حسن البصري
فجأة حل المدرب الإيطالي والتر ماتزاري بالمغرب، بناء على دعوة من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، نزل في مطار محمد الخامس تحت جنح الظلام وتوجه إلى فندق بالرباط يطل على نهر أبي رقراق، وصباح اليوم الموالي غادر الفندق من الباب الخلفي وتوجه إلى مركز المعمورة لكرة القدم، جالس رئيس الجامعة وأمين مالها، وفي اليوم الموالي ركب الطائرة عائدا إلى روما.
لم يصدر أي بيان رسمي عن فحوى الزيارة، وظل زملاؤنا حيارى يحاولون فك لغز الرحلة رقم 852، بينما انتابت المدرب وليد الركراكي نوبة شك، وتساءل في قرارة نفسه كبقية الناس: «أليس وليد هو خليفة وحيد»؟
قيل لوليد اطمئن لا تهتم بالمدربين القادمين من إيطاليا، حتى ولو كان كارلو إنشيلوتي أو أريكو ساكي أو كابيلو أو مارشيلو ليبي أو زينغا، لا عليك اختر البذلة التي تناسب يوم التنصيب، ولا تدمن على قراءة الصحف الإيطالية حتى لا يتولد عندك اكتئاب مبكر.
لا تولي الكرة المغربية وجهها صوب إيطاليا، إلا حين ينقطع خط التواصل مع فرنسا، أو حين تظهر على مدرب مغربي أعراض النبوغ، فقد كان أنطونيو فالنتين أنجليلو آخر مدرب إيطالي يشرف على تدريب المنتخب المغربي، حين استقدمه الكولونيل إدريس باموس من الجيش الملكي ليدرب الفريق الوطني سنة واحدة ثم ينصرف إلى حال سبيله.
لا تمارس الكرة الإيطالية جاذبيتها على رؤساء الجامعات، بل إن عمر بوستة أول رئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ظل يغلق أبوابه على المدربين الأجانب، وخاصة أحفاد موسولويني، قبل أن يعين سفيرا للمغرب في روما.
في مدينة ميلانو الإيطالية يوجد شارع رئيسي يحمل اسم المدرب المغربي النشأة، «هيلينو هيريرا»، بينما باءت جميع محاولات إطلاق اسمه على زقاق في روش نوار قريبا من المسكن الذي عاش فيه.
لعب هيريرا ودرب النادي الرياضي روش نوار» بالبيضاء، وكان معروفا لدى محبيه بـ «نوار إي بلان». حزم المدرب حقيبته صيف 1933 ورحل إلى فرنسا ومنها إلى إيطاليا ليصبح من بين أفضل المدربين على مر التاريخ.
قصة هيريرا شبيه بقصة أنجليلو، فقد ولدا معا في بوينس أيريس، عاصمة الأرجنتين، الأول رحل إلى الدار البيضاء رفقة والديه، والثاني رحل إلى إيطاليا رفقة والديه، والتقيا معا في مدار التدريب.
حين كان أنجليلو مدربا للجيش والمنتخب، كان يدرب بمنطق ميكافيلي، وكان يردد لازمته: «على قد غطائك مِد رجليك»، وهي العبارة التي اعتبرتها جامعة الكرة تلميحا منه لفرملة الحلم الزائد عن اللزوم.
أصبح هيريرا مدربا مثيرا للجدل، إذ كان يأمر مدلك الفريق بالتجسس على أحاديث اللاعبين، كما كشف لاعب في صفوف الإنتر أن المدرب عاقب مدافعا بسبب قوله إن الفريق ذاهب ليلعب في روما، وأصر على أن يعدل قوله ويردد أمام زملائه بأنهم ذاهبون للفوز في روما.
اخترع هيريرا «الكاتانتشيو»، فطبقها للمرة الأولى في المغرب، عندما كان يأمر لاعب الوسط المدافع بالتراجع للخلف للحفاظ على النتيجة، وفي بداية الثمانيات أصبح صحافيا رياضيا، وفي رواية أخرى محللا. وفي التاسع من نونبر 1997، توفي في بيت ملامحه مغربية بمدينة فينيسيا الإيطالية، ألم يقولوا «زر فينيسا ثم مت»؟.
حين يحقق المنتخب الإيطالي لقبا عالميا يتقاسم المغاربة مع «الطليان» فرحتهم، اعترافا بجميل قديم، فما يجمعنا بهذا البلد ليس هيريرا ولا أنجليلو ولا روبي ولا هزازي التي دربت أدريانو غالياني، وغيرهم من النجوم، بل يجمعنا تاريخ الهجرة. حين كان بلد موسوليني ملاذا لمغاربة تكسرت مجاديفهم، في زمن كانت فيه العيطة تمجد إيطاليا وتعتبرها صنبور رزق «نمشي للطلاين نجيب فلوس خراين».