الحكومة ورهان الدولة الاجتماعية
تنزيل السجل الاجتماعي وتعميم التغطية الصحية وتوحيد برامج الدعم
![](https://www.alakhbar.press.ma/wp-content/uploads/2022/06/1-28.jpg)
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال الأسبوع الماضي، اجتماعا وزاريا حول ورش الحماية الاجتماعية، ودعا أخنوش إلى تكثيف الجهود وتسريع تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، مؤكدا أن تنزيل هذا المشروع المجتمعي المهم ستكون له آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة وبناء الدولة الاجتماعية. وفي هذا الصدد، شرعت وزارة الداخلية في تنزيل مشروع السجل الوطني للسكان على مستوى جهة الرباط سلا القنيطرة في أفق تعميمه على باقي الجهات، وسيكون هذا السجل بمثابة قاعدة بيانات لتحديد الفئات التي ستستفيد من برامج الدعم الاجتماعي خلال السنوات المقبلة.
صادق البرلمان، خلال الولاية الحكومية السابقة، على القانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، يهدف إلى وضع منظومة وطنية لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، من خلال إحداث سجل اجتماعي موحد وسجل وطني للسكان، يكون الغرض منهما تحديد الفئات المستهدفة، من أجل تمكينها من الاستفادة من البرامج المذكورة، وكذا إحداث وكالة وطنية لتدبير السجلات المتعلقة بهذه المنظومة. وحسب القانون، يحدث سجل وطني رقمي يحمل اسم «السجل الوطني للسكان»، تتم في إطاره معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بالأشخاص الذاتيين المغاربة والأجانب المقيمين بالتراب الوطني بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها وتغييرها عند الاقتضاء.
مرحلة تجريبية
أكد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، خلال الأسبوع الماضي، جوابا عن سؤال شفوي حول «إخراج السجل الاجتماعي الموحد إلى حيز الوجود» تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أن عملية إخراج السجل الاجتماعي الموحد تمر في أحسن الظروف، وأن العمل بهذا السجل سيتم في القريب العاجل. وأضاف لفتيت أن عدد المسجلين في السجل الوطني للسكان بلغ حوالي 120 ألف شخص، على مستوى جهة الرباط سلا القنيطرة. وأكد الوزير أن هذه العملية ستساهم في الاستهداف الحقيقي للأشخاص المحتاجين للدعم الخاص بجميع عمليات الدعم العمومي الموجودة، مضيفا أن المرحلة التجريبية لتنزيل هذا الورش، التي انطلقت في كل من الرباط والقنيطرة، ستستمر إلى غاية نهاية السنة الجارية، قبل تعميمها على صعيد التراب الوطني.
وسبق لوزير الداخلية أن أصدر قرارا يعلن من خلاله الشروع في العمل بالسجل الوطني للسكان ابتداء من يوم 24 دجنبر الماضي، بالنسبة لعمالة الرباط، حيث شرعت وزارة الداخلية في إخراج السجل الاجتماعي الموحد في جهة الرباط-سلا-القنيطرة، خلال السنة الجارية، وبعد ذلك سيتم تعميم السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد على مجموع جهات المملكة، خلال الفترة الممتدة ما بين 2023 و2025.
وأصدرت الحكومة مرسوما جديدا يندرج في إطار تطبيق القانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، وذلك في إطار الاستعداد لتعميم السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد.
وجاء هذا المرسوم لوضع الإطار المؤسساتي المتعلق بالوكالة الوطنية للسجلات حتى تتمكن من تحقيق الأهداف المنوطة بها، من خلال المساهمة في ورش إصلاح وتجديد منظومة الدعم الاجتماعي. ويعهد هذا المرسوم رئاسة مجلس إدارة هذه الوكالة إلى رئيس الحكومة ويخول للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية صلاحية ممارسة وصاية الدولة عليها. ويتألف مجلس إدارة هذه الوكالة من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو من يمثلها، والسلطة الحكومية المكلفة بالاقتصاد والمالية أو من يمثلها، والسلطة الحكومية المكلفة بالفلاحة أو من يمثلها، والسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية أو من يمثلها، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة أو من يمثلها، والسلطة الحكومية المكلفة بإدارة الدفاع الوطني أو من يمثلها، والمندوب السامي للتخطيط أو من يمثله.
كما يروم المرسوم إحداث لجنة تقنية لدى مجلس الإدارة تضم ممثلين عن هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووكالة التنمية الرقمية والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات. وأوضح الوزير أنه في انتظار إحداث الوكالة الوطنية للسجلات، تقوم السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بصفة انتقالية، بممارسة بعض المهام المنوطة بالوكالة.
الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي
يهدف السجل الوطني للسكان، على الخصوص، إلى إتاحة إمكانية التعرف على الأشخاص الراغبين في التقييد في السجل الاجتماعي الموحد، من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، بما في ذلك التأكد من هويتهم والتثبت من صدقية المعلومات والمعطيات المتعلقة بهم. كما يحدث، بموجب القانون، سجل رقمي يحمل اسم «السجل الاجتماعي الموحد»، يتم في إطاره تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، وذلك بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة. ويهدف السجل الاجتماعي الموحد إلى معالجة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالأسر بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء. ويشترط للتقييد في السجل الاجتماعي الموحد أن يكون كل فرد منتم إلى الأسرة سبق له التقييد في السجل الوطني للسكان.
ويروم هذا القانون إرساء منظومة وطنية متكاملة ومندمجة لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، تستند على معايير دقيقة وموضوعية وتعتمد على التكنولوجيات الحديثة لتوفيرها، كما يهدف إلى إحداث آليات لتعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي، من خلال وضع تصور موحد لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف وشفاف، وتجاوز الإشكاليات التقنية التي تعيق إيصال الاستفادة الفعلية من هذه البرامج إلى الفئات التي تستحقها فعليا، بالإضافة إلى ضمان التنسيق والالتقائية في برامج الدعم الاجتماعي قصد الرفع من فعاليتها ونجاعتها.
وسيكون السجل الاجتماعي عبارة عن قاعدة مركزية للبيانات الديمغرافية والبيوميترية الخاصة بكافة المغاربة، سيتم الاعتماد عليه للاستفادة من البرامج الاجتماعية والخدمات الإدارية، ويهدف إلى تجميع وحفظ البيانات الخاصة، وكذا التحقق من صدقية المعطيات من خلال اعتماد معرف رقمي مدني واجتماعي يمنح لكافة السكان على مستوى التراب الوطني، بمن فيهم القاصرون والمواليد الجدد والأجانب المقيمون بالمغرب. ويحظى هذا المشروع بتمويل من البنك الدولي بقرض تبلغ قيمته 100 مليون دولار (حوالي 100 مليار سنتيم).
السجل الوطني للسكان
تقوم منظومة الدعم الاجتماعي على أربعة مرتكزات أساسية، أولها إحداث السجل الوطني للسكان، ويهدف هذا السجل إلى توفير المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بالمغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء، بالإضافة إلى توفير هذه المعطيات من أجل تيسير الولوج إلى الخدمات التي تقدمها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية والخاصة. ويفتح باب التقييد في هذا السجل للمواطنين المغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي، وتكلل عملية التقييد به بمنح معرف مدني واجتماعي رقمي يمكن من التحقق من صدقية المعطيات الشخصية المدلى بها من قبل الأشخاص الراغبين في التقييد في السجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.
وسيحدث، بمقتضى القانون، سجل وطني للسكان على شكل بنية رقمية تحتية قوية ومتطورة ستكون قادرة على تجميع وتسجيل وحفظ وتحيين البيانات ذات الطابع الشخصي لجميع السكان على مستوى التراب الوطني، بمن فيهم الأجانب المقيمون بالمغرب والقاصرون والمواليد الجدد، كما سيمكن هذا السجل من منح معرف مدني واجتماعي رقمي لكل شخص مقيد به.
أما المرتكز الثاني فيتمثل في إحداث السجل الاجتماعي الموحد، الذي يعتبر بمثابة مسجل رقمي يتم في إطاره تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، وذلك بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة. كما يهدف إلى معالجة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية للأسر بطريقة إلكترونية، من خلال تجميعها وتسجيلها وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء. وسيشكل هذا السجل المنطلق الوحيد للولوج لكافة برامج الدعم الاجتماعي من خلال تحديد مدى قابلية الاستفادة منها، عبر اعتماد معايير دقيقة وموضوعية، تتم وفق عملية تنقيط مبنية على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المتوفرة، وباستعمال التكنولوجيات الحديثة. ويشترط القانون، للتقييد في السجل الاجتماعي الموحد، أن يكون كل فرد منتم إلى الأسرة الراغبة في الاستفادة من الدعم الاجتماعي سبق له التقييد في السجل الوطني للسكان.
ويعد السجل الاجتماعي الموحد، بموجب القانون، آلية تقنية من أجل تنقيط الأسر بناء على البيانات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها (كنوع السكن، عدد الغرف بالسكن، المصاريف السنوية المتعلقة بالماء والكهرباء والهاتف والغاز، المستوى الدراسي لأفراد الأسرة، المجال الجغرافي، مهنة المصرح بأفراد الأسرة، وغيرها) والتي يدلي بها المصرح باسم الأسرة. كما يتكفل السجل بإعداد قوائم الأسر المستحقة التي تتضمن نتائج التنقيط الخاصة بكل أسرة من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، وذلك على أساس العتبة المحددة لكل برنامج من طرف الإدارات والجماعات الترابية والهيئات العمومية التي تشرف على هذه البرامج، علما أن التنقيط الذي يترتب عن عملية تسجيل الأسر بالسجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي سيرتكز على مؤشرات ومعطيات تراعي المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الأسر، مع العمل على تحيينها، بصفة دورية، وفق نتائج الأبحاث الميدانية التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط لهذا الغرض.
حماية المعطيات الشخصية
يتمثل المرتكز الثالث لهذه المنظومة في ضمان حماية المعطيات الشخصية للأشخاص المقيدين في السجلات، حيث نص القانون، في هذا الصدد، على ضرورة التقيد بأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي في ما يخص معالجة هذه المعطيات واستغلالها في مختلف تطبيقات المنظومة الوطنية لتسجيل الأسر والأفراد، وذلك بإلزام الوكالة بالحرص على معالجة المعطيات المضمنة بسجلاتها بطريقة نزيهة ومشروعة، والقيام بتجميعها لأجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في هذا القانون. ويمكن الوقوف على ذلك من خلال تمتع الأشخاص المسجلين بحقهم في الخصوصية الشخصية ومن خلال واجبات الوكالة الوطنية للسجلات بصفتها مسؤولة عن المعالجة.
فبخصوص حقوق الأشخاص، ينص القانون على تمتيع جميع الأشخاص المقيدين في السجل الوطني للسكان أو السجل الاجتماعي الموحد، بكل من الحق في الإخبار أثناء تجميع المعطيات، بما يضمن هذا الحق من ممارسة التعبير عن الرضی والقبول باستعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي لأغراض التسجيل في هذين السجلين، والحق في الولوج والحق في التصحيح أو التحيين. وكرس هذا القانون، كذلك، حق كل شخص مقيد في الاطلاع على لائحة الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية التي اطلعت على معطياته. أما بخصوص واجبات الوكالة الوطنية للسجلات بصفتها مسؤولة عن معالجة المعطيات، فقد نص القانون على أن هذه المؤسسة العمومية التي ستتولى مهمة إدارة وتدبير جميع العمليات المرتبطة بالسجلين، تتحمل المسؤولية الكاملة لضمان حماية المعطيات الرقمية المضمنة بالسجلين وسلامة النظم والمنصات المعلوماتية الموضوعة لتدبير هذه المعطيات في إطار المهام الموكولة إليها. كما أن مستخدمي الوكالة مسؤولون أيضا تجاه الأشخاص الذين قد يتعرضون للأضرار خلال معالجة معطياتهم الشخصية، من قبيل معالجة المعطيات دون رضى المعنيين بالأمر، أو عدم الالتزام بسرية وسلامة المعالجات والاستغلال غير المشروع للمعطيات ذات الطابع الشخصي.
ورابع مرتكزات المنظومة هو إحداث الوكالة الوطنية للسجلات، حيث ينص القانون على إحداث مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي من أجل تدبير السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد.
وتتولى هذه المؤسسة مهمة إدارة وتدبير جميع العمليات المرتبطة بالسجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان، كما تسهر على التشغيل الدائم والآمن للمنصات الرقمية من أجل توفير خدمات التقييد في السجلات، وتحيين البيانات الشخصية وتنقيط الأسر والتأكد من صحة البيانات الاجتماعية والاقتصادية المصرح بها من طرف الأسر، وتوفير خدمات التحقق من صدقية البيانات وتحديد قوائم الأسر المستحقة للاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.
كما تتولى الوكالة مهمة السهر على ضمان حماية المعطيات الرقمية وسلامة المنظومة المعلوماتية المتعلقة بالمسجلين فيهما، وتتولى الوكالة أيضا مهمة منح معرف مدني واجتماعي رقمي للأشخاص المقيدين بالسجل الوطني للسكان، بالإضافة إلى تقديم خدمات التحقق من صدقية المعطيات المضمنة بالسجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، ومنح الاعتماد للهيئات الوسيطة في هذا المجال، والعمل على مراقبتها. ومن أجل اضطلاع الوكالة بالمهام المخولة لها، نص هذا القانون على أن يديرها مجلس إدارة يتمتع بجميع السلط والاختصاصات اللازمة لتدبير الوكالة ويسيرها مدير عام يتم تعيينه وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
توفير التغطية الاجتماعية والصحية لـ22 مليون مغربي في أفق سنة 2025
كشف فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، عزم الحكومة إلغاء عدد من برامج الدعم الاجتماعي، على رأسها نظام المساعدة الطبية «راميد»، وصندوق دعم الأرامل، وبرنامج «تيسير» لدعم تمدرس أبناء العالم القروي، وذلك بعد شروع الحكومة في تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية.
وأوضح الوزير ذاته، في جوابه عن سؤال بمجلس النواب، أن «هناك مجموعة من البرامج التي لن يبقى لها أي معنى، بعد أن تشرع الحكومة ضمن الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، في تقديم التعويضات العائلية عن الأطفال المتمدرسين، من قبيل إعانات برنامج «تيسير»، ودعم الأرامل». وكشف لقجع عن جانب من المنهجية التي ستعتمدها الحكومة الحالية لتعويض البرامج الاجتماعية التي سيتم إلغاؤها، وقال إن «هذه الإعانات ستهم جميع المغاربة، وسيتوصلون بها بشكل منتظم وواضح وقار ومستمر»، مضيفا أنه «مع مرور السنوات هناك إصلاحات جوهرية تسعى إلى تحقيق الاستهداف الحقيقي للمغاربة المحتاجين، والذين يتعين أن تصلهم إعانات الدولة»، مبينا أن نظام المساعدة الطبية «راميد» سيتم دمجه بنظام التغطية الصحية الإجبارية في مختلف ربوع المملكة قبل نهاية سنة 2022، وأنه «سيتم تحويل الاعتمادات المالية المخصصة لهذا النظام إلى التغطية الصحية الإجبارية، وهو ما سيمكن من دعم تعبئة 26 مليار درهم لتمويل ورش تعميم الحماية الاجتماعية»، يوضح لقجع.
وتنفيذا للتعليمات الملكية، وضعت وزارة الاقتصاد والمالية القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، يهدف إلى توفير التغطية الاجتماعية والصحية لما يزيد على 22 مليون مغربي. وأوضحت المذكرة التقديمية للقانون، أن نظام الحماية الاجتماعية الحالي يواجه العديد من التحديات التي تقلل من أثره (تعدد البرامج، وتنوع الفاعلين، وعدم وجود نظام استهداف موحد…).
وأكدت المذكرة التقديمية أن التوجهات الملكية تكرس تعميم التغطية الاجتماعية الشاملة، وذلك من خلال أربعة محاور، وهي توسيع التغطية الصحية الإجبارية، بحلول نهاية سنة 2022، بحيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض، الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء، ثم تعميم التعويضات العائلية، التي سيستفيد منها حوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، ويتعلق المحور الثالث بتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، وذلك من خلال دمج حوالي خمسة ملايين مغربي من السكان النشيطين الذين لا يتوفرون على أي تغطية متعلقة بالتقاعد، أما المحور الرابع فيتعلق بتعميم التعويض عن فقدان الشغل، لفائدة المغاربة الذين يتوفرون على شغل قار.
وأشارت المذكرة نفسها إلى أن هذا الإصلاح يجعل من الحماية الاجتماعية أحد مجالات التدخل الاستراتيجية، وذات الأولوية للوقاية والتقليل من مختلف أوجه الهشاشة الاجتماعية، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وفي هذا السياق، تضيف المذكرة، فإن الغرض من مشروع القانون الإطار هو تحديد الأهداف الأساسية لعمل الدولة في مجال الحماية الاجتماعية، وكذا المبادئ الأساسية والآليات الضرورية لبلوغ هذه الأهداف، خاصة في ما يتعلق بالحكامة والتمويل.
ويهدف مشروع القانون الإطار إلى تعميم الحماية الاجتماعية لتشمل الأشخاص الذين لا يتوفرون عليها، وذلك من أجل التقليص من الفقر ومحاربة الهشاشة، ولأجل بلوغ هذه الأهداف ستعمل الدولة على إصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية المعمول بها، سيما الإصلاح التدريجي لنظام المقاصة، وتفعيل السجل الاجتماعي الموحد، وإصلاح المنظومة الصحية الوطنية وتأهيلها، وتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، واتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والمؤسساتي والمالي، التي تمكن من تفعيل تعميم الحماية الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، تتمثل التزامات السلطات العمومية في السهر على تنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، باعتبارها أولوية وطنية، وتطوير الجوانب المتعلقة بتدبير وحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، وضمان التقائية أنظمة الحماية الاجتماعية، واتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والتنظيمي والمؤسساتي والمالي، التي تمكن من تفعيل تعميم هذه الحماية.
وحسب ديباجة القانون، سيتم تنزيل هذا الإصلاح داخل أجل خمس سنوات، وذلك عبر تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وتعميم التعويضات العائلية من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من الاستفادة، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو من تعويضات جزافية، وذلك خلال سنتي 2023 و2024، ثم توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد، وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025.
واعتبارا لما سبق، يؤكد المشروع على أن إدراج المبادئ والأهداف الأساسية لإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في قانون – إطار، من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل والتنزيل الأسلم لهذا الإصلاح ويؤمن استمراريته وديمومته، مشيرا إلى أن تعميم الحماية الاجتماعية وفق مدلول هذا القانون الإطار، الذي يجب أن يتم داخل أجل أقصاه خمس سنوات، لا يحول دون استمرار تطبيق السياسات العمومية الأخرى التي تعتمدها الدولة في هذا المجال.
ثلاثة أسئلة
عتيق السعيد
باحث أكاديمي ومحلل سياسي
«تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية رافعة للتنمية وتأمين للمجتمع من تداعيات الأزمات والجوائح»
ماهي قراءتكم لمخطط عمل الحكومة لتعزيز بناء الدولة الاجتماعية؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن بلادنا تمكنت، خلال العقدين الأخيرين، من تحقيق العديد من المكتسبات بالمجال الاجتماعي، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، حيث حرص جلالته منذ اعتلائه العرش على تحقيق نهضة تنموية متكاملة الأبعاد الاجتماعية، ساهمت في النهوض بالعنصر البشري، باعتباره اللبنة الأساس في البناء التنموي بالمجتمع، حيث شهد سلسلة مترابطة من الأوراش التنموية المتعددة في مختلف المجالات، شكلت هندسة اجتماعية تضامنية شاملة الرؤى، تتوخى في جوهرها جعل المواطن ضمن الأولوية الكبرى في مسلسل الإصلاح، وهدفا أساسيا للنهوض بالعنصر البشري، رسخ من خلالها جلالته مبادئ التضامن والتكافل والتآزر الاجتماعي بالمجتمع برؤية تضامنية للمجال الاجتماعي، كما اعتمدت أحدث النظم والأساليب التدبيرية، وذلك من خلال وضع أهداف واضحة تتسم بالانسجام والفعالية والنجاعة والملاءمة، مع القدرة على التأثير وتحديد دقيق للمؤشرات، كل ذلك وفق آلية الحكامة المجالية، تعزيزا لمتانة الدولة الاجتماعية بكل حمولاتها وتفاعلاتها بالنسق المجتمعي.
في إطار هذه الرؤية الملكية السامية، تم إطلاق سلسلة مترابطة من البرامج الاجتماعية، التي تمتاز على مستوى آليات التفعيل بالنمط الآني من جهة، ومن جهة ثانية بالاستباق لمجابهة التداعيات والآثار المرتبطة بالجائحة، وبالتالي هذه الهندسة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك، تعد اليوم بكل تأكيد خارطة طريق واضحة المعالم للتدبير الحكومي، وعليه يمكن القول إن كل الفرص متاحة لتيسير مسارات التفعيل ميدانيا أفقيا وعموديا، بهدف تحقيق نهضة تنموية تساير التحولات البنيوية التي تشهدها الدولة. وعليه يعتبر مخطط عمل الحكومة لتعزيز بناء الدولة الاجتماعية، خطوة أساسية هامة تعبر عن الإرادة السياسية نحو الإصلاح الاجتماعي المتجدد والمساير لاحتياجات وكذلك لطموحات المجتمع، ذلك باعتبار أن تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية رافعة للتنمية، وتأمينا مجتمعيا من تداعيات الأزمات والجوائح.
إن مخطط عمل الحكومة لتعزيز بناء الدولة الاجتماعية، يعتبر أولوية كبرى من أجل غاية تقوية منابع الدولة الاجتماعية، التي تتطلب تجند كافة الفاعلين في الدول، وكذلك مختلف القوى الوطنية الحية والتفافها الصادق في العمل على آليات التفعيل، في سبيل تنزيل معالم دولة الإنصاف الاجتماعي وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
بناء على ما تقدم يمكن القول إن هذا الورش الاجتماعي الجامع لتعدد الأوراش، والمانع من تداعيات الجوائح وما يترتب عليها من الأزمات، يستلزم منهجية قوامها السرعة في التفاعل، والجرأة في الإنجاز، والشجاعة في اتخاذ القرار بشكل يضمن الابتكار الفعال، سيما في ما يخص اقتراح الموارد البشرية والتقنية والمالية الضرورية لتحقيق النجاعة العالية في الأداء التدبيري، استجابة للانتظارات الاجتماعية وللرهانات التي تعرفها بلادنا في ظل النهضة التنموية التي يؤطرها النموذج التنموي الجديد، وما تشهده من مكتسبات وطنية، خاصة ثقة العديد من الشراكات والاستثمارات الاقتصادية الدولية بالمغرب، وهي كلها مؤشرات تجعل من إصلاح الورش الاجتماعي أولوية الأولويات.
هل الأوراش والمشاريع الاجتماعية التي يتم إطلاقها اليوم، تشكل اللبنة الأساس لتعزيز المجال الاجتماعي؟
شهد المغرب سلسلة مترابطة من الأوراش التنموية المتعددة في مختلف المجالات ذات الارتباط بالمجال الاجتماعي، تعتبر هندسة شاملة الرؤى ومتكاملة الأبعاد للأوراش الاجتماعية، عززت من مقومات الدولة الاجتماعية، وحصنا متينا من تداعيات وآثار الجوائح والأزمات، تتوخى في جوهرها تقوية أسس الدولة الاجتماعية، وفي مقدمة هذه المشاريع والأوراش؛ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هذا الورش على امتداد 17 سنة من إطلاقه ساهم في تفكيك منابع الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، كما عمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة، وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، وذلك عبر تبني منهج تنظيمي خاص قوامه الاندماج والمشاركة والابتكار، معتمدا في تدبيره على مبادئ الحكامة الجيدة بإشراك كل الفاعلين في التنمية وفي اتخاذ القرار. كما شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ورشا ملكيا طموحا وخلاقا، يُشْهَدُ له بالنجاعة والفعالية في مجال استهداف تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة، وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، وذلك عبر تبني منهج تنظيمي خاص قوامه الاندماج والمشاركة.
هذا، وتفاعلا مع تداعيات الجائحة، خاصة في خضم الأزمة الصحية المرتبطة بها، تم إحداث ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي يعتبر من الأوراش الكبرى كلبنة أساس لتقوية المجال الاجتماعي، تهدف إلى تقليص الفقر ومحاربة كل أشكال الهشاشة، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وتعميم التأمين الصحي الإجباري على جميع المواطنات والمواطنين، وتعميم التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل، وتوسيع نظام التقاعد، من أجل ذلك يعد ثورة اجتماعية حقيقية يقودها جلالة الملك للنهوض بترسيخ العدالة الاجتماعية، ذلك أن الحماية الاجتماعية تركز على جميع آليات الاحتياط الجماعي، التي تمكن الأفراد أو الأسر من مجابهة الآثار المالية المترتبة عن المخاطر الاجتماعية.
كما أنه لا بد من الإشارة إلى ورش إحداث السجل الاجتماعي الموحد، الذي سيعمل على تيسير وضبط عمليات استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، باعتباره مشروعا اجتماعيا واستراتيجيا بأبعاد متعددة، وأيضا بطموح واسع الأفق في مجال الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، يهدف إلى وضع منظومة وطنية لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، عبر إحداث سجل اجتماعي موحد وسجل وطني للسكان، الغرض منهما تحديد الفئات المستهدفة، من أجل تمكينها من الاستفادة من برامج الدعم، بالإضافة إلى مجموعة من المشاريع ذات الارتباط أو التفاعل في المجال الاجتماعي، ستمكن من تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية.
ما هي مقومات الدولة الاجتماعية في ارتباط برهان تنزيل رؤية النموذج التنموي الجديد؟
بداية يمكن القول إن النموذج التنموي ميثاق وطني جديد، جوهر تصوره الحاجة إلى تجديد شامل لآليات التفعيل وتغيير جذري في التدبير، لأن تنفيذ مجموعة من الأولويات التي تحكم الأجندة السياسية، يدفع نحو تجديد الموارد الكفيلة برسم مسار العودة القوية لروح الابتكار الجماعي، من أجل البناء والإصلاح المستدام كأولوية تفرضها الحاجة إلى تحديد الأولويات، وتحصين المكتسبات. وبالتالي ما يميز رؤية النموذج التنموي الجديد، هو عملية تشخيص دقيق وموضوعي للوضع الحالي، بكل صراحة وجرأة وموضوعية، استطاعت رصد الاختلالات التي يجب تصحيحها، وتحديد معالم القوة من أجل تعزيز المكتسبات.
لقد شكل هذا الورش التنموي الجديد الذي أسسه جلالة الملك بفكر استباقي واستشرافي لمغرب الغد، مساحة تطلع للمجتمع بغية تعزيز الاندماج الاجتماعي، وتنمية القدرات والمهارات الذاتية عبر الرفع من فرص المشاركة المندمجة، خدمة لسيرورة التنمية في مختلف تجلياتها.
بناء على ما تقدم فإن تجديد المشاريع التنموية بغية تطوير المجال الاجتماعي، يعد حافزا وصانعا لديمومة التغيير والإصلاح المبني على إعادة نظام اجتماعي متجدد مساير لتطلعات مغرب الغد، يجعل من ورش النموذج التنموي الجديد المرتكز في جوهره على مؤهلات المملكة وعلى منهجية الإنصات للشباب مع مختلف القوى الحية ببلادنا، يشكل مرحلة جديدة لتمكين المجتمع من فرص التنمية المستدامة، التي تضمن التأقلم السريع مع سيرورة تحديث وعصرنة بنيات ومؤسسات الدولة.
نحن أمام ورش يرتكز في جوهره التنموي على غرار باقي المشاريع والأوراش التنموية التي شهدتها المملكة بفضل جهود جلالته، على اعتماد مقاربة تشاركية متعددة الأبعاد، استطاع تشخيص وتقييم صريح وشفاف للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أخذ تدارس التحديات والتغييرات الجديدة التي نتجت عن الجائحة في العديد من المجالات الاستراتيجية، وبالتالي نحن أمام نموذج تنموي يعد مرآة عاكسة للمجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر باحتياجاته الآنية أو ارتبط بتطلعاته المستقبلية. وبالتالي يعد تقرير لجنة النموذج التنموي بوصلة دقيقة الاتجاه نحو تعاقد سياسي يستدعي تبني طاقات شابة مشهود لها بالكفاءة والوطنية العالية، قادرة على ضمان تنزيله بشكل يضمن توفر آليات النجاعة والفعالية والسرعة في الأداء، بغية استشعار شرائح ومكونات المجتمع بالتغيير على الواقع المعاش، تحقيقا للإقلاع التنموي المندمج والمستدام.