التلاميذ ليسوا لعبة
تخيم على المنظومة التعليمية، منذ شهور، أجواء من الاحتقان الاجتماعي، على وقع تصعيد تنسيقية أساتذة التعاقد ضد الحكومة، واتساع رقعة ومدة الإضرابات إلى أجل غير مسمى. وبدون شك يلقي هذا الوضع المتشنج، بظلاله على المصالح الفضلى للتلميذ ووضعيته النفسية، بعدما وجد مئات الآلاف من أبناء الفقراء، سيما بالعالم القروي، أنفسهم الحلقة الأضعف في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما أبناء الطبقة المتوسطة يواصلون تحصيلهم في مدارسهم الخاصة، غير آبهين بما يحدث لجيل سيشاركهم تدبير الوطن في العقود المقبلة.
والحقيقة أن ما يحصل من إضرابات لا تنتهي، ومن سياسة صم آذان الحوار بالنسبة إلى الوزارة والمتعاقدين، جريمة أخلاقية في حق أبنائنا، وفي حق المصلحة الوطنية الكبرى، لأنه لا أحد يرغب في التنازل عن أنانيته المريضة، ويعمل على تغليب مصلحة التلميذ وجعلها فوق كل الاعتبارات المادية، والضحية أولا وأخيرا هم أطفال معرضون للضياع والخروج إلى الشارع، وهدر سنة دراسية، مهما كان حجم الاستدراك، فكما يقول المثل الإنجليزي «من المتأخر إغلاق باب الإسطبل، بعدما سرق الحصان»، والمقصود أن كل محاولات الوزارة للتحرك للاستعانة بأصحاب الإجازة، الذين لا علاقة لهم بالبيداغوجيا والديداكتيك والعملية التعلمية، أو من خلال تمطيط الغلاف الزمني التعليمي لإنقاذ الموسم، بعد هذا العبث من الوزارة والمتعاقدين لن يجدي نفعا، فمحاولات التصحيح بعد فقدان أمل التلاميذ لم يعد لها معنى.
نقول هذا الكلام لا لنستكثر على أساتذة التعاقد أحقية المطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية وتأمين مستقبلهم المهني، لكن هناك قاعدة ذهبية تحكم كل النضالات تسمى قاعدة التناسب، التي تفرض أن يتساوى حجم المعركة النضالية المقررة، مع حجم المطالب المادية. فليس هناك أي مطلب مهما كانت شرعيته، يسمح للأساتذة بالتغيب لمدة طويلة عن العمل، وتعريض مصير التلاميذ للخطر. فمن البديهي أن كل مرة، قد تصطدم محاولات النقابات والتنسيقات تطوير والنهوض بأوضاعها في قطاع التعليم برفض للوزارة الوصية، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب مصلحة التلاميذ، ومهما بلغت أحقية المطالب المرفوعة، غير أن أسلوب الاستهتار والمبالغة في المطالبة بها أصبح يشكل خطرا ليس في وجه تحسين المستوى التعليمي للتلميذ، بل على مستقبله ومصيره.
لقد آن الأوان أن تفهم وزارة التعليم والمتعاقدون أنهم يلعبون بالنار، وليس لأحدهما أي مبرر لكي يتنصل من مسؤوليته، تجاه ما يحدث من تخريب مقصود لأحلام التلاميذ، ذنبهم الوحيد أن القدر جعل مصيرهم لعبة بين من لا يستحق.