شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الحكومة في مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار

إجراءات وتدابير استباقية لضمان تموين الأسواق واستقرار الأسعار

أكدت المندوبية السامية للتخطيط أن أسعار المواد الاستهلاكية عرفت ارتفاعا صاروخيا في الأسابيع الماضية، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من ارتفاع الأسعار، من قبيل توقيف تصدير بعض المواد الأساسية، وحذف الرسوم الجمركية عن استيراد الأبقار المعدة لإنتاج اللحوم الحمراء، وهناك تخوفات كبيرة باستمرار التضخم وارتفاع الأسعار، ما سينعكس على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة خلال شهر رمضان الذي يعتبر من الأشهر التي تعرف فيه أسواق المواد الاستهلاكية حركية جد مهمة حيث يتضاعف استهلاك الأسر ويبلغ مستويات جد عالية مقارنة مع باقي أشهر السنة خاصة بالنسبة لبعض المواد الأساسية، ومن أجل تأطير هذه الحركية وتوفير المواد الاستهلاكية للمواطنين في ظروف صحية ملائمة وبأثمان تتماشى مع قدرتهم الشرائية خاصة الفئات ذات الدخل المحدود، تقوم الحكومة بعدة إجراءات وتدابير استباقية.

مقالات ذات صلة

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

الحكومة وتحدي الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين

 

أظهرت نتائج البحث حول الظرفية لدى الأسر، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط برسم الفصل الثالث من سنة 2024، أن 10,9 في المائة من الأسر مقابل 89,1 بالمائة تتوقع القيام بادخار خلال 12 شهرا المقبلة.

وأوضحت المندوبية، في مذكرتها الإخبارية الأخيرة حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر، أن رصيد هذا المؤشر استقر عند مستوى سلبي بلغ ناقص 78,2 نقطة مقابل ناقص 80,4 نقطة خلال الفصل السابق وخلال الفصل نفسه من السنة الماضية. وبحسب المصدر ذاته، اعتبرت 97,5 في المائة من الأسر، خلال الفصل الثالث من سنة 2024، أن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا خلال الـ12 شهرا الماضية، في حين رأت 0,3 في المائة فقط عكس ذلك. وهكذا يظل رصيد هذه الآراء عند مستوى سلبي بلغ ناقص 97,2 نقطة، مقابل ناقص 96 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 97,9 نقطة خلال الفصل نفسه من السنة الماضية.

أما بخصوص تطور أسعار المواد الغذائية، خلال الـ12 شهرا المقبلة، فتتوقع 84,4 في المائة من الأسر استمرار ارتفاعها، فيما يتوقع 14,7 في المائة من الأسر استقرارها مقابل 0,9 في المائة تتوقع انخفاضا. وهكذا استقر رصيد هذا المؤشر عند مستوى سلبي بلغ ناقص 83,5 نقطة مقابل ناقص 79,1 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 66,2 نقطة خلال الفصل ذاته من السنة السابقة.

وأفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن مؤشر ثقة الأسر استقر في 46,2 نقطة عوض 46,1 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، و46,5 نقطة المسجلة خلال الفصل الثالث من السنة الماضية. وأبرزت المندوبية أنه «يتضح من نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، أن مؤشر ثقة الأسر سجل، خلال الفصل الثالث من سنة 2024، شبه استقرار سواء بالمقارنة مع الفصل السابق أو مع نفس الفصل من سنة 2023».

وأعلنت الحكومة عن تخصيص 16.5 مليار درهم لصندوق المقاصة من أجل دعم القدرة الشرائية للمواطنين في عام 2025. ويستهدف هذا الدعم بشكل أساسي موادا أساسية، مثل غاز البوتان المنزلي والدقيق والسكر، فيما سيتم اتخاذ إجراءات ضريبية وجمركية تهدف إلى إعفاء هذه المنتجات الأساسية ودعم الأعلاف والأسمدة.

وتسعى الحكومة، من خلال هذا الدعم، إلى التخفيف من تأثيرات التضخم وحماية القدرة الشرائية، خصوصاً للفئات الأكثر هشاشة. وسيتم تنفيذ مبادرات لإعادة إيواء الأسر القاطنة في الأحياء الصفيحية وتحسين ظروف المعيشة، بالإضافة إلى تعزيز الولوج إلى السكن بأسعار معقولة، وذلك لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض والمغاربة المقيمين في الخارج. وستستمر الحكومة في دعم النساء، والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب عبر برامج تركز على التمكين والحماية والإدماج الاجتماعي.

وفي سياق آخر، أشار تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط إلى انخفاض معدل التضخم في المغرب بنحو 0.5 في المائة خلال الفصل الثاني من 2024، مسجلاً 0.7 في المائة مقابل 1.2 في المائة خلال الفصل الأول. وأرجع التقرير هذا التراجع بشكل رئيسي إلى انخفاض أسعار المواد الطازجة، التي ساهمت بنسبة 8.0- نقطة في معدل التضخم، مقابل 0.5- نقطة خلال الفصل السابق. وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 0.5 في المائة، بينما شهدت أسعار المواد غير الغذائية ارتفاعاً بنسبة 1.5 في المائة مقابل 0.9 في المائة في الفصل الأول.

وكان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أكد أن الحكومة شرعت منذ بداية الولاية في إرساء حزمة منسجمة من الإجراءات الفورية والموجهة، تقليصا لامتدادات الأزمة على المجالات المتضررة، وفي مقدمتها التشغيل وحماية القدرة الشرائية، وذلك من خلال وضع برامج تشغيل فورية لتقليص تداعيات الأزمة الصحية، مكنت من استرجاع نسب مهمة من مناصب الشغل وتعزيز قابلية الشباب للتشغيل، عبر خلق أزيد من 221.000 فرصة عمل على مستوى برنامج «أوراش»، بغلاف مالي إجمالي قدره 4,5 مليارات درهم.

وأضاف رئيس الحكومة أن «برنامج «فرصة» مكن من دعم 21.000 من الشباب المقاولين حاملي المشاريع؛ ما مكن من سداد متأخرات الضريبة على القيمة المضافة بقيمة 20 مليار درهم لفائدة المقاولات، خاصة منها الصغيرة والمتوسطة، المتضررة جراء الأزمة الصحية؛ بالإضافة إلى وضع برامج استثنائية، بتوجيهات ملكية، بقيمة 20 مليار درهم لمواجهة آثار الجفاف وتأمين تزويد السوق الوطني بالمواد الغذائية ذات الأصل الفلاحي، وضبط تكلفتها الإنتاجية».

ولفت أخنوش، خلال تقديم حصيلة نصف ولاية الحكومة، إلى «ضخ ملياري درهم في القطاع السياحي لدعم قرابة 800 منشأة فندقية على مستوى المملكة، مع صرف تعويض شهري صاف قدره 2.000 درهم لفائدة 40.000 من العاملين في القطاع»، مضيفا أنه «تم أيضا دعم المواد الأساسية الأكثر استهلاكا لدى الأسر، عبر رفع نفقات المقاصة لتبلغ قرابة 42 مليار درهم خلال 2022 ثم 30 مليار درهم خلال 2023، عوض 22 مليار درهم خلال 2021؛ ناهيك عن دعم مهنيي النقل، عبر تخصيص حوالي 8 مليار درهم بين 2022 و2023 بغية تقليل الضغوط على تكاليف المواد الأولية في مختلف القطاعات».

وأوضح أخنوش أنه «جرى الحفاظ على استقرار أسعار الكهرباء ومواجهة ارتفاع الأسعار العالمية بغلاف مالي بلغ 9 مليارات درهم خلال سنتين، وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة من 20 إلى 10 في المائة على المنتجات الاستهلاكية والدوائية الأساسية، وتعليق الرسوم الجمركية على القمح لمواجهة ارتفاع أسعاره عالميا، وعلى رؤوس الأغنام لإعادة تشكيل القطيع الوطني».

وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح

إجراءات وتدابير استباقية للحفاظ على استقرار الأسعار في رمضان

 

كشفت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، عن الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف الحكومة لضمان تموين الأسواق بالمواد الغذائية، والحفاظ على استقرار الأسعار خلال شهر رمضان المقبل.

وأوضحت الوزيرة أن شهر رمضان يعتبر من الأشهر التي تعرف فيها أسواق المواد الاستهلاكية حركية جد مهمة، حيث يتضاعف استهلاك الأسر ويبلغ مستويات جد عالية مقارنة مع باقي أشهر السنة، خاصة بالنسبة إلى بعض المواد الأساسية، ومن أجل تأطير هذه الحركية، وتوفير المواد الاستهلاكية للمواطنين في ظروف صحية ملائمة وبأثمنة تتماشى مع قدرتهم الشرائية، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود، تقوم الحكومة بعدة إجراءات استباقية واستشرافية يكون الهدف منها ضمان الشروط المناسبة للمستهلك، من أجل اقتناء حاجياته خلال هذا الشهر الفضيل، وذلك من خلال السهر على تموين الأسواق الوطنية وبكميات وافرة من المواد الأكثر استهلاكا خلال هذا الشهر الكريم.

ومن بين الإجراءات المتخذة، تضيف نادية فتاح، تفعيل مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة وقانون حماية المستهلك، من أجل محاربة المضاربات في الأسعار والتصدي للاحتكارات التي من شأنها الرفع غير المعقلن لهذه الأسعار وضمان الشفافية في كل التعاملات التجارية، بالإضافة إلى السهر على سلامة المواد المعروضة للبيع ومراقبة تطابقها للمعايير المعتمدة في هذا الشأن، والحرص على احترام الشروط الصحية لتخزينها وتنقيلها وكذا عرضها للبيع من أجل الحفاظ على صحة المواطنين.

وفي إطار الاستعدادات التحضيرية لتموين السوق خلال شهر رمضان، تشرع مجموعة من القطاعات الوزارية، حسب الاختصاصات المخولة لكل منها، ولعدة أسابيع قبل حلول الشهر الفضيل في تعبئة المهنيين على مستوى سلاسل الإنتاج والتحويل والتوزيع من أجل تزويد الأسواق بالكميات الضرورية من المواد الاستهلاكية الأساسية، كالخضر والفواكه والحبوب والقطاني واللحوم والألبان والمواد الغذائية المصنعة، بالإضافة إلى المواد الطاقية الأساسية كغاز البوتان والمحروقات السائلة إلى غير ذلك من المواد الأساسية.

كما تقوم اللجنة الوزارية المختلطة المكلفة بتتبع التموين والأسعار وعمليات المراقبة التي تترأسها وزارة الاقتصاد والمالية بعدة اجتماعات، يتم من خلالها تجميع المعطيات المتوفرة لدى مختلف القطاعات، من أجل رصد حالة السوق ومقارنة العرض المتوفر من هذه المواد مع الحاجيات المرتقب استهلاكها خلال هذه الفترة.

وفي حالة عدم تغطية العرض المتوفر للطلب المنتظر وملاحظة خصاص في مادة ما، يتم اتخاذ مجموعة من الإجراءات من أجل سد هذا الخصاص، سواء من خلال الرفع من الإنتاج المحلي، أو اللجوء إلى استيراد هذه المواد في إطار شروط معينة، من بينها الترخيص الاستثنائي للاستيراد، التقليص أو تعليق الرسوم الجمركية المطبقة على واردات هذه المواد، وقد عمدت الحكومة خلال السنوات الماضية إلى تفعيل هذا الإجراء بالنسبة إلى مجموعة من المواد، كالحبوب والقطاني والحليب والزبدة والأبقار وغيرها.

وفي ما يتعلق بعمليات المراقبة، سواء تعلقت بمراقبة الأسعار ومحاربة الاحتكارات والممارسات المخلة للتكوين الطبيعي للأسعار، أو مراقبة سلامة المواد الغذائية، أفادت الوزيرة بأنه استعدادا لشهر رمضان الأبرك يتم كذلك عقد سلسلة من الاجتماعات التواصلية، من أجل تدارس كيفية تفعيل هذه المراقبة وجعلها أكثر نجاعة من خلال التنسيق بين الهيئات المخول لها هذه المراقبة، خاصة المراقبين التابعين لوزارة الداخلية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، حيث تتم عمليات المراقبة في إطار لجان مختلطة محلية تحت إشراف الولاة والعمال، وتقوم هذه اللجان بخرجات ميدانية منتظمة لمراقبة نقاط البيع والمطاعم الجماعية والمؤسسات الصناعية للمواد، بالإضافة إلى ذلك تقوم فرق المراقبة المتنقلة بعمليات تحسيس لأرباب نقاط البيع عبر إسداء بعض النصائح ومدهم بملصقات تقدم شروط السلامة الصحية الواجب احترامها.

وعقدت اللجنة الوزارية المشتركة لليقظة وتتبع تموين الأسواق والأسعار اجتماعا، في بداية الشهر الجاري بمقر وزارة الداخلية، استعدادا لشهر رمضان لهذه السنة، وذلك بحضور وزير الداخلية، ووزيرة الاقتصاد والمالية، ووزير الصحة والحماية الاجتماعية، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزير الصناعة والتجارة، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وكاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المكلفة بالصيد البحري.

كما حضر الاجتماع المديرون العامون لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والمكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، والمكتب الوطني للصيد. وشارك في الاجتماع عن بعد ولاة الجهات وعمال عمالات وأقاليم وعمالات مقاطعات المملكة والكتاب العامون ورؤساء أقسام الشؤون الداخلية ورؤساء أقسام الشؤون الاقتصادية بالعمالات والأقاليم ورؤساء المصالح اللاممركزة ذات الصلة.

وذكر بلاغ لوزارة الداخلية أن انعقاد هذا الاجتماع الموسع، يأتي تكريسا للتوجيهات الملكية السامية التي تحث على توفير الظروف المثلى تهيؤا لشهر رمضان الفضيل، من خلال العمل على ضمان وفرة وانتظام التموين، وتعزيز آليات تتبع ومراقبة وضبط الأسواق، والتصدي بحزم لكافة أشكال المضاربة والتلاعب بالأسعار وباقي الممارسات غير المشروعة، التي من شأنها تعطيل السير الطبيعي للأسواق والإضرار بصحة المواطنين وسلامتهم، والمس بحقوق المستهلكين وبقدرتهم الشرائية.

ففيما يخص وضعية تموين السوق الوطنية والأسواق المحلية، أشار البلاغ إلى أنه تم خلال هذا الاجتماع الوقوف، وفقا للمعطيات المقدمة من قبل مسؤولي القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية وخلاصات الأبحاث الميدانية المجراة بمختلف العمالات والأقاليم، على أن تموين الأسواق بمختلف المواد الاستهلاكية يظل في مساره الطبيعي.

وأوضح البلاغ أن المخزونات المتوفرة، مع الإنتاج المرتقب والعرض المتوقع توفيره خلال الأسابيع المقبلة، تعد كافية لتلبية حاجيات الاستهلاك من المواد الأساسية خلال شهر رمضان المبارك والأشهر التي تليه، مضيفا أن الإجراءات والتدابير الاستباقية التي اعتمدتها السلطات الحكومية والمصالح الإدارية المختصة، بالتنسيق مع الفاعلين الاقتصاديين، لعبت دورا محوريا في تأمين متطلبات الأسواق الوطنية، وتفادي أي نقص في التموين من مختلف المواد الأساسية، بما في ذلك المنتجات الفلاحية، وذلك على الرغم من التحديات المرتبطة بندرة الأمطار ونقص الموارد المائية.

الحكومة والتضخم ..تحديات تدبيرية لحماية القدرة الشرائية

 

تواجه الحكومة تحديات اقتصادية متزايدة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، التي أثرت بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين وزادت من الضغط على القطاعات الحيوية. هذا الوضع دفع الحكومة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات بهدف الحد من آثار التضخم وضبط الأسعار، في ظل متغيرات اقتصادية دولية ومحلية معقدة.

التضخم في المغرب لم يكن معزولًا عن السياق الدولي، حيث تأثرت البلاد بتداعيات الأزمات العالمية، مثل ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية، والتغيرات في سلاسل التوريد، والتوترات الجيوسياسية التي أدت إلى تقلبات حادة في الأسواق. إضافة إلى ذلك، فإن العوامل المناخية، مثل الجفاف الذي ضرب المغرب خلال السنوات الأخيرة، ساهمت في تقليل الإنتاج الزراعي ورفع أسعار المنتجات الغذائية. هذه العوامل مجتمعة خلقت ضغوطًا تضخمية غير مسبوقة، ما جعل الحكومة أمام اختبار حقيقي لإيجاد حلول فعالة تخفف من معاناة المواطنين وتحافظ على التوازن الاقتصادي.

في محاولة لضبط الأسعار، قامت الحكومة بعدد من التدابير التي استهدفت القطاعات الأكثر تأثرًا، مثل المواد الغذائية والطاقة والنقل. أحد أهم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة هو دعم أسعار بعض المواد الأساسية، عبر تعزيز صندوق المقاصة الذي يُستخدم للحفاظ على استقرار أسعار المواد المدعمة مثل الغاز والسكر والدقيق. وعلى الرغم من أن هذا الدعم مكلف لخزينة الدولة، إلا أنه يظل وسيلة ضرورية لحماية الفئات الهشة من الارتفاعات الحادة في الأسعار.

كما لجأت الحكومة إلى تقديم دعم مباشر لبعض الفئات المتضررة، مثل العاملين في قطاع النقل، حيث تم تخصيص مساعدات مالية لتعويضهم عن ارتفاع أسعار المحروقات. وجاء هذا الإجراء بعد احتجاجات واسعة من قبل مهني النقل الذين اعتبروا أن ارتفاع أسعار الوقود أثر بشكل كبير على دخلهم، وبالتالي على أسعار نقل البضائع والمسافرين، مما ساهم في زيادة الضغوط التضخمية في مختلف القطاعات.

علاوة على ذلك، شددت الحكومة الرقابة على الأسواق لضمان عدم استغلال ارتفاع الأسعار لتحقيق أرباح غير مشروعة من قبل المضاربين والوسطاء. وتم اتخاذ إجراءات لضبط عمليات التوزيع والحد من الاحتكار، من خلال تكثيف حملات التفتيش والتدخل ضد أي ممارسات قد تؤدي إلى رفع غير مبرر للأسعار. ورغم هذه الجهود، لا تزال الأسواق تعاني من اضطرابات، حيث تبرز مشكلة الفجوة بين الأسعار عند الإنتاج والأسعار النهائية للمستهلك، مما يعكس وجود اختلالات في سلاسل التوزيع والتسويق.

من جهة أخرى، سعت الحكومة إلى معالجة التضخم عبر السياسة النقدية، بالتعاون مع بنك المغرب الذي قام برفع سعر الفائدة الأساسي بهدف كبح جماح التضخم وتقليل السيولة النقدية في السوق. ورغم أن هذه الخطوة تهدف إلى الحد من ارتفاع الأسعار، إلا أن لها تأثيرات جانبية، أبرزها ارتفاع تكلفة القروض، مما قد يؤثر على الاستثمار والنمو الاقتصادي.

والقطاع الفلاحي كان أيضًا محور اهتمام الحكومة، خاصة أن أسعار المواد الغذائية تشكل النسبة الأكبر من معدلات التضخم في المغرب. لهذا، تم إطلاق برامج لدعم الإنتاج الفلاحي وتعزيز الأمن الغذائي، من خلال تقديم مساعدات للفلاحين الصغار والمتوسطين وتوفير الدعم لاقتناء البذور والأسمدة، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع تحلية المياه وتدبير الموارد المائية لضمان استمرارية الإنتاج الزراعي في ظل تراجع التساقطات المطرية.

إضافة إلى التدابير الاقتصادية، اعتادت الحكومة على التواصل مع المواطنين لشرح أسباب التضخم والإجراءات المتخذة لمواجهته، غير أن هذا التواصل لم يكن دائمًا كافيًا لطمأنة المواطنين الذين يشعرون بأن الإجراءات الحكومية لم تؤثر بشكل مباشر على أسعار المواد الاستهلاكية، خصوصًا مع استمرار ارتفاع أسعار اللحوم والخضر والمواد الأساسية الأخرى رغم التدخلات الحكومية.

التحديات التي تواجه الحكومة في محاربة التضخم لا تقتصر فقط على العوامل الداخلية، بل تمتد إلى التأثيرات الخارجية التي تجعل التحكم في الأسعار مسألة معقدة. فارتفاع أسعار النفط والمواد الأولية عالميًا، واضطراب سلاسل التوريد، وتغيرات سعر الصرف، كلها عوامل خارجة عن سيطرة الحكومة، لكنها تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المغربي.

في ظل هذه المعطيات، يتطلب التصدي لمشكلة التضخم نهجًا شاملاً يجمع بين التدخلات الاقتصادية قصيرة المدى، مثل دعم الأسعار ومراقبة الأسواق، والإصلاحات الهيكلية طويلة المدى، مثل تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين سلاسل التوزيع، والاستثمار في الطاقات المتجددة للحد من التبعية لأسواق الطاقة العالمية. كما أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يستلزم أيضًا تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات المتضررة، من خلال توسيع برامج الدعم الاجتماعي وتحسين الأجور بما يتناسب مع تكلفة المعيشة.

الحكومة المغربية تجد نفسها أمام تحديات معقدة في مواجهة التضخم، حيث إن نجاح سياساتها يرتبط بمدى قدرتها على تحقيق توازن بين التدخل في السوق دون إضعاف التنافسية الاقتصادية، وضمان حماية المستهلكين دون إثقال كاهل المالية العامة للدولة. وفي ظل استمرار الضغوط التضخمية، ستظل هذه القضية في صلب النقاش الاقتصادي والاجتماعي، حيث يترقب المواطنون مدى نجاعة التدابير الحكومية وتأثيرها على حياتهم اليومية.


