البنية الصيفية

ليس هناك أفضل من أمطار الخير، التي تسقي العباد والبلاد، لتكشف عن عيوب البنيات التحتية وملايير الصفقات العمومية التي تُصرف على مشاريع الحماية من الفيضانات دون تحقيق الأهداف المطلوبة، وتكرار نفس مشاكل تحول شوارع وأحياء هامشية وراقية أيضا إلى وديان جارفة وتسرب المياه إلى المنازل والمحلات والتسبب في أضرار مادية جسيمة.
لقد تكررت مطالب تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بشأن فشل مشاريع الحماية من الفيضانات، وما زال التعثر يطبع التحقيقات التي فُتحت بشأن البناء بمجاري الوديان ومحارم الطرق، والتجزيء السري والترخيص من الوكالات الحضرية والجماعات الترابية دون بنيات تحتية ودون شبكة التطهير السائل، مع منح السكان تراخيص السكن، في معارضة واضحة لقوانين التعمير بالإضافة لمشاكل وعيوب تنزيل تصاميم إعادة الهيكلة.
في ظل التقلبات المناخية وخطر الكوارث الطبيعية، أصبح من واجب الجماعات الترابية، بتنسيق مع العمالات، العمل على تحديث وصيانة البنيات التحتية بما يتناسب ونشرات الطقس الإنذارية، وضرورة التصريف الجيد لمياه الأمطار، وتوفير شروط السلامة بالشوارع والمرافق العمومية، مع تحميل رؤساء الجماعات المسؤولية التقصيرية في كل الحوادث الخطيرة التي تقع نتيجة الإهمال وغياب المراقبة والصيانة الدورية.
إذا كان التغاضي عن انتشار البناء العشوائي لسنوات، والاستغلال الانتخابوي، قد تسبب في كوارث وخسائر مادية وبشرية نتيجة الفيضانات، كما كلف خزينة الدولة الملايير لتنفيذ مشاريع الحماية من الفيضانات وإقامة قنوات ضخمة وسدود لحماية السكان، فإنه من غير المقبول بتاتا استمرار نفس الوضع المتعلق باتساع العشوائية تحت أي مبرر، وضرورة العمل على حل كافة العراقيل التعميرية ودعم السكن اللائق، وتجهيز البنيات التحتية وفق معايير تواكب التحولات المناخية العالمية جراء ارتفاع نسبة التلوث.
ما زالت العديد من الأصوات المهتمة بالماء وحماية البيئة، تنادي بالاستفادة من مياه الأمطار التي تمثل ثروة حقيقية في ظل الجفاف، والتي تنتهي بشواطئ المملكة، ونحن في أمس الحاجة إليها لحل أزمة الشرب وتخزين الثروة المائية، والتخفيف على ضغط سقي المساحات المزروعة، ناهيك عن التعامل مع تبعات الجفاف، وتنزيل الاستراتيجية الوطنية الخاصة بالاقتصاد في استهلاك المياه.
تقدمت مدن العالم المتطور، بفعل قوة البنيات التحتية، والصرامة في تنظيم التعمير وتسهيل الإجراءات لتوفير السكن اللائق للمواطنين، ودعم ومساعدة المواطن على احترام القانون وتجويد الحياة العامة واحترام شروط الصحة والسلامة لحماية الأرواح والممتلكات، وليس باستغلال سلطة التوقيع وتحول التصاميم إلى حبر على ورق وعدم مطابقتها للواقع، وكأننا في سباق مع الزمن لإنتاج قوانين مستعصية يستحيل تنزيلها لغياب الأرضية وتعدد المتدخلين، ما يفتح الباب أمام الفساد وتبعاته الكارثية التي ندفع ثمنها جميعا.