حسن البصري
لولا الحضور الأمني المكثف في مدخل مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، لحسبت جنازة المسؤول الأمني عبد الحق الخيام، جنازة لاعب. فقد حضر قدماء لاعبي الرجاء ومجموعة من المسيرين وممثلو أطياف الجماهير، وسجل الإعلاميون اليافعون حضورهم وهم يتأبطون ميكروفونات تعددت ألوانها لكن توحدت أسئلتها.
مات عبد الحق المتيم بحب الرجاء، والذي كان يقيم حفلا لمجرد تعادل خارج الديار، أو صفقة هداف مستورد من الخارج، أما الانتصارات فتراق حول جوانبها الحلويات في مقهى الأقواس بدرب السلطان.
يا ويلتاه يا عبد الحق، لقد عشت شهورا في غرفة العناية المركزة، بعيدا عن صخب الملاعب وسجال الوداد والرجاء، لا أحد يجرؤ على إخبارك بما يقوم به رئيس الرجاء الجديد من غارات.
في عزلتك المرضية سكت هاتفك عن الكلام المتاح، وقرر رفاقك الذين تقاسموا معك لعبة الورق في المقهى، توقيف المباريات إلى أجل غير مسمى، قبل أن يسيروا خلف جثمانك نحو قبرك الذي لا يبعد عن قبر صديقك ظلمي إلا بأمتار.
في جنازة المدير السابق للبسيج، حضر الأمن وغاب مثيرو الفتن، حضر جدل الميركاطو وغاب سماسرة ومنشطو سوق الانتقالات، حضر الموت وغاب الترحم على الموتى.
كان جمهور الرجاء البيضاوي حزينا لفراق عبد الحق الخيام، لأنه ظل يتفاخر به كلما تبين أن لكل فريق والي أمن يرعاه، فقد كان للوداد البيضاوي مسؤول أمني اسمه أبو بكر اجضاهيم، وكلما رمى به قرار التعيين في مدينة أخرى إلا وأقنع مسؤولي الفريق بضرورة حمل اسم الوداد حتى يكون للنادي البيضاوي نسل جديد.
قال الرجاويون إن اجضاهيم أشهر مسدسه الوظيفي في وجه حكم جعله الله ممن آمنوا ثم كفروا. دافع «السي بوبكر» عن قضيته ونفى التهديد بالسلاح ثم اختفى إلى غير رجعة قبل أن يلحق به الخيام.
انتهت صلاحية مقولة: «كومسير لكل فريق»، وكأني بكبار المسؤولين الأمنيين يضعون مسافة أمان بينهم وبين الكرة. وفوضت الفرق أمرها لسياسيين دخلوها مشجعين أو عاطفين وغادروها برلمانيين راسخين في علم السياسة.
كان للنهضة السطاتية والي أمن يحرسها وينصت لنبضها، اسمه عبد الله منتصر، وحين اعتزل المسؤولية الأمنية اكتشف أن الفريق السطاتي أصبح مسرحا للجريمة، وأن النهضة ماتت سريريا. وحده الوالي الصالح سيدي لغليمي يستمر في المداومة.
لا يمكن لحسن الصفريوي، والي الأمن السابق، أن يحط الرحال في مدينة دون أن يزور ملعبها، قبل زيارة مخفر، كان عاشقا للوداد الفاسي، وحين عين رئيسا للأمن الإقليمي بطنجة أسس نادي شرطة طنجة وقاده إلى قسم الأضواء، وحين رحل انطفأت الأضواء وأعدم ملعب مرشان، وحده ضوء «فيوز» خافت ظل يضئ عتمة المكان.
أسس الصفريوي فريقا للشرطة في الرباط، وأشرف على منتخب وطني للأمنيين، وانتهى به المطاف مشجعا بالأقدمية، قبل أن يموت في صمت.
يضرب المراكشيون كفا بكف يودون لو أن الأمن استرجع حكم الكوكب المراكشي المفقود، في زمن غير زماننا كان محمد المديوري رئيسا للفريق المراكشي، وكان لاعبوه يضعون فزاعة الرئيس في ملاعب الكرة، اتقاء شر حكم إذا حكم.
يذكر أبناء الخميسات كيف كان الاتحاد الزموري يضع في عنقه حجاب السلطة، وكيف كان الفريق، في عهد محمود عرشان، يتنقل إلى الملاعب عبر سيارات وحافلات الشرطة، دون حرج قبل أن ينتهي زمن الحجر وتعود السيارات إلى حظيرتها.
لا يسعنا المجال للحديث عن مسؤولين أمنيين آخرين، حجزوا في قلوبهم مساحة حب للفريق، فقد كان لكل فريق متعهد أمني يرعاه، لكن الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لسياسة العصا والجزرة.
لن يستقيم المشهد الكروي في بلادنا إلا إذا أصبحت الكرة ضمن اختصاصات شرطة الأخلاق.