قررت السلطات النقدية في البلدان الأوروبية تعليق أنشطة الوساطة التي تقوم بها الفروع المصرفية المنشأة على أراضيها نيابة عن البنوك المغربية الأم. ويهدف مشروع التوجيه المقدم إلى البرلمان والمجلس الأوروبيين إلى تشديد شروط نشاط «مغاربة العالم».
لمياء جباري
تم إنشاء نشاط «مغاربة العالم» منذ عقود لصالح المغاربة المقيمين بالخارج لتقديم طلبات لفتح وتفعيل حسابات في بلد المنشأ، وإذا تم اعتماد قرار السلطات النقدية الأوروبية، فإن ذلك سيضع حدا للدعم التاريخي الذي تقدمه البنوك المغربية لمغاربة العالم في بلدان المنشأ.
ارتفاع تكلفة التحويلات المالية
خلال منتدى الرباط حول خفض تكلفة تحويل الأموال من المغتربين الأفارقة، تحدث والي بنك المغرب حول مختلف النقاط المتعلقة بمغاربة العالم. وأكد عبد اللطيف الجواهري أن بنك المغرب اشتغل مع قطاع المالية من أجل تخفيض تكاليف التحويلات المالية للجالية المغربية المقيمة بالخارج وتنويع قنوات تقديم هذه الخدمة. وأوضح الجواهري، في كلمة له خلال افتتاح أشغال منتدى الرباط لتخفيض تكاليف التحويلات المالية للمغتربين الأفارقة، أنه تم إحداث بنية تحتية بنكية ترتكز على القرب وطدت العلاقة بين المغاربة المقيمين بالوطن ومواطنيهم بالخارج، مشيرا إلى أن «المغرب كان سباقا إلى التفكير في التحدي الذي يطرحه ارتفاع التكاليف المقترنة بهذه التحويلات، ما حذا به إلى اتخاذ إجراءات تحفيزية للشركات العاملة في المجال». وأضاف الجواهري، في السياق ذاته، أن المغرب استشرف، «في وقت مبكر جدا»، مسألة ارتفاع تكلفة التحويلات المالية، مبينا أن بنك المغرب «قرر خلال 2009 رفع أي بند ينص على حصرية الفاعلين الدوليين في مجال تحويل الأموال نحو نظرائهم بالمغرب، مما أفضى إلى تخفيض التكاليف بشكل كبير».
وسجل والي بنك المغرب أن المملكة طورت منذ عدة عقود بنية تحتية بنكية تقوم على أساس الحضور العابر للحدود من أجل دعم الجالية المغربية المقيمة بالخارج، لافتا إلى أن البنوك المغربية حاضرة في 27 دولة إفريقية ولها فروع في 7 دول أوروبية فضلا عن خمسين مكتبا تمثيليا عبر مناطق مختلفة من العالم. وأشار الجواهري، بشكل خاص، إلى تشدد السلطات الأوروبية بشأن تحويلات مغاربة الخارج، وأوضح أن «العديد من الهيئات المصرفية في دول الاتحاد الأوروبي قررت تعليق نشاط الوساطة الذي تقوم به فروع البنوك الموجودة في أوروبا مع المغتربين، ونيابة عن الشركات المغربية الأم».
في الوقت الحالي، يمكن لمشروع توجيه أوروبي، يتعلق، على وجه الخصوص، بالفروع في بلدان ثالثة، أن يقيد بشدة نشاط فروع البنوك المغربية في بعض دول الاتحاد الأوروبي. وأكد عبد اللطيف الجواهري أن «هذا المشروع، الذي أصبح اعتماده وشيكاً، ينص على حظر البنوك الأجنبية غير المؤسسة في الاتحاد الأوروبي من تقديم خدمات مصرفية من بلد المنشأ مباشرة إلى عملائها المقيمين في إحدى دول الاتحاد».
تشديد الخناق على البنوك الأجنبية
بشكل ملموس، ماذا يعني هذا؟ ما التأثيرات المستقبلية على مغاربة العالم والبنوك المغربية التي لها فروع في الخارج؟ قد يعتقد المرء أن القرار الأوروبي، الذي على وشك التنفيذ، كان مصمماً خصيصاً للضغط على المغرب، لكن هذا ليس هو الحال. يتعلق الإجراء بجميع البنوك الأجنبية العاملة على الأراضي الأوروبية. ويشرح خبير من القطاع المصرفي أسباب هذا القرار الأوروبي وأصله، لمصدر إعلامي، بالقول إنه: «اليوم، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقوم المفوضية الأوروبية بتشديد الخناق على البنوك الأجنبية وتقييد، أو حتى حظر، بيع المنتجات والخدمات في منطقة الاتحاد الأوروبي». وستؤدي العواقب المصرفية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى أضرار جانبية سيتعرض لها المغرب. «هذه اللائحة الجديدة ستلحق أضرارا جانبية بالبنوك المغربية. إنها نابعة من عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. مشروع التوجيه الأوروبي هذا، الذي أصبح اعتماده وشيكاً، سيكون له تأثير على الأراضي الأوروبية بأكملها، هذا توجيه أوروبي يجب على جميع دول الاتحاد تطبيقه. بعض البلدان، مثل هولندا وإيطاليا وأخيراً بلجيكا، تعتبر أن نشاط الوساطة لحساب بنك أجنبي غير قانوني بالمعنى المقصود في القوانين المصرفية الخاصة، قد حظرت بالفعل البنوك المغربية من القيام بهذا النوع من النشاط على أراضيها»، يشير المصدر. وسيكون لذلك تأثير على البنوك المغربية العاملة مع الشركات التابعة المعتمدة كمؤسسات ائتمانية في البلدان الأوروبية، وكذلك على عملائها من مغاربة الخارج. وهؤلاء هم، بشكل رئيسي، البنك الشعبي المركزي والتجاري وفا بنك.
وتلعب الشركات التابعة للبنوك المغربية المنشأة في الاتحاد الأوروبي دورا بسيطا. باختصار، فهي نوع من المكاتب التجارية الأمامية مملوكة بنسبة 100 بالمائة للشركة الأم في المغرب. إنه عرض لاكتساب العملاء يهدف إلى حشد وبيع المنتجات والخدمات المالية. هذه الشركات التابعة هي مؤسسات ائتمانية وتحمل ترخيصاً لممارسة أنشطتها داخل الدول الأوروبية. لكن تجدر الإشارة إلى أنهم لا يديرون الأموال بل يعملون لصالح شركتهم الأم، ومن هنا جاء مفهوم الوساطة. «عندما يذهب زبون مغربي مقيم بالخارج لإحدى هذه الشركات التابعة للبنك الشعبي المركزي أو التجاري وفا بنك، على سبيل المثال، في فرنسا أو ألمانيا، يمكن للبنك أن يقدم له عرض منتجات وخدمات البنك المغربي ويساعده في فتح حساب في دفاتر البنك المغربي. بشكل ملموس، تقوم هذه الشركات التابعة باستقطاب عملاء للشركات المغربية الأم»، يوضح الخبير.
باختصار، يمكن للمغربي، الذي يعيش في فرنسا، الاتصال بفرع في باريس مما يسهل فتح حساب في المغرب. وستقوم الشركة التابعة بجمع معلوماته وملفه وإرسالها إلى الشركة الأم في المملكة دون الحاجة إلى الحضور هناك. يمكن لعميل مغربي مقيم بالخارج، أيضاً، إجراء المعاملات المصرفية والاشتراك في الخدمات المالية داخل الشركات التابعة للشركات الأم. ومع إجراءات الاتحاد الأوروبي الجديدة، سيتم حظر عمليات فتح الحساب والاستثمار. هذه الواجهة، التي يتم تشغيلها بواسطة الشركات التابعة، والتي يسميها المنظمون «الوساطة نيابة عن الشركات الأم»، لن يتم تنفيذها بعد الآن. وتم تطبيق هذه الإجراءات في العديد من البلدان الأوروبية، مثل إيطاليا وهولندا وبلجيكا.
تقديم خدمات مصرفية أوروبية فقط
السؤال المطروح هو لماذا سيمنع القانون الجديد فروع البنوك من تقديم الخدمات البنكية؟ رغم أنها لا تتحكم في الحسابات البنكية للزبناء، ولا تدير الأموال ولا تتحكم في حسابات المدخرات بشكل مباشر. «في الواقع، تفسر بعض الهيئات التنظيمية أنشطة الشركات التابعة بأن فروعها هي التي تمت الموافقة عليها وليست الشركات الأم»، يوضح المصدر، باختصار، تمت الموافقة على الفروع لبيع منتجاتها الخاصة وليس منتجات الشركات الأم. للتبسيط، يرغب المنظمون في أن لا تبيع الشركات التابعة الموجودة في أوروبا منتجات أو خدمات مالية مغربية، بل تبيع المنتجات أو الخدمات المالية الأوروبية. «المطلوب أن تبيع هذه الفروع المنتجات المالية بالأورو في دفاترها وأن تبيع منتجات استثمارية بالأورو في دفاترها وأن تقرض بالأورو الذي يظهر في ميزانيتها العمومية وليس المنتجات المغربية». وهذا يعني أنه، بعد اعتماد هذا المشروع، لن تتمكن الشركات التابعة للبنوك المغربية داخل الاتحاد الأوروبي من الاستحواذ على العملاء أو بيع المنتجات المالية المغربية. يوضح المصدر «هذا هو الشيء الأساسي الذي سيتغير، لن تقوم الشركات التابعة للبنوك المغربية بعد الآن بهذا العمل المصرفي». هذا يعني أن محفظة عملائهم ستظل راكدة في أحسن الأحوال، أو ستتراجع بسبب استحالة استقطاب عملاء جدد.
قفزة بـ37 بالمائة في تحويلات مغاربة الخارج
بخصوص العائدات المتأتية من تحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أوضح الجواهري أنها سجلت قفزة تاريخية بنسبة 37 في المائة خلال 2021، و13 في المائة في 2022، لتشكل بذلك نسبة 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولدى حديثه عن المعيقات التي تكرس مشكلة التكاليف العالية، استحضر والي بنك المغرب مشروع قانون في بلدان الاتحاد الأوروبي ينص على منع البنوك الأجنبية من تقديم خدمات بنكية لزبنائها المقيمين في إحدى دول الاتحاد. وأشار، في هذا الإطار، إلى أن بعضا من الدراسات المتعلقة بسؤال التحويلات والتنمية تؤكد أن الاستثمار الإنتاجي للمغتربين الأفارقة في بلدانهم الأصلية «ما يزال ضعيفا». وأكد أن انعقاد هذا المنتدى يتزامن مع «سياق تخوف وتحول عالمي على مستوى الباراديغمات»، الأمر الذي عزز بروز الآليات الرقمية لتحويل الأموال، والتي من شأنها توفير خدمات «أقل تكلفة وأكثر سرعة وأمانا»، مبرزا أن بنك المغرب، «وإدراكا منه لأهمية رقمنة الخدمات المالية، وضع هذه المسألة في صلب انشغالاته، حيث تم اتخاذ مجموعة من المبادرات لتشجيع هذه الدينامية وتسريعها خلال سياق الأزمة الصحية». وحسب الخبير لازال يمكن لمغاربة الخارج القيام بتحويلاتهم المالية نحو المغرب أو أي دولة أخرى بدون أي إشكال، خاصة وأن غالبية التحويلات التي تمت لا تتم عبر فروع البنوك المغربية في أوروبا، ولكن من خلال شبكات شريكة.
للتذكير يقدر عدد المغتربين الأفارقة بأكثر من 150 مليونا في سنة 2021، ثلثاهم في القارة الإفريقية، وبلغ إجمالي تحويلات هذه الفئة، خلال الفترة ما بين (2010 و2020)، أكثر من 610 مليارات دولار أمريكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و440 مليار دولار أمريكي في إفريقيا جنوب الصحراء. وفي ما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي، تمثل هذه التدفقات في المتوسط 1.7 في المائة بالنسبة للمنطقة الأولى خلال الفترة المذكورة، و2.4 في المائة في المنطقة الثانية. ومع ذلك، يتم استثمار 10 في المائة فقط من التحويلات في مشاريع.