شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسية

الجامعة تحتضر

عندما يقول وزير التعليم العالي والبحث العلمي إن نصف طلبة المغرب لا يحصلون على شهادات في مشوارهم الجامعي، فيعني هذا أن عشر سنوات أو ما يزيد من خطاب إصلاح التعليم العالي ذهبت أدراج الرياح، وأن ثقل تركة الماضي التي دبرها حزب العدالة والتنمية بوزرائه لحسن الداودي وسمية بنخلدون وخالد الصمدي وجميلة مصلي جعل جامعاتنا تدخل غرفة الإنعاش، وهي اليوم تحتاج إلى عمليات جراحية عميقة، وهذا لن يحدث إلا بتوفر ثلاثة شروط لا رابع لها، تتمثل في مسؤولين أكفاء، ورؤية واضحة، وموارد مالية سخية، وللأسف ما زلنا نفتقد لكل الشروط، وبالتالي فاستمرار غيابها لإصلاح جدي للتعليم العالي يفقد الدولة أي رهان على المستقبل ويضاعف من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

والحقيقة التي يعلمها الجميع أن الجامعة المغربية تحتضر لأنها أصبحت مثل رأس اليتيم، كل مسؤول سياسي يريد أن يتعلم فيه مهنة الحلاقة، بلا محاسبة، فهو آمن فيهم ممن يعترض عليه إذا أخطأ الحلاقة، فينتهي به الأمر بإحداث بقع مشوهة ظنا منه أنه أحسن الحلاقة.

الجامعة تحتضر، لأن التجاذبات السياسية أنهكت هذا الصرح التربوى، فأصبحت السياسات الإصلاحية مثل مناديل «كلينيكس»، لا تتجاوز مدة استعمالها ولاية تشريعية، فكل وزير «يلغي بلغاه»، ويبيع وهم الإصلاح للمغاربة ويسب الماضي، وتنتهي ولايته كما بدأ، لندخل في حلقة مفرغة من جديد.

الجامعة تحتضر، لأنها أصبحت مثل الكعكة يتناحر فيها الجميع ضد الجميع لتوزيع العمادات والمسؤوليات، وكأن الجامعة هي عبارة عن فريسة وقعت بين أيدي مفترسين همهم الوحيد هو تقاسم حصصها، والحق يقال إن القانون التنظيمي للتعيينات الذي وضعته حكومة عبد الإله بنكيران، وجعل تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بمرسوم بيد الوزراء بدل ظهائر ملكية، سيظل أكبر بقعة سوداء في تاريخ الجامعة. فكل وزير يعين أصدقاءه ومناضلي حزبه، ويصفي حساباته مع معارضيه، وكل ذلك بالقانون المفترى عليه. حتى أصبح كل مسؤول يلتزم الصمت، لأنه يعلم أن مصيره معلقا بيوم الخميس، يوم عقد المجلس الحكومي، فقد يعين بهذا الخميس ويجد نفسه معفيا في الخميس المقبل، إذا خرج عن طاعة الوزير، فقضينا بذلك على استقلالية الجامعة وعلى تدبيرها كمؤسسة عمومية.

الجامعة تحتضر، لأن عشرات الأساتذة هاجروا وآخرون سئموا من انتظار البت في ملفاتهم ويتحضرون أيضا للهجرة.
فعندما يفقد الأستاذ الجامعي أدنى مقومات العيش الكريم، عندما يشعر بأن مصيرا مجهولا ينتظره بلا راتب يغنيه عن مد اليد، عندما يطالب كل هؤلاء بأدنى الحقوق ولا تلبى مطالبهم، عندها تصبح الجامعة حجرا بلا بشر، ويصبح الأستاذ بدون رسالة.

الجامعة تحتضر، لأنها لم تعد الجيش الثاني الحامية لآلاف الطلاب، لأنها تمدهم بسلاح العلم والمعرفة وتحصنهم بشهادة تسمح لهم بإيجاد فرص عمل عوضا عن الضياع والانحراف والسقوط في مستنقع، وللأسف فقد تحولت بعض المواقع الاجتماعية إلى أسواق بالجملة للاتجار في النقاط، ومقايضة التقييم العلمي بالجنس والمحسوبية.
الجامعة تحتضر، لأنه لا يُخصّص ما يكفي من المال لدى الحكومات المتعاقبة لصرفه على التعليم، فمنذ أكثر من 20 سنة، يدبر التعليم العالي بنظام «البريكولاج» المالي، مما جعل مئات من المدرجات والقاعات والبنايات في حالات مهترئة، أكثر من ذلك فقد أصبح تفكير عميد في تشييد مدرج حلم يفوق تشييد المئات من الملاعب والمنشآت الترفيهية.
لذلك نقول للمسؤولين بهذه الحكومة، ضعوا حدا لهذا العبث وارحموا جامعة وطنكم، لأن التاريخ لن يرحمكم، إذا فوتم فرصة الإصلاح الذي تتوفر شروطه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى