شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

التمييز الإيجابي في فرنسا

بشير البكر

 

ليس مطروحا على المدى المنظور في فرنسا وصول شخصية من الفرنسيين، الذين يتحدرون من أصول عربية أو إفريقية، إلى رئاسة الدولة أو الحكومة. ويبدو أن قضية التمييز الإيجابي ستظل مقتصرة على الولايات المتحدة التي فاز فيها باراك أوباما بمنصب الرئاسة في ولايتين، وبريطانيا التي يترأس فيها الحكومة الحالية ريشي سوناك، المتحدر من أصل هندي لأبوين هاجرا من شرق إفريقيا. وتظهر المقارنة بين فرنسا وبريطانيا مدى التقدم الذي قطعته الأخيرة على مستوى مشاركة الأقليات، بدءا من رأس السلطة وحتى أدناها، فالحكومة البريطانية الحالية تضم في عضويتها أربعة وزراء من أصول أجنبية، بينما لا يتجاوز العدد في نظيرتها الفرنسية وزيرين، لبنانية في الثقافة وسينغالي في التعليم. وينسحب الأمر على مستوى الوظائف السامية في السياسة الخارجية والإعلام والثقافة والاقتصاد. وفي حين يتنامى داخل بريطانيا والولايات المتحدة حضور الذين هم من أصول أجنبية في هذه الميادين، يبقى ذلك محدودا في فرنسا، ويحصل بصعوبة، مع أن مسيرة الانفتاح بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود، خلال حكمي الرئيسين السابقين فرانسوا ميتران وجاك شيراك. وجرى إسناد حقائب وزارية لأشخاص من أصول مغاربية، نتيجة إدراك أهمية موقع هذا المكون وحضوره بشريا، ثقافيا، اقتصاديا، تاريخيا، جغرافيا، والأثر الإيجابي للعملية على مستقبل التعايش والتطور العام للبلد.

انطلقت سياسة ميتران وشيراك لدمج المكونات المغاربية والإفريقية في النسيج العام من منظور مصالحة الماضي مع الحاضر والمستقبل، وبفضل وعي عميق بأن هذه المهمة ضرورية من أجل مصلحة فرنسا. وعلى هذا الأساس، نهضت بها الدولة وأجهزتها المتعددة، بعيدا عن التوظيف المؤقت والعواطف العابرة والحسابات السياسية ذات الأهداف المحدودة، وجرى وضع سياسات بعيدة المدى، وخطط ذات جدوى، تقوم على الاستثمار في التنوع الثقافي والعرقي، ولكن هذا التوجه لم يتحول إلى سياسة دولة، بسبب ضيق أفق الحكومات اللاحقة التي تهربت من معالجة جادة لنتائج أخطاء الاستعمار الفرنسي في البلدان المغاربية والإفريقية، وإعطاء أجيال الهجرة، التي ولدت على الأرض الفرنسية، فرصتها كي تستحق المواطنة عن جدارة، ولا تحصل عليها بالإكراه أو بالقوة، الأمر الذي أدى إلى تراكم الأخطاء، وحال دون بناء علاقات صحية بين هذه الجاليات والدولة، التي حافظت على أداء دورها في حدوده المعتادة، من دون مراعاة لخصوصية أوضاع ضواحي الهجرة. ولهذا السبب لم تحقق سياسات الاندماج الأهداف المنشودة، بل استقبلتها أوساط واسعة من الهجرة كعملية قسرية.

مفهوم التمييز الإيجابي، الذي نجح، إلى حد كبير، في الولايات المتحدة، لم يعط نتائج مهمة من تلقاء ذاته بمجرد إقراره قانونا في عهد الرئيس جون كينيدي، بل تطلب حتى يصبح أمرا واقعا إحداث ثورة شاملة من أجل تغيير الصورة النمطية عن الأقليات، التي كانت دارجة حتى الستينيات من القرن الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى