الحزب الحاكم ليس فوق القانون
عشية كل محطة انتخابية يختلق حزب العدالة والتنمية معركة وهمية ضد وزارة الداخلية لتشتيت الأنظار عن مجهر المحاسبة والمساءلة لعشر سنوات من التدبير البرلماني والحكومي والترابي، آخر ما أبدعته ماكينة دعاية الحزب الحاكم هو اتهام وزارة الداخلية بالتشطيب على قيادييه انتقاما منهم ومحاولة لتحجيم القوة الانتخابية للمصباح. والحال أن الأمر مجرد تضليل للرأي العام لكسب عائدات دور الضحية السياسية التي اعتاد الحزب على الاقتيات عليها في زمن الانتخابات كما في زمن التدبير الحكومي.
والحقيقة أن المبتدئ في القانون فبالأحرى برلمانيين معنيين بالتشطيب، يعرفون أن عملية تنقية اللوائح الانتخابية محددة ومؤطرة بضوابط إدارية ومساطر وآجالات قضائية وليست قرارا مزاجيا لوزير الداخلية ورجال الإدارة الترابية يحذفون من يشاؤون من قائمة الحقوق الدستورية ويسجلون من شاؤوا، وقتما شاؤوا. والمثير في الأمر أن يخرج الحزب الحاكم في حملة تشكيك على إجراءات واردة في قانون التسجيل في اللوائح الانتخابية التي صوت عليها بالأمس من يحتج عليها اليوم متدثرا بخطاب المظلومية والمؤامرة.
ما وقع من تشطيب للبرلماني عبد العالي حامي الدين وعبد الصمد سكال رئيس جهة الرباط، يعتبر بحكم القانون إجراء قانونيا وتقنيا عاديا، يهم مئات الآلاف من المواطنات والمواطنين المتوفرة فيهم شروط الموانع القانونية، اللهم إذا كان يعتبر رموز العدالة والتنمية أنهم كائنات سياسية فوق القانون الذي صوتوا عليه بأنفسهم. وكان على الحزب الحاكم أخلاقيا وسياسيا قبل أن يصدر بلاغه العشوائي بالتهجم على موظفين عموميين ذنبهم الوحيد أنهم تجرؤوا على تطبيق القانون في حق أشخاص يطلبون إضفاء الحصانة عليهم، أن يعلموا أن عملية المراجعة العادية والاستثنائية للمسجلين التي تعد مطلبا سياسيا لجميع الأحزاب السياسية شملت على مستوى عمالة الرباط لوحدها 14.357 مواطنا، بسبب وجود موانع تجعلهم مسجلين في دائرة لا يقيمون بها ولا تربطهم بها أي رابطة قانونية.
وبدل أن يفضل الحزب الحاكم الاصطياد في الماء العكر وإطلاق حملة تشكيك سياسي وإعلامي للعملية الانتخابية برمتها، كان حريا به أن يسائل رموزه على عدم احترام القانون بتسوية وضعيتهم بعد تغيير مقر إقامتهم. كان على الحزب قبل الارتماء في مستنقع المزايدات اللجوء إلى المساطر القضائية المتاحة لتصحيح وضعية المعنيين، داخل الآجال المحددة قانونا. فلا يمكن للقانون والمكلفين بإنفاذه أن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه خروقات واضحة لقانون التسجيل في اللوائح الانتخابية سواء أثناء ثبوت التسجيل في أكثر من دائرة أو بسبب الطعون المقدمة ضد الأشخاص بعدما فصل فيها القضاء، آنذاك ليس أمام اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية سوى تنفيذ أحكام قضائية نافذة يتعين الامتثال لها واحترامها من طرف الجميع، أفرادا ومؤسسات.
هاته المعركة الخاسرة للحزب الحاكم تظهر جليا أن كل شعاراته السابقة المطالبة بتنقية اللوائح الانتخابية من الموتى والمحكومين بشكل نهائي أو المغيرين لمقرات إقامتهم، ليست سوى مزايدات سياسية وشعارات شعبوية تتساقط بمجرد اصطدامها بمصالح الحزب وأهواء رموزه، فالحزب الحاكم لا يعرف سوى شعار “لا يمكن للقانون أن يكون على حساب الحزب”.