.

يذكر أن منتدى الفوبريل تأسس سنة 1994 بهدف دعم آليات تطبيق وتنسيق التشريعات بين الدول الأعضاء، وكذا إحداث آليات استشارية بين رؤساء المؤسسات التشريعية لمعالجة مختلف المشاكل التي تواجهها المنطقة، إلى جانب دعم الدراسات التشريعية على المستوى الجهوي.

ويضم المنتدى الفوبريل رؤساء المجالس التشريعية للدول الأعضاء التسع وهي: غواتيمالا، بيليز، السلفادور، الهندوراس، كوستاريكا، بنما، جمهورية الدومينيكان، المكسيك وبورتوريكو، إلى جانب أعضاء ملاحظين هم: برلمان أمريكا اللاتينية (برلاتينو)، وبرلمان أمريكا الوسطى (برلاسين)، ومجلس النواب الشيلي فضلا عن برلمان المملكة المغربية.

 

مجلس النواب.. دبلوماسية برلمانية بتحديات كبيرة

 

يؤدي مجلس النواب دورًا محوريًا في تعزيز الدبلوماسية البرلمانية، التي أصبحت مكونًا أساسيًا في السياسة الخارجية للمملكة. فإلى جانب الدور التقليدي للبرلمان في التشريع ومراقبة العمل الحكومي، يضطلع النواب بمهام دبلوماسية مكملة للعمل الرسمي، تساهم في الدفاع عن المصالح الوطنية وتعزيز مكانة المغرب على المستوى الدولي. ويكتسي هذا الدور أهمية متزايدة، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة والرهانات الإقليمية والدولية التي تتطلب حضورًا فاعلًا ومؤثرًا داخل مختلف الهيئات البرلمانية.

في هذا السياق، يشكل الدفاع عن قضية الصحراء المغربية أحد المحاور الأساسية للدبلوماسية البرلمانية المغربية. فمجلس النواب يعمل على تعزيز التواصل مع برلمانات الدول الصديقة والمؤسسات التشريعية الدولية لشرح الموقف المغربي، وتفنيد المغالطات التي تروج لها الجهات المعادية للوحدة الترابية. واستطاع البرلمان المغربي، من خلال مجموعات الصداقة البرلمانية واللجان المشتركة، تحقيق اختراقات دبلوماسية مهمة، تمثلت في دعم متزايد لمقترح الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي وعملي للنزاع الإقليمي المفتعل. وتكللت هذه الجهود بحصد تأييد عدد من البرلمانات الدولية لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما تجسد في قرارات داعمة داخل الاتحاد الأوروبي والبرلمان الإفريقي، وأيضًا من خلال الاعترافات الرسمية التي أبدتها بعض الدول بسيادة المغرب على الصحراء، وهو ما يعكس نجاح الدبلوماسية البرلمانية في الترافع عن القضايا الوطنية.

إلى جانب قضية الوحدة الترابية، يحرص مجلس النواب على تطوير العلاقات الثنائية مع برلمانات الدول الشقيقة والصديقة، حيث يتم تنظيم زيارات رسمية متبادلة بين الوفود البرلمانية المغربية ونظرائها في الخارج، بهدف تبادل الخبرات والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وتساهم هذه الزيارات في توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين المغرب وشركائه، كما تعزز التعاون في مجالات مثل الأمن، مكافحة الإرهاب، الهجرة وحماية البيئة. ناهيك عن أن البرلمان المغربي يشارك بانتظام في المؤتمرات والمنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية، حيث يعمل على الدفاع عن المصالح الوطنية واقتراح حلول لمختلف القضايا التي تهم القارة الإفريقية والمنطقة العربية والمتوسطية.

ومن بين الآليات التي يعتمدها مجلس النواب في الدبلوماسية البرلمانية، هناك مجموعات الصداقة البرلمانية، التي تُشكل جسورًا دائمة للتواصل مع برلمانات الدول الأخرى، وتمكن من بناء تحالفات سياسية تخدم المصالح العليا للمغرب. فضلا عن أن مشاركة النواب المغاربة في اللجان البرلمانية داخل المنظمات الدولية، مثل الاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد الإفريقي، تعزز من حضور المغرب في هذه الفضاءات، وتُمكن من إيصال صوته داخل دوائر صنع القرار العالمية. ومن شأن هذا الحضور الفاعل أن يساهم في دعم القضايا المغربية والتأثير على المواقف الدولية تجاهها، خاصة عندما يتعلق الأمر بملفات كبرى مثل الصحراء المغربية، العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والشراكات مع الدول الإفريقية.

ورغم الجهود التي يبذلها البرلمان المغربي في هذا المجال، إلا أن الدبلوماسية البرلمانية لا تزال تواجه بعض التحديات التي تتطلب المزيد من العمل والتنسيق. فغياب التكوين المتخصص لبعض البرلمانيين في مجالات العلاقات الدولية والترافع الدبلوماسي يشكل عائقًا أمام تعزيز الأداء الدبلوماسي البرلماني، مما يستدعي تنظيم دورات تكوينية لفائدة النواب لضمان مهنية أكبر في التعامل مع القضايا الخارجية. علاوة على أن التنسيق بين مجلسي النواب والمستشارين لا يزال بحاجة إلى تطوير، حتى يكون هناك انسجام في الخطاب الدبلوماسي البرلماني المغربي وتوحيد للرؤى والتحركات على المستوى الدولي.

إلى جانب ذلك، فإن إشراك المجتمع المدني والفاعلين الإعلاميين في الدبلوماسية الموازية يمكن أن يساهم في توسيع دائرة التأثير وتعزيز صورة المغرب في الخارج، وهو ما يستدعي وضع استراتيجيات شاملة للدبلوماسية البرلمانية تجمع بين مختلف الفاعلين. ناهيك عن أن اعتماد معايير واضحة في اختيار الوفود البرلمانية، تقوم على الكفاءة والخبرة، من شأنه أن يجعل العمل البرلماني في المجال الدبلوماسي أكثر احترافية ونجاعة.

وبات من الواضح أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تشكل اليوم أداة فعالة للدفاع عن القضايا الوطنية وتعزيز الشراكات الدولية. ومع تنامي التحديات الجيوسياسية، أصبح لزامًا على مجلس النواب تكثيف جهوده وتطوير استراتيجياته لضمان حضور أقوى وأكثر تأثيرًا في الساحة الدولية. فالمغرب، الذي يراهن على دوره الريادي في إفريقيا والعالم العربي، بحاجة إلى برلمان قادر على مواكبة التحولات الدولية والتفاعل الإيجابي مع مختلف القضايا التي تفرض نفسها على الساحة العالمية.

ثلاثة أسئلة لعبد الحفيظ أدمينو*

              

للبرلمان إسهام كبير في انتصارات المغرب لصالح القضية الوطنية  الأولى

 

 

 

  • ما المداخل القانونية للدبلوماسية البرلمانية؟

تجب الإشارة إلى أن الدبلوماسية البرلمانية، وإن كانت من بين الاختصاصات التي ليست مسندة صراحة للبرلمان المغربي في دستور 2011، غير أن الدستور أشار إليها عندما حدد المهام المسندة للمؤسسة التشريعية. والملاحظ أن هذه الوظيفة تقوت بشكل كبير، خصوصا على المستوى العالمي، حيث بتنا أمام شبكات برلمانية قطرية كما هو الأمر بالنسبة لبعض التجمعات القطرية أو القارية شأن البرلمان الإفريقي أو البرلمان الأوروبي، أو برلمانات أمريكا الجنوبية أو حتى دولية على غرار الاتحاد الدولي البرلماني. وعلى العموم فهذه التكتلات البرلمانية الإقليمية والدولية لها دور كبير من خلال توحيد عمل البرلمانات، وهنا لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه الاتحاد البرلماني الدولي في إنتاج بعض المعايير الموجهة للسلوك البرلماني الدولي، وفي ما بتعلق بالتخطيط الاستراتيجي في البرلمان، وأيضا في ما يتعلق بمؤشرات قياس فعلية أداء البرلمانات، وبالتالي فهذه كلها إطارات مهمة للتعاون.

في هذا السياق، أيضا، يجب ألا ننسى أن هذه البرلمانات، وفي إطار عملها وعلى اختلافها، لها انخراط في القضايا الدولية وقد تبرز، أيضا، قضايا ذات بعد وطني ومتعلقة بالدول، من قبيل ما قد يصدر عنها من بلاغات وبيانات، وكما نعلم فالبرلمان هو المؤسسة الأكثر دفاعا عن الديمقراطية على اعتبار أنها بنت هذه الديمقراطية، وبالتالي فهي تصدر قرارات ومواقف لما تعتبره دفاعا عن الديمقراطية، كما يمكن أن تصدر قرارات ومواقف قد تكون تجاه دول. ومن البديهي أن البرلمان المغربي يعي جيدا دور هذه التكتلات البرلمانية على المستويين القاري والدولي، ولذلك فهو يمارس الدبلوماسية البرلمانية من خلال استثمار هذه التجمعات للدفاع عن المسلسل الديمقراطي الذي قطعته بلادنا، وأيضا في الدفاع عن المسار التنموي والتطور الاقتصادي والحقوقي، ويقدم، كذلك، صورة مهمة وإيجابية عن التحول الذي عرفه المغرب وأيضا يمكن لهذه الاتحادات البرلمانية أن تتخذ مواقف تتماشى مع المبادئ التي يرتكز عليها المنتظم الدولي والتي ترتبط باحترام سيادة الدول والوحدة الترابية وعدم دعم الانفصال، وغيرها من المواقف التي يمكن أن تترجمها هذه التكتلات البرلمانية في مواقف مبادئ وبيانات، فضلا عن أن هذه البرلمانات تشكل منصة مهمة للترافع عن قضية الوحدة الترابية ومواجهة أيضا كل المواقف التي يمكن أن تكون معادية لهذه الوحدة .

