
المقصود من «ما ياكلوش الثومة بفمكم»، هو أن نحرص على التصدي لمن يستغل توجهنا الغنائي ويزج بنا في متاهات سياسية مثلا، فأكل الثوم بفم الغير يعبر عن سلوك الشخص الذي يستفيد من شيء ما دون أن يتحمل تبعاته أو آثاره السلبية. الحسن الثاني كانت له ملاحظات في صميم الفن، ذات يوم دعانا لنغني في القصر فاكتشفت أنه يتأمل في أوتار «بانجو» علال، وتناول الكلمة ليشرح لنا الفرق بين «السنيترة» و«البانجو» كما تعمق في الحديث عن الربع الموسيقي، وهو يشرح لعلال تفاصيل الأوتار واختلاف أنواع أدوات العزف والربع الموسيقي، كان علال قد أحدث تغييرا في «البانجو» ويقدم شروحات عميقة تبين من خلالها أن الملك عارف جيدا بالموروث الغنائي الأصيل.
متى كان أول دخول لك إلى القصر الملكي؟
أول لقاء لي مع الملك الحسن الثاني يعود لسنة 1969 رفقة فنانين آخرين، من ضمنهم الفنان بلقاس، الذي كانت له علاقة خاصة بالملك، دخلنا من أجل عرض مسرحي. في ذلك اللقاء اقترحت على بلقاس أن نغني أغنية «قطتي»، كنا نحفظها عن ظهر قلب، أخبرنا الملك بالمقترح فأنصت إلينا بإمعان، أدينا الأغنية التي لاقت استحسان الحسن الثاني، لم أكن أعلم صاحب هذه القطعة، فأخبرنا أن أول من كتبها هو الشاعر المصري أحمد شوقي وأنها توجد في المقرر المدرسي.
وما قصة أغنية النحلة شامة؟
قدمنا عرضا أمام الملك الحسن الثاني في القصر الملكي نحن وفرقة جيل جيلالة، وفي نهايته سألنا لماذا لا نغني قصيدة النحلة، شخصيا لم أجد جوابا بينما أعضاء فرقة جيل جيلالة تخصصوا في الملحون ولهم معرفة بهذا النوع. لاحظ الملك صمتنا فحكى لنا عن سلطانة النحلة التي كانت تدخل عند السلطان متسللة لتقول له إن ما يقوله لك الوزراء عن أحوال الشعب كذب وبهتان. ستمر الأيام وستغنيها فرقة جيل جيلالة أمام الحسن الثاني وسجلوها في كاسيط.
غنتها ناس الغيوان أيضا..
مرت الأيام وطلبت من رشيد باطما، وهو «عفريت» في التنقيب في التراث الشعبي، البحث عن النحلة شامة، فعثر على القصيدة في كتاب لمحمد الفاسي وكان قد كتبها الشاعر التهامي المدغري، علما أنها ترجمت للفرنسية سنة 1930 في عهد الحماية، وتدخل في صنف قصائد الجهاد التي سجلها شاعر الملحون الذي دافع عن العدل رافضا الظلم في قصيدة يسجل فيها الزجال تصوره السياسي لعلاقة السلطان بالرعية على لسان النحلة:
السلطان طبيب والراعي مضرور والوزير ما يبلغ الأخبار
ويجيب الشربة لمن انضر ويلا خان الوزير بعدت المزارة
قلت لها الحق والحق عليه النور ما خفى نوره على الأفكار
من يمشي في النور ما عثر والماشي في الظلام خيله عثارة
هنا يوافق السلطان على كلام شامة حين توجه أصابع الاتهام إلى بطانته ويصفهم بأوصاف أقلها أنهم لا يبلغونه أخبار الرعية ولا يقومون بمسؤولياتهم، وهنا نلاحظ أن شاعر الملحون ابن شرعي لواقعه يتفاعل معه ويقوم بدوره من النصيحة للسلطان على المستوى السياسي وهو يدافع بقوة عن قيم العدل وحقوق الإنسان المغربي في فترة زمنية قديمة.
أغنية النحلة كانت انطلاقة جديدة للمجموعة، أليس كذلك؟
أغنية النحلة شامة فتحت أفقا جديدا وقطيعة لاجترار القديم من الأغاني، مع بناء مرحلة جديدة من الإبداع على الأرضية الغيوانية، ضمانا للاستمرارية.
ما رأيك في الفنانين الذين يتغنون بأعمالكم بنمط موسيقي جديد بعيدا عن الدف وطام طام؟
الجيل الحالي من الفنانين يهتم كثيرا بثقافة الأجيال السابقة والتراث الموسيقي المغربي، ويقبل على إعادة طرح أعمال الرواد بطريقته الخاصة، بتوظيف الآلات الموسيقية الحديثة لمسايرة العصر الفني الحالي. الجميل أنه لا يقتصر فقط على إعادة أغاني ناس الغيوان بإدخال آلات غربية وفق منظوره الفني العصري، إنما هناك العديد من الشباب المولوعين بمجموعة من الرواد، ضمنهم عبد الوهاب الدكالي، وعبد الهادي بلخياط، والحياني، نعيمة سميح، والغرباوي، وغيرهم من الأسماء الرائدة في المجال الفني.