طارق الحريري
دائما ما يأتي في تاريخ الحروب حدث ما يكتب له حظ كبير من الصيت، يرتبط بشخص أو سلاح أو موقع على الأرض، لكن أن يجتمع السلاح والفرد في بوتقة واحدة من الشهرة، فهذه نادرة غير مسبوقة، تمت عندما قام ضابط صف صغير مغمور لم يكن مهندس تسليح، ولم يحز تعليما عاليا باختراع بندقية آلية، يمكنها الضرب على الوضع الفردي أيضا هي البندقية الكلاشنكوف.
لم يكن يدر في خلد مخترع هذه البندقية ميخائيل كلاشنكوف (1919 – 2013)، ولم يكن يفكر بتاتا من قريب أو بعيد أنه سوف يخترع بندقية سوف تصبح الأشهر في العالم، بعد أن تحقق له هذا الإنجاز المذهل بالإرادة والدأب.. بدأ التفكير والعمل في ظل المعاناة والألم عندما كان يقضي أوقات فراغ طويلة خلال فترة علاجه، التي امتدت لأكثر من سنة بعد تعرضه لإصابة بالغة، أثناء قيادة دبابته T34 في إحدى المعارك عام 1941، ضد القوات الألمانية الغازية.
لفتت نظره البندقية الألمانية MP44-STG التي اغتنمتها وحدته، أثناء الاشتباكات، وطرأت له فكرة العمل على تطويرها.. لم يكن هذا الشاب المجهول البعيد عن عالم الصناعات العسكرية، ذو الحادية والعشرين، منقطع الصلة بدراسة الجوانب الميكانيكية للآلات، فقد عمل وهو صبي في ورشة لمحطة قطارات كازاخستان، وعندما انضم إلى سلاح المدرعات أظهر مهارات لافتة، حتى إنه في العشرين من عمره اقترح بعض التعديلات على الدبابات، دعت لتكريمه من «جوكوف»، الجنرال الأبرز في التاريخ السوفياتي.
لم يكن هذا الفتى النابه إذًا وليد صدفة، لأنه كان يقبض على موهبة فطرية وهواية شخصية في جوانب المعدات الميكانيكية، لذلك استغل هذه السليقة في الرد على أعداء وطنه بابتكار بندقية تتفوق على بندقيتهم، وبعد تعافيه لم تغادره الفكرة التي استحوذت على تفكيره ووجدانه، وبعد خمسة أعوام من الجهد والمواظبة والمثابرة، خرجت إلى الوجود البندقية الهجوميةAK-47 ، بعد أن كان النازي قد انتهى.
تكريما لعبقريته وجدة مشروعه، أطلق المسؤولون في الاتحاد السوفياتي السابق اسمه على هذه البندقية، فطاف لقبه أرجاء المعمورة، بعد أن اكتسب هذا السلاح قيمة رمزية، أثناء الحرب الباردة، نتيجة تداوله في كثير من دول العالم، بسبب مميزات خفة الوزن مقارنة بمثيلاتها، وسهولة الفك والتركيب (إعادة التجميع)، وتيسر تنظيفها وصيانتها وقدرة الاشتباك في مختلف الأجواء في ظروف درجات الحرارة شديدة الارتفاع أو الانخفاض دون تأثر بالرطوبة والرمال الصحراوية والبرد القاسي، ومن أهم سمات هذه البندقية سهولة التدريب عليها، وسرعة استيعاب طريقة استخدامها.
تعتبر البندقية الكلاشنكوف من أشهر الأسلحة في العالم والأشهر في فئتها، فالناس في أرجاء العالم لا يعرفون على سبيل المثال لا الحصر أسماء الصواريخ الجبارة ذات الرؤوس النووية العابرة للقارات، لكنهم يعرفون الكلاشنكوف البندقية التي تفوقت في وقت ظهورها مبكرا على قريناتها في دول العالم المصنعة للسلاح، ومن ثم نالت حظا كبيرا في تسلح جيوش كثيرة من دول العالم الثالث، التي حصل بعض منها على حق التصنيع، ومنها شطر من الدول العربية.
من المفارقات الأخرى التي تتعلق بهذا المخترع الشهير، أنه بدأ خدمته العسكرية سنة 1936، في أوكرانيا الغربية، التي تدور فيها الآن المعارك بين روسيا الفيدرالية ودولة أوكرانيا، التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ومن المعروف أن كلاشنكوف واصل مع فريق العمل مهمة التطوير المستمر لتخفيف وزن البندقية الذي نقص كيلوغراما كاملا لتصبح أخف بندقية، إضافة إلى زيادة المدى الفعال للرمي، لذلك كانت تظهر من حين لآخر نسخ محسنة، آخرها النموذج AK 12 الأحدث بين شقيقاتها.
بِيع من هذه البندقية أكثر من 100 مليون قطعة، نتيجة انخفاض سعرها ومتانتها بزيادة عدة أضعاف عما بيع من البندقية المماثلة لها، وبذلك فهي السلاح الأكثر انتشارا واستخداما ومبيعا في العالم منذ دخولها الخدمة في جيش الاتحاد السوفياتي عام 1947، وبالطبع دون مقارنة بالأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدافع وناقلات الجند المدرعة، ويتباهى بها الروس رغم أنها من الأسلحة الصغيرة.
المفارقة اللطيفة التي تحمل دلالات عديدة، أن المخترع الأمريكي «يوجين ستونر» الذي ابتكر البندقية M16 القريبة في إمكاناتها من الكلاشنكوف نال حظا وافرا من الثروة، بسبب حقوق الملكية الفكرية مع كل قطعة تباع من M16، في حين لم يحرز ميخائيل كلاشنكوف إلا على وسام رفيع من الدولة السوفياتية، ومكانة أدبية في بلاده وصيت جارف خارجها، وربما كانت الشهرة هي التعويض الممكن، نتيجة ما كانت عليه سياسة بلاده وقتها.
نافذة:
تكريما لعبقريته وجدة مشروعه أطلق المسؤولون في الاتحاد السوفياتي السابق اسمه على هذه البندقية فطاف لقبه أرجاء المعمورة بعد أن اكتسب هذا السلاح قيمة رمزية