 

  • ما تقييمك لعمل البرلمان في الجانب الدبلوماسي المرتبط بالدفاع عن الوحدة الترابية؟

يمكن القول إن الانتصار الذي حققه ويحققه المغرب في ارتباط بالقضية الوطنية الأولى، كان فيه للبرلمان إسهام كبير جدا، وهذا الأمر يتمثل في الدور الذي تلعبه الغرفة الثانية مع نظيراتها في البرلمانات الأخرى، وأخص بالذكر دور مجلس المستشارين في علاقته ببعض التكتلات، خصوصا في أمريكا الجنوبية. ومن هذا المنطلق يمكن أن نشير إلى الدور الذي لعبه مجلس المستشارين، سيما في علاقته ببرلمانات أمريكا الجنوبية، وهو الذي ساهم في تغيير مواقف لدى هذه البرلمانات وهو الذي يمتد إلى الحكومة، وبالتالي من نافل القول أن البرلمان، وتحديدا مجلس المستشارين، يدعم حق المغرب في وحدته  الترابية، وله تأثير في هذا الموضوع وهو ما يظهر من خلال الاختراق الذي حققه المجلس سواء على مستوى عدد من الدول في أمريكا الجنوبية التي تتشكل برلماناتها من أحزاب ذات توجه اشتراكي، وهي الأحزاب التي كان لديها تعاطف مع الأطروحة الانفصالية، غير أن المجهود الذي بذل من قبل المؤسسة التشريعية ساهم بشكل كبير في تصحيح الصورة من جهة، وتغيير العديد من المواقف، زيادة على أن استضافة المغرب لعدد من اللقاءات البرلمانية مع هذه الدول وباقي التكتلات، وعقدها في الأقاليم الجنوبية، كان محطة مهمة من أجل تقديم الصورة عن الأقاليم الجنوبية وواقع التنمية والتغيير الإيجابي الذي تشهده تلك الأقاليم، ناهيك عن أن البرلمان كان له دور كبير في موقف تلك الحكومات عبر برلماناتها.

 

  • ما الآليات التي لدى البرلمان من أجل ممارسة الدبلوماسية البرلمانية؟

أتاح النظام الداخلي للبرلمان عددا من الآليات التي يمكن اعتبارها آليات في يد المؤسسة التشريعية من أجل ممارسة الدبلوماسية البرلمانية، وفي مقدمتها الزيارات البرلمانية، حيث يقوم النواب بزيارات رسمية إلى العديد من الدول، سواء على مستوى البرلمان أو على مستوى اللجان البرلمانية. هذه الزيارات تهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل وتعميق التعاون بين البرلمانات، هذا بالإضافة إلى المشاركة في المنتديات البرلمانية للدول، إذ يشارك البرلمان المغربي في العديد من المنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية مثل الاتحاد البرلماني الدولي، واتحاد البرلمانات العربية. هذه المنتديات تتيح للبرلمانيين الفرصة للتفاعل مع نظرائهم من مختلف أنحاء العالم ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، ناهيك عن التعاون مع البرلمانات الأخرى من خلال التعاون مع برلمانات الدول الصديقة والشقيقة، والتي يسعى فيها البرلمان إلى تقوية الروابط السياسية والاقتصادية. ويتم، كذلك، من خلال أشكال التعاون هذه تبادل الخبرات البرلمانية في مجالات التشريع والمراقبة، دون إغفال اللجان البرلمانية المشتركة، والتي تمثل إحدى أبرز الأدوات التي يستخدمها البرلمان المغربي في تعزيز الدبلوماسية البرلمانية، وعلى سبيل المثال، هناك العديد من اللجان التي تمثل المغرب في المشاريع المشتركة مع برلمانات دول أخرى، مثل لجان التجارة، التنمية، الأمن وحقوق الإنسان.

غير أنه، وفي إطار الحديث عن هذا الموضوع، وجب التذكير بأن النقاش الديمقراطي داخل البرلمان يخدم من جانب غير مباشر الدبلوماسية البرلمانية، من خلال تقديم صورة غير نمطية للمؤسسة التشريعية والتجربة الديمقراطية في المغرب للعالم، ويبقى الرهان هو تعزيز احترافية الدبلوماسية البرلمانية كما نادى بذلك جلالة الملك، من خلال مواكبة تكوين وتأطير البرلمانيين الأعضاء في هذه اللجان المشتركة، خصوصا من لدن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، وهنا أيضا تجب الإشارة إلى نقطة مهمة في ما يخص خدمة الدبلوماسية البرلمانية لقضية الوحدة الترابية، تتمثل في أهمية تنظيم مجلس المستشارين للقاءات مع برلمانيين أجانب في الأقاليم الجنوبية للاطلاع على واقع التنمية التي تشهدها تلك الأقاليم، ناهيك عن مزية كون رئيس مجلس المستشارين من أبناء الصحراء المغربية وهو ما يقدم أيضا صورة للخارج حول انخراط أبناء الأقاليم الجنوبية في العمل السياسي والتمثيلي بالبلاد.

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالرباط   

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى