شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الحريرة قبل الكرة أحيانا

 

 

حسن البصري

في شارع محمد الخامس بالدار البيضاء قد تصادفك شابة في مقتبل العمر وهي تبيع عصير البرتقال، وضعت في عربتها صورها وهي تداعب الكرة، في محاولة لربط عصيرها الطري بطراوتها البدنية.

هناك متعاطفون يدعمون مشروع هذه الفتاة التي تبدو في أعلى درجات اليقظة، تحسبا لمداهمة قد تبعدها عن الشارع الرئيسي، أو تحجز عربتها وبرتقالها وصورها وترمي بها إلى أقرب «خيرية». وهناك أيضا من يرشقها بكلمات ليست كالكلمات وكائنات أخرى ترميها باللوم والعتاب، وتتهمها بالترويج لنهضة بركان، الفريق البرتقالي الذي سحب من تحت أقدام الوداد والرجاء لقب البطولة.

كثير من اللاعبات يجمعن بين البحث عن فرصة في الملاعب وبين البحث عن كسرة خبز معلقة، أشهرهن لطيفة التي تحاول التوفيق بين بيع الفطائر وحراسة مرمى فريق في عصبة الدار البيضاء، في ما يشبه مشروع «رياضة وحرشة».

ومع اقتراب حلول شهر رمضان تنتشر بائعات الحلويات وصانعات «الشهيوات»، ومن هن لاعبات متألقات يسكنهن طموح الريادة الكروية وعزيمة الاستقلال المادي.

قد نجد تفسيرا لقرار بعض العصب الجهوية لكرة القدم ببلادنا حين أعلنت عن توقيف البطولة النسائية إلى ما بعد رمضان، وهو ما تعزز ببلاغ رسمي صادر عن العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية، القاضي بتوقيف لعب اليافعات إلى ما بعد عيد الفطر.

صحيح أن القرار سيجنب اللاعبات السخرية المنبعثة من مدرجات الملاعب أثناء المباريات النسائية خلال شهر رمضان، حين تتكرر عبارة «سيري قابلة حريرتك»، «سيري لكوزينتك» وقس على ذلك من العبارات التي تربط المرأة بالمطبخ وتختزل دورها في إعداد الوجبات.

هناك دوريات عربية قامت بتسريح اللاعبات وتأجيل مباريات النسوة في شهر رمضان، حتى لا تكون النظرة الأولى للمتفرج له والثانية عليه. في مصر تأجل استئناف المنافسات الكروية الخاصة بالسيدات، إلى ما بعد إجازة عيد الفطر المبارك.

تبرير القائمين على الدوريات العربية لتجميد دوران الكرة النسائية، هو أن الأندية تعاني من لعب المباريات في رمضان، بسبب وجود لاعبات مغتربات يجدن عسرا في تحضير وجباتهن، ما سيؤثر عليهن، بسبب مواعد الإفطار والسحور، وضيق الوقت لإجراء التداريب قبل الإفطار وبعده.

لكن لماذا تتوقف مباريات الكرة النسائية وتستمر باقي الرياضات؟

هل نساء ألعاب القوى والملاكمة والجمباز وكرة السلة والمضرب لا حكم عليهن؟

ألا يسري حكم تجميد لعب النساء على الحكمات حاملات الصفارات، وهن الأكثر عرضة لانفلات المشجعين الصائمين، الذين ينقضون صيامهم في المدرجات، وحين يعودون إلى بيوتهم يرددون: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»؟

ما المانع من برمجة مباريات النسوة، بعد صلاة التراويح، حيث تكون التعبئة الروحية للمتفرجين في أعلى مؤشراتها؟

في ظل هذا السجال تسللت فتوى داعية مغربي تحرم مشاهدة مباريات النساء لكرة القدم، قبل الإفطار، دون أن يحدد ما إذا كانت فتواه تسري على المشاهدة الميدانية، أم خلف شاشة التلفزيون في غفلة عن الزوجة طبعا؟

الفتوى لا تختلف عن باقي الفتاوى المحلية والمستوردة التي تختزل المرأة في جسد، وتجعل الفرجة الرمضانية لمباريات الكرة النسائية ضربا للمفهوم الشامل للإمساك.

المعتدلون لا يمانعون في استمرار مباريات الدوري النسائي، لكنهم يشترطون ارتداء بذلات رياضية تراعي خصوصيات الشهر الفضيل، وتنهي العمل بقصار «الشورطات» الأقرب إلى التنورات، وتلغي القمصان الملتصقة بالأجساد.

وهناك من اجتهد وطالب بإجراء مباريات النسوة بدون جمهور، لدواع احترازية.

يعيدنا جدل منع ظهور النساء في الملاعب إلى طفولتنا، إلى أنشودة «أم الحمام» حين صادرت الخروج.

«قالت لهم في عشها.

قالت لهم لا تخرجوا

فضحكوا من قولها ولم يبالوا بالخطر».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى