
حسن البصري:
في مجتمع الكرة، ما زالت سياسة «الحايط لقصير» سارية المفعول، فكلما هبت رياح التغيير سقطت الحيطان القصيرة وظلت ناطحات السحاب شامخات.
في بنية التنظيمات الكروية، يصنف الحارس والمكلف بالأمتعة وسائق الحافلة والبستاني والمنظفة في خانة الحيطان القصيرة، وفي بنية الأندية يصبحون أكثر عرضة للرشق والهدم والقفز، يمارس عليهم عنف بنيوي يومي بسبب دنوهم من الأرض، لأن تسلق الحائط القصير لا يحتاج جهدا إلا إذا كان خشنا.
حين استوى عزيز البدراوي على كرسي رئاسة الرجاء الرياضي، أشعر المكلف بأمتعة النادي سابقا محمد رحيمي الشهير بـ «يوعري» بالاستعداد لمغادرة السكن «الوظيفي» في ملعب الوازيس. وفوجئ الرجل الذي قضى عمره في ترتيب حقائب سفر الفريق، ومازال ابنه مكلفا بأمتعة الفريق بالوراثة، وله أيضا مساهمة في تاريخ النادي من خلال ابنيه سفيان رحيمي وشقيقه الحسين.
صحيح أن يوعري «مسك عليه الله» ورزقه من حيث لا يحتسب، لكن لا بد من صيانة ذاكرة الرجاء مادام أبناؤه يخدمون النادي، حتى لا تختلط الأمور على الرئيس وينخرط في حملة تحرير الملك العمومي.
حين نصف المحافظ على الأمتعة الرياضية بـ «حامل الأمتعة» فهو حمال، وحين نعتبره مكلفا بالأمتعة فهو مسؤول يحمل تكليفا، لكن في الحالتين فهو الإنسان الأكثر تعايشا مع عرق اللاعبين.
قصة محمد رحيمي، قيدوم المكلفين بالأمتعة في فرقنا، تستحق أن نتوقف عندها، فقد كان في شبابه حارس مرمى يحاكي ياشين ويمني النفس بحراسة مرمى الرجاء، وحين كان يمسك بتلابيب حلمه تعرض لحادثة سير غيرت مجرى حياته، لكن «يوعري» وهذا هو لقبه تحول إلى مكلف بالأمتعة ونال نصيبه من الشهرة إلى أن أصبح صديق المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي وعبد الواحد معاش وصانع القفشات الخضراء.
لا أحد من عشاق جمع السيلفيات مع نجوم النادي يهتم بالمكلف بأمتعة الفريق، لكن الرجل يعرف خطورة مهمته التي لا تنحصر في شحن الكرات بالهواء وإعداد القمصان للمباريات، لذا كان «يوعري» يعتمد على فلذات كبده في عمله فزرع فيهم حب المهنة وأصبحوا يتنفسون رائحة العتاد الرياضي ويتعايشون معه، قبل أن يذكر ابنه بالقول المأثور «حرفة بوك ليغلبوك».
لكن ليست كل الصور بالألوان، وليس أبناء حراس الملاعب والقائمين على أمتعة الفرق بالضرورة مشاريع نجوم. فهناك استثناءات قليلة أبرزها قصة حارس المنتخب الوطني سابقا صلاح الدين احميد الذي ولد في ملعب سيدي قاسم حين كان والده مؤطرا وحارسا ومسؤولا إداريا. لكن صلاح سيفاجأ ذات يوم بجرافة البلدية وهي تمسح منزل العائلة من الملعب وتدوس على أثاث البيت وتذكارات وصور العائلة، كانت الغارة أشبه بحملة تحرير ملك عمومي رغم أن أصحابه يملكون ما يفيد امتلاك المسكن التاريخي الشاهد على عصر ازدهار الكرة القاسمية.
لذا نحذر قاطني مساكن الملاعب من غارات الرؤساء، الذين تنتابهم نزوة التسلط كلما تعطلت عجلة الفريق، فيصدرون تعليماتهم بالزحف على المساكن والتنكيل بالحراس طبعا برفق تارة وهمجية تارة أخرى، حسب علو الحائط وقصره.
كثير من أبناء المكلفين بالأمتعة تحولوا إلى جزء من متاع قديم، خاصمهم القدر وانتصبت في طريقهم المتاريس وخرج الحلم من الباب الخلفي للملعب.. اسألوا الشاكي الذي أفنى حياته في حراسة ملعب الوداد، وبيلموندو الذي قضى أيامه الأخيرة خارج ملعب لا يرتاح إلا إذا تنفس رائحة عشبه.
في كل فريق مكلف بالأمتعة يحصي الجوارب والقمصان وينفخ الكرات، بينما يحصي المسؤولون أنفاسه كل مساء. إنهم يموتون دون أن تخصص لهم دقيقة صمت عرفانا لما قدموه قبل أن تظهر آلات التصبين والتجفيف الالكترونية والبشرية.
هذه الفئة لا يجمعها تنظيم نقابي أو مهني ولا يلم شملها «غروب» في تطبيق «واتس آب»، وتشملها الدورات التكوينية، لأنها حائط قصير يسهل القفز عليه.