شركات ساهمت في التضخم برفع الأسعار وزيادة هوامش ربح غير معقولة

 

أفاد التقرير السنوي لمجلس المنافسة برسم سنة 2023، والذي رفعه رئيس المجلس، أحمد رحو، إلى الملك محمد السادس، بأن التضخم وصل إلى مستويات قياسية، خلال السنة الماضية، وكشف التقرير وجود جشع لبعض الشركات الكبرى ساهم في ارتفاع التضخم، حيث تعمدت هذه الشركات الرفع من الأسعار للزيادة في هوامش الربح بطريقة غير معقولة.

وأكد التقرير أن ارتفـاع التضخـم استمر بـوتيرة حـادة نسـبيا في سـنة 2023، مسـجلا مسـتويات عاليـة مقارنـة بـفترة مـا قبـل انـدلاع الجائحـة أو حتـى بدايـة التعافي ما بعد الجائحة، ووفقـا لتقديـرات المندوبيـة السـامية للتخطيـط، سـجل التضخـم الإجمالي في سـنة 2023 نسـبة متوسـطة قـدرت ب 6,1 في المائة، مقابـل 6,6 في المائة في 2022، وبلغ التضخـم ذروتـه في شـهر فبرايـر بنسـبة وصلـت إلى 10,1 في المائة على أسـاس سـنوي، قبـل أن يتباطـأ تدريجيـا ليصل إلى نسبة 3,4 في المائة في شهر دجنبر.

وأوضح التقرير أنه في الوقـت الـذي اقترنت أسـباب تضخـم 2022 أساسـا بالصدمـات الخارجيـة للعـرض، مـن خلال أسـعار الـواردات التـي تسـببت في تضخـم تكاليـف الإنتـاج والبيـع للمسـتهلكين النهائـيين، ارتبـط تضخـم 2023 على العكـس بسـياق مطبـوع بتراجـع الضغـوط التضخميـة الخارجيـة وإن بحـدة أقـل، وأدى ذلـك إلى تـأثير عـدة محـددات على تطـوره، لا سـيما في تخفيـف الضغـوط التضخمية المستمرة التي امتدت حتى الأشهر الأولى من عام 2023.

وأكد التقرير أن أسـباب التضخـم المسـتورد تراجعت بشـكل ملحـوظ على اعتبـار أن التضخـم لم يتأثـر إلا قلــيلا بالمكونــات المتقلبــة، خاصــة المــواد الغذائيــة والمحروقــات، بيــد أن تداعيــات الصدمــات المناخيـة على العـرض الـداخلي للمنتجـات الغذائيـة شـكلت عـاملا حـاسما في التذبـذب الظـرفي لأسعار بعض المنتجات، وفي مقدمتها الخضر والفواكه.

وعلاوة على صدمــات العــرض الماكرو-اقتصاديــة، يضيف التقرير، لا يجــب إغفــال أنــواع أخــرى مــن الصدمـات الميكرو-اقتصاديـة، وتنبثـق هـذه الأخيرة مـن قـدرة الشركات المتمتعـة بقـوة سـوقية على رفـع الأسـعار لجنـي مكاسـب مـن التضخـم، لاسـيما مـن خلال الزيـادة غير المعقولـة في هوامش الربح، وأوضح التقرير أن هذه الظاهرة تعرف في الأدبيات الاقتصادية باسـم “الجشـع التضخمـي”، وينضـاف هـذا المصطلـح إلى ممارسـات أخـرى على حافـة الشرعيـة والتـي أخـذت تكتشـف في عــدة أســواق، على غــرار “التضخــم الانــكماشي”، و”تضخــم الســلع الرخيصة”.

وكشـف التحليـل المفصـل لتطـور التضخـم في 2023 أن هذا الأخير يظـل مدفوعا بالمـواد الغذائيـة التـي تبقـى أسـعارها متذبذبـة، ووفقـا لحسـابات المندوبيـة السـامية للتخطيـط، يعـد ارتفـاع التضخـم الإجمالي نتيجـة لزيـادة متوسـطة للرقـم الاسـتدلالي للمواد الغذائية بنسبة 12,7 في المائة والمواد غير الغذائية بنسبة 1,7 في المائة، وأشار التقرير إلى أن تضخـم المـواد الغذائيـة تجـاوز المسـتويات المسـجلة في 2022، والتـي بلــغ فيهــا نســبة 10,9 في المائة، وذلــك بالرغــم مــن انحســار التضخــم الإجمالي والأســاسي، فسر مجلس المنافسة ذلـك، بـأن تضخـم هـذه المنتوجـات ظـل في مسـتويات أعلى مـن ذروة التضخـم الإجمالي في الـفترة الممتـدة مـن يونيـو 2022 إلى غشـت 2023، أي على امتـداد أكثر مـن 12 شهرا، كما بلغت أعلى نقطة لهذا التضخم ذروة التضخم الإجمالي في فبراير 2023.

وتنـدرج المنتجـات المكونـة للسـلة التـي تسـتهلكها الأسر يوميـا ضمـن أصنـاف المـواد الغذائيـة التــي شــهدت تضــخما مســتمرا في ســنة 2023، وســجلت هــذة الأخيرة أعلى المعــدلات، لاســيما الــخضر (28,6 في المائة) والفواكــه (27,1 في المائة) ومنتجــات الألبــان والبيــض (13,3 في المائة) واللحــوم (11,5 في المائة)، وبالنســبة لعديــد مــن هــذه المنتجــات، ارتفعــت الأسـعار بشـكل حـاد في الأسـواق، خاصـة بعـض أنـواع الـخضر على غـرار الطماطـم والبصـل، وكذا اللحوم الحمراء والبيض.

وتطرق تقرير مجلس المنافسة إلى التدابير السياسية المتخذة لكبح التضخم، مبرزا أن رهــان السياســة الاقتصاديــة في ســنة 2023، ارتكز على تحقيــق هــدف مــزدوج لمواجهــة التضخــم، وتمثــل في التخفيــف مــن حدتــه عبر خفضــه إلى مســتويات قابلــة للتحكــم فيهــا مــن جهــة، والحيلولــة دون إطالــة أمــد الضغــوط التضخميـة من جهـة ثانية، واســتندت هــذه السياســة، وفق المصدر ذاته، إلى مجموعــة مــن التــدابير التــي أشرفــت عليهــا الحكومــة والبنك المركزي.

وبخصوص التدابير الحكوميــة، يضيف التقرير، انصبــت المقاربــة المعتمــدة لتقليــص الضغــوط التضخميــة على تحـسين عـرض المنتجـات، الغذائيـة على الخصـوص، مـع ضمان حسـن سير أسـواقها، وتوخـت كذلك تعزيز دينامية الطلب عبر دعم القدرة الشرائية، حيث أبقـت الحكومـة على المبالـغ الموجهـة لدعـم الاسـتهلاك، خاصـة غـاز البوتـان والسـكر الخام والمكرر، وحصص الدقيق الوطني للقمح اللين.

مـوازاة مـع ذلـك، عمـدت الحكومـة بـدءا مـن فاتـح شـتنبر 2023 إلى إقـرار نسـبة زيـادة في الحـد الأدنى القانـوني للأجـر في النشـاطات الفلاحيـة وغير الفلاحيـة، لتعزيـز مداخيـل “الأجـور المنخفضـة”، وطبقـا لذلـك ارتفـع هـذا الأجـر في الأنشـطة الفلاحيـة مـن 84,73 درهـم في اليـوم إلى 88,58 درهـم في اليـوم، في حين ارتفـع هـذا الأجـر في الأنشـطة غير الفلاحيـة مـن 15,55

درهم في الساعة إلى 16,29 درهم في الساعة.

إضافـة إلى ذلـك، كانـت مقتضيـات قانـون الماليـة لسـنة 2022 قـد نصـت على وقـف اسـتيفاء رسـوم الاسـتيراد المطبقـة على الأبقـار الأليفـة إلى غايـة 31 دجـنبر 2023، وفي حـدود حصـة قدرها 200 ألف رأس، كما تضمـن قانـون الماليـة لسـنة 2023 تـدابير جبائيـة سـاعدت على احتـواء تضخـم عـدد مـن المنتجـات الأساسـية، وشـملت، على سـبيل المثـال، إعفـاء الأعلاف البسـيطة الموجهة لتغذيـة المواشي وحيوانــات المــزارع مــن الضريبــة على القيمــة المضافــة، وإعفــاء بعــض الأدويــة والمنتجــات الصيدلية من رسم الاستيراد.

وتطبيقــا للتعلــيمات الملكيــة، وقعــت الحكومــة في ســنة 2023 على اتفاقيـة إطـار ُخصـص بموجبهـا غلاف إجمالي قـدره 10 ملايير درهـم بهـدف التخفيـف مـن تداعيات الجفاف والظرفية العالمية على النشاط الفلاحي، وإعادة توازن سلاسل الإنتاج، واسـتمرت الحكومـة في تخصيـص دعـم اسـتثنائي للمهنـيين العامـلين في قطـاع النقـل، خاصـة في الـفترات مـن سـنة 2023 التـي عـاودت فيهـا أسـعار المحروقـات اتجاههـا التصاعـدي، بغيـة التخفيف من الضغوط التضخمية على نقل المسافرين والبضائع، وتعـززت هـذه التـدابير قـصيرة المـدى بإجـراءات أكثر هيكليـة اسـتهدفت الحـد مـن اسـتمرار الضغـوط التضخميـة، على غـرار تنزيـل الـورش المـلكي المتعلـق بالحمايـة الاجتماعيـة، والرامـي إلى إعـادة ضبـط تـوازن الطلـب، وتكويـن مخـزون احتياطـي الـذي تسـتوخي غايتـه الحـد مـن تذبذبات أسعار بعض المنتجات.

*رئيس الجامعة الوطنية لحماية وتوجيه المستهلك

بوعزة خراطي*: «غياب مصالح مكلفة بالرقابة على الغش يؤثر على المستهلك والسوق»

يرى بوعزة خراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية وتوجيه المستهلك، أن «الغش التجاري يعتبر من الظواهر التي تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، حيث يؤدي إلى تراجع جودة المنتجات، وارتفاع الأسعار، وتهديد صحة وسلامة المستهلكين»، موضحا أنه «ورغم وجود قوانين منظمة لحماية المستهلك ومحاربة الغش، إلا أن ضعف آليات الرقابة وغياب السلطات المختصة في تتبع المخالفات يساهمان في تفشي هذه الظاهرة، ما ينعكس سلبا على السوق والاقتصاد بشكل عام»، وأشار إلى أن «ضعف آليات الرقابة وعدم تفعيل القوانين الصارمة إلى انتشار المنتجات المغشوشة في الأسواق، سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية، أو الأدوية، أو الملابس، أو قطع الغيار. ويجد المستهلك نفسه أمام سلع مجهولة المصدر أو غير مطابقة للمعايير الصحية، مما يشكل خطرا على صحته وأمنه. ويزداد هذا الوضع سوءا مع ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، مثل وزارة التجارة والصناعة، والجمارك، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية» يضيف المتحدث.

من جانب آخر، أوضح خراطي أن «انتشار الغش يضر بالتجار والمنتجين الذين يلتزمون بالمعايير القانونية، حيث يجدون أنفسهم في منافسة غير عادلة مع من يطرحون منتجات منخفضة الجودة بأسعار أقل. هذا الأمر يؤدي إلى فقدان الثقة في السوق، ويؤثر على سمعة المنتجات المغربية، مما يضعف الاستثمارات ويحد من فرص النمو الاقتصادي»، مضيفا أنه لا «يقتصر تأثير غياب الرقابة على جودة المنتجات فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد الوطني ككل. إذ يؤدي الغش التجاري إلى خسائر كبيرة في الإيرادات الضريبية، نتيجة انتشار الاقتصاد غير المهيكل وتهرب التجار من التصريح بمداخيلهم. كما يؤثر ذلك على مناخ الاستثمار، حيث يتردد المستثمرون في دخول سوق غير منظم يفتقر إلى قواعد المنافسة الشريفة»، مشددا على أن «الغش في المواد الغذائية والأدوية يعد خطرا مباشرا على صحة المواطنين، إذ تؤكد تقارير جمعيات حماية المستهلك تسجيل حالات تسمم غذائي، بسبب استهلاك مواد غير مطابقة للمعايير الصحية. كما أن غياب الرقابة على الأدوية يؤدي إلى تداول عقاقير مغشوشة، قد تكون غير فعالة أو حتى خطيرة».

وأشار خراطي إلى أنه «مع تزايد التحديات الاقتصادية والتجارية أصبح دور جمعية حماية المستهلك دورا محوريا في مراقبة الأسعار، والتصدي للممارسات غير المشروعة، وتوعية المستهلكين بحقوقهم وواجباتهم»، مبرزا أنهم يشتغلون على مراقبة جودة المنتجات والخدمات، من خلال متابعة السلع المعروضة في الأسواق والتأكد من مطابقتها للمعايير الصحية والقانونية، وأيضا  التصدي للغش التجاري والاحتكار عبر رصد أي تجاوزات مثل بيع منتجات منتهية الصلاحية، أو التلاعب بالأسعار، أو فرض شروط غير عادلة على المستهلكين، مؤكدا على ضرورة «نشر التوعية الاستهلاكية بتنظيم حملات إعلامية حول حقوق المستهلك وطرق التعامل مع المشكلات التي قد تواجهه عند شراء السلع أو الخدمات، وذلك مع تنسق مع السلطات الحكومية، مثل وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الصحة والمجالس البلدية، لضمان تطبيق القوانين التي تحمي المستهلكين»، إضافة إلى ذلك «تقدم الجمعيات استشارات قانونية للمستهلكين الذين يتعرضون لمشاكل مع التجار أو الشركات، وتساعدهم على تقديم شكاوى رسمية والدفاع عن حقوقهم أمام الجهات المختصة»، حسب خراطي.

ورغم الدور المهم الذي تلعبه جمعيات حماية المستهلك، إلا أنها تواجه تحديات تؤثر على فعاليتها، يرى خراطي أن من بينها  «ضعف الإمكانيات المالية والبشرية، حيث تعاني بعض الجمعيات من نقص التمويل والموارد البشرية المؤهلة لتغطية جميع القضايا المتعلقة بحماية المستهلك. كما تعاني هذه الجمعيات من قلة التفاعل الرسمي مع تقاريرها وتوصياتها، حيث لا تحظى بالاهتمام الكافي من الجهات المعنية. بالإضافة إلى ذلك، يشكل تنامي السوق غير المهيكل عائقا أمام جهود الرقابة، إذ يتم تداول العديد من السلع خارج الأطر الرسمية، مما يجعل من الصعب ضبط المنتجات غير المطابقة للمعايير. علاوة على ذلك، لا يزال نقص الوعي الاستهلاكي يشكل تحديا كبيرا، حيث يجهل العديد من المستهلكين حقوقهم، مما يسهل وقوعهم ضحية للممارسات التجارية غير العادلة».

وشدد المتحدث على أنه «لتعزيز دور جمعيات حماية المستهلك في المغرب يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات، مثل تقديم دعم مالي ولوجستي لهذه الجمعيات من قبل الدولة والقطاع الخاص لتعزيز قدرتها على أداء مهامها بفعالية أكبر. كما يجب تعزيز التعاون مع السلطات الحكومية لضمان تنفيذ القوانين التي تحمي المستهلكين بشكل صارم. إلى جانب ذلك، ينبغي توسيع نطاق التوعية عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لتحفيز المستهلكين على الدفاع عن حقوقهم. كما أن تطوير آليات التبليغ عن المخالفات، من خلال إنشاء منصات إلكترونية أو تطبيقات تتيح للمستهلكين تقديم شكاواهم بسهولة وسرعة، من شأنه أن يسهم في تعزيز الرقابة على الأسواق وضمان حماية أكبر للمستهلكين».

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي

عبد الحفيظ أدمينو*: «مبدأ حرية الأسعار يقيد تدخل الحكومة في الأسواق»

 

  • ما المداخل التي منحها القانون للحكومة من أجل ضبط الأسعار؟

تجب الإشارة إلى أن موضوع ضبط الأسواق يخضع لمعايير أساسية تتمثل في حرية الأسعار والمنافسة. هذان المبدآن يؤطران تدخل الحكومة ويكبلانها في مجال التدخل في الأسعار والمنافسة، والمكانات القانونية التي تتوفر عليها الحكومة اليوم تقتصر أساسا على منع احتكار السلع والمنتجات والحفاظ على سلامة وصحة المواطنين، على اعتبار أن السوق تخضع لمنطق العرض والطلب، ومهمة الحكومة، في هذا الجانب، هي توفير السلع التي عليها الطلب من خلال توفيرها عبر عدة إجراءات، من قبيل رفع  رسوم الاستيراد ومنع تصدير تلك المواد للخارج ومنع الاحتكار. وفي هذا السياق يمكن القول إن الحكومة عملت على ضمان وفرة المنتجات الغذائية من خلال تشجيع الاستيراد وتقليل العوائق أمام دخول بعض السلع إلى السوق الوطنية. جرى، كذلك، التنسيق مع الفاعلين في قطاعي الفلاحة والتجارة لتأمين تدفق سلس للمنتجات، خاصة مع اقتراب المواسم التي تشهد ارتفاعاً في الطلب، مثل شهر رمضان.

ونظراً لأهمية أسعار المحروقات في تحديد تكلفة النقل والتوزيع، اتخذت الحكومة إجراءات لدعم مهنيي النقل، وذلك عبر تقديم دعم مالي مباشر لشركات النقل العمومي والتجار المتضررين من ارتفاع أسعار الوقود. وتم، أيضا، البحث عن حلول بديلة من خلال تعزيز الطاقات المتجددة لتقليل التأثر بتقلبات السوق العالمية، غير أنه، ورغم هذه الجهود، لا تزال الحكومة تواجه تحديات كبيرة في ضبط الأسعار، سيما مع استمرار التقلبات في الأسواق الدولية وتأثيرها المباشر على الأسعار الداخلية، ومع ذلك، يظل الرهان الأساسي هو تحقيق توازن بين تحفيز الإنتاج المحلي، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وضبط السوق عبر سياسات أكثر فاعلية.

 

  • ما مدى فعالية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من ارتفاع الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين؟

 

في السنوات الأخيرة يعيش الاقتصاد الوطني على وقع موجة تضخم أثرت بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ سلسلة من التدابير للحد من تداعيات هذا الوضع الاقتصادي الصعب. ورغم الجهود المبذولة، يبقى التساؤل مطروحًا حول مدى فعالية هذه الإجراءات، وهل حققت النتائج المرجوة في كبح ارتفاع الأسعار وتحسين الأوضاع المعيشية.

هنا وجب الوقوف على بعض الإجراءات التي تم اتخاذها، من قبيل الاستمرار في دعم المواد الأساسية عبر صندوق المقاصة، خاصة السكر والدقيق وغاز البوتان، للحفاظ على استقرار أسعارها، وأيضا تقديم دعم مالي لمهنيي النقل لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات، بهدف الحد من انعكاس تكاليف النقل على أسعار المواد الاستهلاكية، وتعزيز المراقبة على الأسواق لمكافحة المضاربة والاحتكار، من خلال تكثيف حملات التفتيش وتوقيع عقوبات على المخالفين، وتشجيع الاستيراد لضمان وفرة المواد الغذائية الأساسية وتجنب نقص المنتجات الذي قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

غير أنه، رغم هذه الجهود، ثمة العديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشير إلى أن التضخم لا يزال يؤثر على الأسر المغربية، سيما الفئات محدودة الدخل. وفي هذا السياق، يمكن القول إنه، رغم الدعم الموجه لبعض المنتجات، فإن أسعار العديد من المواد الغذائية والطاقة والخدمات لا تزال مرتفعة، ما يحد من تأثير الإجراءات الحكومية على تحسين القدرة الشرائية، وبينما ساهمت التدخلات الحكومية في الحد من الارتفاع الحاد لأسعار بعض السلع، إلا أن ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً وتأثر الأسواق بسلاسل التوريد الدولية جعلا من الصعب تحقيق استقرار كلي للأسعار، ورغم تعزيز آليات المراقبة، لا تزال الأسواق تشهد تباينًا في الأسعار بين مختلف المناطق، ما يعكس استمرار بعض أشكال الاحتكار وضعف فعالية الرقابة في بعض القطاعات، علما أن الحكومة لم تُحقق بعد تحولًا جوهريًا في تعزيز الإنتاج المحلي للحد من التبعية للأسواق الخارجية، ما يجعل الاقتصاد الوطني عرضة لتأثيرات التضخم المستورد.

  • ما التحديات التي تواجه الحكومة في هذا الجانب؟

 

لا شك أن الإجراءات الحكومية خففت جزئيًا من تداعيات التضخم، لكنها لم تتمكن من القضاء عليه بشكل كامل. ومن بين التحديات، التي تواجهها الحكومة، الحاجة إلى سياسات أكثر استدامة بدلًا من التدخلات المؤقتة، وتعزيز الإنتاج الوطني لتحقيق الأمن الغذائي والحد من الاستيراد، وتحسين دخل المواطنين عبر سياسات أجور متوازنة مع مستوى الأسعار، بالإضافة إلى مراجعة السياسات الضريبية لضبط الأسعار وتقليل الضغط على المستهلكين.

 

 

 

   

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى