الباطل الشباطي
أخيرا، فكت عقدة لسان عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم شباط، والموظف الشبح بالوكالة الوطنية لإنعاش الشغل «لانابيك»، التي وظفه فيها عباس الفاسي عندما كان وزيرا أول، ليكشف للرأي العام أن كريم غلاب وتوفيق حجيرة، وزيري التجهيز والإسكان السابقين، راكما حوالي 600 مليار من الصفقات، وذلك بمجرد أن أعلنا تمردهما على شباط.
ونحن نقول له سبحان الله أسي بنحمزة، ونتساءل أين كان سيادته عندما نشرنا في هذا العمود خلال حكومة عباس الفاسي وبالتفاصيل كل المعلومات المتعلقة بتفويت بقع تجزئة «سهب الذهب» بشاطئ الهرهورة، والتي استفاد منها قياديون بحزب الاستقلال، وكان شباط آنذاك يدافع عنهم ويحتضنهم داخل اللجنة التنفيذية ويعتبر ما كنا ننشره كذبا وبهتانا وقذفا في حق وزراء حكومة عباس.
وبالمناسبة فإننا نتساءل عن مصير الدعوى القضائية التي رفعها شباط ضد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على خلفية الاتهامات التي وجهها لقياديين بالحزب، عندما قال أمام مجلس النواب بأنه يتوفر على معلومات حول تورطهم في تهريب الأموال بالملايير إلى الخارج.
وبالتزامن مع استدعاء حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، للتحقيق معه من طرف الشرطة القضائية، حول نشر الموقع الرسمي لحزبه لمقال يتضمن اتهامات خطيرة للدولة بوقوفها وراء تصفيات جسدية لسياسيين بوادي الشراط، في إشارة ضمنية إلى التشكيك في وفاة كل من وزير الدولة السابق عبد الله باها والقيادي الاتحادي والبرلماني أحمد الزايدي، يبدو أن الحصانة الوهمية التي كان يعتقد بعض تابعي شباط أنهم يتمتعون بها بدأت تسقط، فها هي الرؤوس الاستقلالية من أتباع شباط والتي نضجت بدأت تسقط في يد العدالة بتهم مختلفة.
وخلال الأسبوع الماضي، أحالت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية المكلفة بالجرائم المالية، على أنظار الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بفاس رئيس جماعة سبت لوداية التابعة لإقليم مولاي يعقوب بتهمة تبديد أموال عمومية بناء على شكاية من أحد المستشارين يتهم فيها الرئيس بالتستر على غياب أخيه عن الوظيفة التي يشغلها بنفس الجماعة واستقراره بإسبانيا التي حصل على جنسيتها، وأصبح يدخل ويخرج من المغرب بواسطة جواز سفر إسباني، واستطاع تسوية وضعيته الإدارية وإجراء فحص طبي بالرغم من تواجده خارج أرض الوطن، مما يطرح احتمال تزوير الشهادة الطبية التي أدلى بها.
لذلك قرر الوكيل العام إحالة الرئيس وشقيقه وموظف بالجماعة على قاضي التحقيق، ومتابعة المتهمين في حالة سراح مقابل كفالة مالية قدرها 20 مليونا للرئيس و10 ملايين لأخيه و3 ملايين للموظف الذي قد يكون ساهم في إجراء فحص طبي صوري لفائدة أخ الرئيس أثناء غيابه، وهو الرئيس المعروف بولائه لشباط.
أما بمدينة وجدة التي أغلق فيها المفتش الإقليمي لحزب الاستقلال باب المقر في وجه معارضي شباط، فيواجه هذا المفتش الإقليمي نفسه تهمة التزوير في وثيقة إدارية، بعدما أدلى بشهادة طبية أنجزتها له شقيقته التي تعمل ممرضة بإحدى المصحات، للمصالح الإدارية للنيابة الإقليمية للتعليم، حيث يعمل أستاذا بإحدى الثانويات بالمدينة، وذلك للتمكن من حضور اجتماع بالرباط عقده شباط مع مفتشي الحزب لحشد الدعم له، واحتضنه المقر المركزي للحزب بالرباط.
وهكذا عندما أرسلت نيابة التعليم لجنة إلى منزل المفتش الإقليمي للتأكد من صحة مرضه، فوجئت بعدم تواجد المفتش المريض بالمنزل، وأحالت الملف على القضاء، حيث خضع للتحقيق من طرف الوكيل العام للملك، كما أكد أحد الأطباء أثناء التحقيق معه، والذي استعمل خاتمه للتوقيع على الشهادة الطبية المزورة للضابطة القضائية أنه لم يقدم أية شهادة طبية للمعني بالأمر ولم يفحصه، وأن كل ما في الأمر هو أن شقيقته التي تعمل ممرضة بنفس المصحة التي يشتغل بها هذا الطبيب، أوهمت كاتبة الطبيب بأخذ الإذن منه من أجل وضع خاتمه المتواجد بمكتبه على الشهادة الطبية التي كانت قد أعدتها سلفا.
أما نوفل شباط، النجل الأكبر لحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، فيظل متابعا أمام القضاء، ويرفض المثول أمام محكمة الاستئناف بفاس، في إطار محاكمته إلى جانب متهمين آخرين في ملف الفساد الانتخابي، وقد قررت المحكمة الاستعانة بالوكيل العام لاستدعاء نجل شباط ولو تطلب الأمر إحضاره بالقوة.
نوفل شباط الذي يترأس جماعة «البرارحة» القروية بنواحي تازة، كان قد صدر في حقه حكم ابتدائي يقضي بمنعه من الترشح والتصويت لولايتين، لأن اسمه ورد ضمن اللائحة التي أعلنتها اللجنة الوطنية المكلفة بتتبع الانتخابات، في إطار حملة التنصت على المكالمات الهاتفية أثناء الحملة الانتخابية لمجلس المستشارين، وفرضه والده على رأس اللائحة الوطنية للشباب لكي يضمن مقعدا برلمانيا، رغم أن هذا المقعد مهدد بالإلغاء من طرف المجلس الدستوري في حالة تأييد الحكم الابتدائي.
وهناك العديد من البرلمانيين والقياديين بحزب الاستقلال، مازالت ملفاتهم معروضة أمام القضاء في قضايا تهم المال العام، وعلى رأس هؤلاء المستشار البرلماني عبد اللطيف أبدوح، الذي أدانته المحكمة بخمس سنوات سجنا نافذا، وكان خلال الولاية البرلمانية السابقة يحضر إلى البرلمان بإذن قضائي من قاضي التحقيق المكلف بالجرائم المالية لدى محكمة الاستئناف بمراكش.
وهناك أيضا البرلماني السابق محمد المستاوي، الذي حكمت عليه غرفة الجنايات المختصة في جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، بخمس سنوات سجنا نافذا، بتهمة تبديد واختلاس أموال عمومية واستغلال النفوذ في قضية سرقة أطنان من المحروقات وتفويتات غير قانونية لبقع أرضية متعلقة بمشروع تجزئة سكنية في مدينة مديونة التي كان يترأس مجلسها البلدي.
وفي اللائحة الشباطية السوداء يوجد أيضا الرئيس السابق لبلدية وزان، الاستقلالي محمد الكنفاوي الذي يوجد في حالة اعتقال بالسجن المركزي بالقنيطرة، على خلفية متابعته بتزوير وثائق رسمية في اسم مواطنة توفيت منذ سنوات بغرض السطو على قطعة أرضية والترخيص بإقامة تجزئة سكنية فوقها.
وفي اللائحة الشباطية أيضا محمد كريمين رئيس جماعة بوزنيقة والفائز عن حزب الاستقلال بمقعد برلماني عن دائرة ابن سليمان، والمتابع أمام محكمة جرائم الأموال بجناية اختلاس وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ، والذي يدعي المرض للإفلات من حضور جلسات محاكمته، إلى درجة أن مطار الوكيل العام للملك هدد قبل ستة أشهر بإحضار المتهم كريمين بالقوة العمومية، دون أن يفعل.
لقد ظل شباط يوهم تابعيه في الحزب بأنه يوفر لهم الحماية القانونية وأنه يستطيع أن يخرجهم من الملفات الجنائية مثلما يخرج الشعرة من العجين، بحجة أنه يستطيع أن يشرع فمه ويتهم جميع مسؤولي الدولة بأخطر التهم دون أن تطوله يد العدالة، لكن اليوم بعدما تم استدعاؤه من طرف الشرطة بأمر من النيابة العامة للتحقيق معه في اتهام موقع حزبه للدولة بتصفية السياسيين، انكشف أمره وظهر أنه أضعف من الدفاع حتى عن نفسه فبالأحرى أن يدافع عن غيره.
إنها رسالة واضحة لكل من لا زال يتوهم أن شباط يستطيع أن يحميه من المتابعة، أو يخفف عنه حكما قضائيا بتدخلاته، أو أن يخرجه من غياهب السجن مثلما يخرج الساحر الأرانب من قبعته.
لقد انتهى العهد الشباطي نهايته الطبيعية، لأن ما بني على باطل فهو باطل.