التشغيل والأسعار

هناك علاقة وثيقة بين التشغيل والأسعار والقدرة الشرائية للمواطن، وهو الشيء الذي لا يجب إهماله في النقاش العام الدائر حول الغلاء، لأنه في ظل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب وقلة فرص الشغل، فإنه من الصعب الحديث عن قدرة شرائية بمداخيل تكاد تكون منعدمة، أو ضعيفة وغير منتظمة أو مرتبطة بقطاعات غير مهيكلة، ولا تكفي حتى لسد الحاجيات الأساسية.
في القاعدة الاقتصادية، تعتبر المداخيل الشهرية الجيدة من أهم مداخل معالجة كافة المشاكل الاجتماعية، وتفادي الاضطرابات والاحتجاجات. لذلك نحن في حاجة إلى معالجة المشاكل الاجتماعية في العمق، وضرورة التنسيق الحكومي من أجل الرفع من وتيرة استراتيجية التشغيل، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، مع الاستمرارية في البرامج والاستراتيجيات المسطرة، عوض التخبط وكل قطاع حكومي يقوم بتغيير الخطط السابقة في دوامة لا تنتهي.
إن آفة البطالة هي سبب كل أمراض المجتمع، لذلك يجب التعامل بالجدية اللازمة من قبل جميع المؤسسات المعنية والمستثمرين والأحزاب وفعاليات المجتمع المدني، مع الأرقام المقلقة التي كشفت عنها مؤسسات الرقابة، والبطالة المتفشية في صفوف شباب يمثل المستقبل القريب وهو بدون تكوين، يعيش الفراغ القاتل ولا يمارس أي شيء في الحياة.
ليس هناك من حلول سحرية لمعضلة ارتفاع الأسعار بشكل عام، سوى التركيز على التنمية والتشغيل الذي يعتبر من الأدوية الفعالة للعديد من المشاكل الاجتماعية، ومن خلاله يتم حفظ السلم الاجتماعي، وتفادي تبعات الاضطرابات والاحتقان الاجتماعي، ما يكلف قطار التنمية التوقف في كل مرة لإصلاح الأعطاب، والتأخر عن التنافس الدولي في مجالات متعددة.
لقد أثر ارتفاع الأسعار الخاصة بالمواد الخام على التوازنات المالية للمقاولات المتوسطة والصغرى، وساهم ذلك في تراجع واضح للطلب والإنتاج، وصعوبة الالتزام بتكاليف اليد العاملة، وهو الشيء الذي انتهى للأسف بخفض عدد العمال، أو تسجيل الإفلاس والإغلاق في حالات متعددة، وكل ما سبق ذكره من المؤشرات السلبية التي تعمق من اختلالات القدرة الشرائية للمواطن وتبعات انعدام الدخل بالنسبة إلى الأسر.
في ظل تقلبات الأسعار بالأسواق العالمية، وإلى جانب محاربة لوبيات الاحتكار والمضاربة، يجب خلق
التوازن الضروري بين الحد الأدنى للأجور والأسعار بالأسواق، والرفع من وتيرة توفير الشغل والجودة في التكوين، وخلق الثروة والعدالة في توزيعها، ومعالجة الأعطاب الاجتماعية بواسطة قرارات اقتصادية تتميز بالجرأة، وتحلي الجميع بالروح الوطنية لتحقيق هدف الجودة في الحياة والعيش بكرامة، مع الأخذ بعين الاعتبار دائما أنه بدون السلم الاجتماعي تبقى كل الإنجازات هشة، والاستثمار في البشر من أعظم وأقوى الاستثمارات.